نيويورك تختتم أسبوعها بأكتاف قوية وأحزمة مشدودة وألوان قاتمة

 أزياء مضمونة تجمع بين الكلاسيكية والرقي والبساطة، وبين القوة والأنوثة تغرى المرأة
أزياء مضمونة تجمع بين الكلاسيكية والرقي والبساطة، وبين القوة والأنوثة تغرى المرأة

ما هي التصميمات التي يمكن تقديمها في وقت تعاني فيه عدة قطاعات من المشكلات، وتتعرض فيه شركات للإفلاس، حتى تغري المرأة بصرف مبالغ مهمة من أجل الحصول عليها؟ الجواب الذي صرحت به نيويورك كان واضحا: أزياء مضمونة تجمع بين الكلاسيكية والرقي والبساطة، وبين القوة والأنوثة.


تصميمات بأكتاف محددة مثل تلك التي شهدناها في بداية الثمانينات مع دخول المرأة ميادين العمل، مع «شد الأحزمة» لتحديد الخصر والتخفيف من استعمال الأقمشة بسخاء، وجرعة قوية من الرمادي والأسود والألوان الداكنة.

حتى المخضرمة كارولينا هيريرا، طرحت قطعا كثيرة تلتصق على الجسم، من خلال بنطلونات أنبوبية، بعضها من الساتان، وتنورات ضيقة، وكأنها تريد أن تقتصد في كميات الأقمشة المستعملة.

ورغم أجراس التشاؤم التي تعالت في أجواء نيويورك وأرسلت قشعريرة باردة في عروقها، فإن فكتوريا بيكام، عضو فريق سبايس غيلرز سابقا، التي تحولت إلى مصممة أزياء حديثا، تبدو غافلة عما يجري حولها، أو هذا ما تقوله ثاني تشكيلة قدمتها خلال أسبوع نيويورك لخريف وشتاء 2009-2010. فقد قدمت تشكيلة يبدأ سعر الفستان البسيط فيها من 900 جنيه إسترليني ليصل إلى 5000 جنيه إسترليني لفستان سهرة، وكالعادة كانت التصميمات تجسد أسلوبها بكل حذافيره وتفاصيله.

فالفساتين والتنورات ضيقة تحدد الخصر من خلال كورسيهات، الجديد فيها مقارنة بتشكيلتها السابقة أنها على شكل أحزمة عريضة منفصلة عن الفستان ويمكن الاستغناء عنها، كما أنها استفادت من تجربتها السابقة وطرحت الفساتين هذه المرة بأسلوب مريح نسبيا لا يشد الجسم كثيرا أو يعيق الحركة.

وفضلا عن التصميمات الكلاسيكية الأنيقة، كانت هناك قطع تتنفس الحيوية وروح عصرية أكثر اتساعا وتناسب الأيام العادية أو عندما تكون الوجهة ناديا رياضيا، فضلا عن فساتين رائعة تليق بمناسبات السجاد الأحمر بألوان الأحمر والأسود أو الأبيض والأسود أغلبها تعانق الجسم وتنتهي بذيل.

 ما يدعو للإعجاب بها انها راقية في بساطتها وتشير إلى أن فكتوريا نضجت فعلا كمصممة، وإن كانت لا تزال تستلهم كل التصميمات من أسلوبها ومما تميل إليه لدى مصمميها المفضلين.

في عرض المخضرمة دونا كاران، كان هناك الكثير من الإغراء. لكنه ليس الإغراء المتعارف عليه من حيث استهدافه الرجل، بل إغراء للمرأة في المقام الأول من خلال تشكيلة كل ما فيها يصرخ بالأناقة والتفصيل الذي يموه على العيوب ويبرز المرأة في أجمل حالاتها.

وهذا ليس غريبا على مصممة أكدت منذ سنوات، أنها تستفيد من عيوبها وعقدها كامرأة لتقدم لبنات جنسها ما يشعرهن بالثقة والأمان.

 كانت التشكيلة أبعد ما تكون عن الإغراء الحسي المثير للغرائز بل العكس، كانت على العكس من ذلك تماما، تجسد الغموض بأكمامها الطويلة وياقاتها العالية، وهنا يكمن سر جاذبيتها.

 من حيث القصات، انسابت كل قطعة على أجسام العارضات بمرونة عجيبة بطياتها وقصاتها التي لعبت فيها على النعومة والقوة على حد سواء.

النعومة تمثلت في انسيابها الغامض الذي يغطي مجموع الجسم ولا يفضح مفاتنه، والقوة في التصميمات المحددة مثل التايورات والأكتاف والطول الذي يصل إلى الركبة فيما يخص أزياء النهار، ويغازل الأرض فيما يخص فساتين السهرة والمساء.

كما أن استعمالها لأقمشة مثل الجرسيه والحرير والكشمير تجعلها قطعا لا تعترف بالزمن، ويمكن لأي واحدة اقتناؤها من دون أن تشعر بالذنب وهي تصرف مبالغ لا بأس بها عليها في وقت لا يضمن البعض إن كانوا سيجدون عملا في الغد أم لا، لأنها يمكن أن تبقى معها لسنوات طويلة قادمة. بالنسبة لرئيسة غرفة الموضة الأميركية، المصممة دايان فون فورستنبورغ، فعلى ما يبدو، شعرت بأن الأسبوع يحتاج إلى نفحة فانتازيا وألوان.

صحيح أن الشطحات التي ظهرت في تشكيلاتها السابقة غابت، وحضرت محلها الرومانسية المستوحاة من البدو الرحل، خصوصا في القطع الصوفية ونقوشات النمور والمربعات والنقوشات الهندسية فضلا عن التطريز بخيوط الذهب والفضة.

 كان واضحا أن دايان، لم تكن تفكر في الجانب التسويقي بقدر ما كانت تفكر بأن تُتبل أسبوع نيويورك ببعض البهارات الحارة حتى تعطي نكهة مختلفة له وتترك مذاقا لذيذا لدى الحضور، وهو ما حصل بالفعل.

صحيح أنه من الصعب ارتداء بعض الاكسسوارات التي رأيناها في عرضها، لكن كل قطعة من قطعها على حدة كانت رائعة ومضمونة للغاية، وأضفت على جو نيويورك القاتم، إلى جانب البريطاني ماثيو ويليامسون، دفئا بألوانهما الجريئة ونقوشاتهما الأكثر جرأة في ظل الحالة الاقتصادية الحالية التي يتوسل فيها الكثير من المصممين السلامة بالمضمون والتجاري، وإن كان ماثيو قد تعود أن يتحفنا بهذه الألوان التي كان لها الفضل في شهرته أساسا.

المصمم اللبناني جورج شقرا، وبعد سنوات من العرض في موسم «الهوت كوتير» بباريس، حط الرحال في التفاحة الكبرى ليشارك بأول تشكيلة له في مجال الملابس الجاهزة فيها.

والحقيقة أنه أضاف إليها بعدا جديدا نظرا لخبرته الطويلة في مجال الأزياء الراقية، مما انعكس على هذه المجموعة التي جاءت تحاكي هذا الفن سواء من حيث التفصيل أو من حيث دقة التفاصيل وكانت كل قطعة فيها تناسب أكبر المهرجانات وأسعد المناسبات، ومع ذلك تنبض بروح عصرية شابة.

كانت بداية قوية وأهلا بمصمم حفر اسمه بهدوء معتمدا على الخبرة والتفاني في تطوير أسلوبه واحترامه للمرأة.

شقرا ظل وفيا في تشكيلته هذه لاحتفاله الدائم بالأنوثة، لكنه اختار ألوانا مستقبلية تتباين بين الأحمر البرتقالي إلى الأسود الفاحم مرورا بالأخضر والفضي والوردي، وأقمشة مترفة مثل التافتا والاورغنزا.

وكان لا بد أن يحقق له هذا السخاء المترف النتيجة التي يحلم بها أي مصمم، وهي لفت الأنظار، لا سيما أن الكل كان قد بدأ يصاب بحالة من الملل من الألوان الرمادية والغامقة وكأن مصمميها يخجلون من استعمال ألوان متوهجة في هذا الوقت من الزمن.

شارك في الأسبوع أيضا ماركة «لاكوست» التي تتمتع بنصيب كبير من الإقبال في السوق الأميركي وتعتبر منافسا قويا لرالف لوران فيها، لكنها جاءت مشاركة باهتة، لأن الدار لم تقدم جديدا رغم جماليات ما قدمته. اللافت في هذا الأسبوع أن المشهد تغير بظهور مصممين شابين هما ثاكون وجايسون وو، اللذان سحبا السجاد من تحت أقدام بعض المخضرمين مثل أوسكار دي لارونتا. والمقصود هنا بسحب السجاد منه، ليس قدراته الإبداعية، بل إقبال سيدة البيت الأبيض على تصاميمهما.

فأوسكار، والمخضرمة كارولينا هيريرا، كانا المصممين المفضلين للورا بوش وقبلها هيلاري كلينتون، لكن ميشيل أوباما، على ما يبدو تفضل إعطاء الفرصة للشباب.

وهذا ما كان، فجايسون وو حصل على فرصة عمره عندما ظهرت في إحدى تصميماته، مما فتح العيون عليه، وجعل عرضه من أهم العروض هذا الأسبوع. ويقال إن تشكيلته بيعت بأكملها. ثاكون، أيضا من المصممين المفضلين لميشيل، إذ ظهرت بعدة تصميمات من إبداعه، نظرا لكلاسيكيتها العصرية والشابة، وهذه سمة يشترك فيها مع جايسون وو وأيضا ميشيل أوباما، إن صح القول.

ولا داعي للقول إن حجم الإقبال على عرضيهما كان كبيرا ولم يخيبا التوقعات. ففي الوقت الذي قدم فيه ثاكون تصميمات كلاسيكية بروح شابة وعصرية، قدم جايسون وو تشكيلة جنحت بعض الشيء إلى الفانتازيا، رغم أن السيدة أوباما كانت نصب عينيه دائما، كما قال.

كانت هناك تناقضات ملموسة في هذا الأسبوع، ما بين مخاوف من المبالغة والتكلف في ظل الأزمة العالمية، وبين اللعب على الكلاسيكي العصري المضمون، لكن كانت هناك أيضا رياح تفاؤل وتغيير، جسدتها مشاركة كبيرة وقوية لمصممين من جنسيات مختلفة ومتنوعة أكثر من ذي قبل، منها مشاركات من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط مما جعل نيويورك في أسبوعها تكتسي ألوان قوس قزح، ومثالا صغيرا للديمقراطية التي تتغنى بهذا أميركا هذه الأيام، بعد دخول أول رئيس أسود إلى البيت الأبيض.