معرض فني يجسد هوس عمليات التجميل في لبنان

ألقى معرض دارغوث الضوء على الهجمة اللبنانية على عمليات التجميل
ألقى معرض دارغوث الضوء على الهجمة اللبنانية على عمليات التجميل

من أرض الواقع اللبناني وطبيعة مجتمع فتياته اللواتي يطمحن للجمال والرشاقة، ولد معرض الفنانة اللبنانية تغريد دارغوث، الذي نظم في معرض «أجيال» في بيروت وحمل عنوان «مرآة.. مرآة». مرآة هدفها أن تعكس هاجس الفتيات اللواتي بتن لا همّ لهن إلا تحسين المظهر الخارجي بغية إرضاء الآخرين والتماثل بالشهيرات والنجمات، وإن لا يمكننا إغفال أن الظاهرة باتت تشمل الرجال أيضا. فشريحة كبيرة منهم وقعت ضحية إغراء حلم استعادة بعض ملامح الشباب.


لكن يمكن القول انه في حين ألقى معرض دارغوث الضوء على الهجمة اللبنانية على عمليات التجميل، إلا أنه أيضا ساهم في تقبّل هذه الفكرة لدى عدد كبير من الزائرين الذين وجدوا في رسومها واقعا أليما يحق لمن يعانيه التخلّص منه إذا توافرت له الفرصة الملائمة.

اعتبرت دارغوث أن اعتمادها على هذه الفكرة في معرضها الأخير يعود بالدرجة الأولى الى أن الفن يجب أن لا يكون بعيدا عن المجتمع، وظاهرة عمليات التجميل الرائجة في المجتمع اللبناني ليست إلا قضية اجتماعية لا بد من التوقف عندها، وتضيف: «قصدت من خلال هذه اللوحات أن ألقي الضوء على هذه الظاهرة التجميلية في المجتمع اللبناني، التي أصابت نسبة كبيرة من نسائه، بدرجة أنهن أصبحن يتشابهن في تفاصيل مظهرهن الخارجي». وبينما تشهد جراحات التجميل ازدهارا فإن من بين أبرز آثارها الجانبية أن المرء إذا جلس في أحد المطاعم اللبنانية الفاخرة فانه سيلاحظ كم صارت النساء اللبنانيات متشابهات.

وتقول امرأة لبنانية مازحة: «ربما لأننا جميعا نذهب إلى نفس جراح التجميل .. لكن على أية حال، فإنه من الأفضل أن نبدو متشابهات وجميلات على أن نكون قبيحات».

لوحات دارغوث رسمت بالأكريليك وبأحجام مختلفة وأطلقت عليها أسماء متنوعة، لكنها كلها تعكس المشكلة التي تعانيها الفتاة التي تجسدها اللوحة، مثل «القلق» و«أريد جسدا آخر» و«ليست إلا تفاصيل» و«سيدة روز» و«حظ موفق» وسلسلة «مرآة مرآة» و«الرغبة» ولوحة «لعبة الغميضة» وغيرها.

 القاسم المشترك بين هذه اللوحات أن وقعها لم يكن خفيفا على العين، بل كان صادما لناحية التركيز على تفاصيل الجسد المترهلة، لا سيما الأجزاء التي تشكّل ركائز مهمة في اكتمال مظهر المرأة الخارجي.

هذه لوحة لجسد ممتلئ مذيلة بعبارة «قبل» وأخرى ذات جسد بمقاييس مقبولة الى حد ما بعدما خضعت لجراحة شفط الدهون ذيلت بعبارة «بعد». وجوه بائسة وكأنها تنتظر بحذر نتيجة اتخاذها قرار التغيير.

هذا وأسئلة كثيرة طرحتها دارغوث في لوحاتها من خلال عرض رسومات لأشخاص حقيقيين من مختلف الأعمار خضعوا لعمليات التجميل وهم لا يزالون ينتظرون النتيجة بفارغ الصبر، إذ لا تزال أنوفهم مغطاة بالشاش، بانتظار أن يحين الوقت للكشف عما أنتجته أنامل «الطبيب الجراح»، أو كهؤلاء الذين يعانون مرض السمنة المتركزة في الأرداف المترهلة والبطون الممتلئة وما بينهما من لحوم وشحوم ربما جعلت الناظر إليها يؤيد فكرة الخضوع لعمليات التجميل ويتعاطف مع هؤلاء بدل المعارضة والاستنكار، لما عكسته من قبح الواقع وصعوبة تقبّل المجتمع لأصحاب هذه المشكلات. وبالتالي لم لا يتم اللجوء إلى عمليات التجميل ما داموا قادرين على التخلص منها بأسهل الطرق وأسرعها.

وعن الملامح التي عكست نفوس أشخاص قلقين بعيدا عن الفرح الذي يفترض أن يشعر به من ينجح في تجميل نفسه قالت دارغوث، إنها ارتأت تصوير هؤلاء النساء بعد خضوعهن لعمليات التجميل مباشرة أي في فترة «القبح القصيرة» وما يرافقها من آلام ومعاناة جسدية ونفسية، لا سيما في ما يتعلّق بحالة القلق التي تشعر بها النساء لجهة إمكان نجاح هذه العملية أو عدمها وما ستكون عليه ردة فعل المجتمع حيالها، هل سيتقبلها أم لا؟، وأسئلة مختلفة تصب كلها بحسب دارغوث، في خانة سؤال أكبر وأكثر عمقا وهو: هل يستحق هذا الهدف الجمالي خطر إجراء العملية الجراحية وتحمّل أوجاعها؟، وإذا كانت هذه المرأة أو تلك الفتاة قوية وواثقة من نفسها لماذا تلجأ الى هذه العمليات بهدف تقليد الشهيرات والسعي الدائم إلى إرضاء الآخرين وتحسين نظرة المجتمع تجاهها؟.

وفي حين أكدت دارغوث أن الهدف من هذه اللوحات ليس إلا إلقاء الضوء على قضية اجتماعية وتناولها على أنها ظاهرة اجتماعية محلية، مؤكدة أنها ليست في وارد إلقاء الأحكام المسبقة السلبية منها أو الايجابية على الأشخاص، تفاوتت ردود أفعال زائري معرض «مرآة.. مرآة» الذين سبق لمعظمهم ان خضعوا لعمليات تجميلية.

فقد عبّر عدد منهم عن إعجابهم بالعمل واعتبروه مجرد عمل فني، فيما لم يعجب به آخرون اعتبروه مستفزا وتدخلا في حرية شخصية لمن يعانون من مشكلات خاصة تستدعي تدخلا جراحيا.

 أما الفنانة فتصر ان الظاهرة واقع اجتماعي، وليست من وحي الخيال. فاللافت أنه بات من المألوف أن يرى المرء فتيات تتراوح أعمارهن بين 17 و22 عاما يمشين في شوارع لبنان بوجوه منتفخة أو أنوف ملفوفة في أشرطة لاصقة.

ويؤكد جراح التجميل الدكتور الياس شماس، أن لبنان يشهد خلال شهري يوليو (تموز)، وأغسطس (آب)، انتعاشا في جراحات تجميل الأنف، مضيفا أنه في هذه الفترة تأتي للبلاد نساء من كل أرجاء الوطن العربي لهذا الغرض.

 ويوضح شماس أن الغالبية يحضرن إلى مركزه الطبي ومعهن صور لمن يردن أن يتشبهن بها، مشيرا إلى أنه من المألوف أن تطلب عميلاته أن يحصلن على شفاه انجيلينا جولي المكتنزة، أو شفاه مادونا صاحبة الشباب الدائم، وبخاصة في الفترة الأخيرة مع قرب احتفالها بعيد ميلادها الخمسين.

 ورغم أنه يستطيع ان يلبي هذه الطلبات، إلا انه في أحيان كثيرة قد يجدها مستحيلة ولا ينصح بها، فيعمل جهده لإقناع المرأة بأن تخضع لإجراء تجميلي يتناسب وتركيبة وجهها.

ويضيف أن الظاهرة تشمل الرجال أيضا الذين باتوا يطلبون إجراء عمليات لتجميل الأنف أو شفط الدهون أو إزالة التجاعيد من الوجه.