وضعيات نوم لتخفيف عبء الحمل وضمان نمو الجنين

اقترحت نتائج دراسة أميركية جديدة أن تحرص الحامل على تقليل مدة استلقائها على ظهرها أثناء النوم الليلي (Supine Sleep)، لما لذلك من تأثيرات صحية جيدة ومفيدة لها ولجنينها.


وضعية نوم صحية
وتعتبر الوضعية الصحية لجسم الحامل أثناء نومها أحد الجوانب التي لا تُسهم فقط في إعطاء راحة للحامل في نومها الليلي، بما يمكنها من النشاط أثناء ساعات النهار، بل هي أيضاً وسيلة لتخفيف عبء الحمل على أعضاء شتى في جسمها، وتمكين الجنين من النمو بطريقة صحية.

وضعية جسم الحامل أثناء نومها الليلي ليس هو فقط الجانب الوحيد من جوانب صحة نوم المرأة الحامل، بل هناك عدة اضطرابات في النوم ترافق فترة الحمل. على سبيل المثال، تعتبر مشكلة الأرق وتدني مدة النوم الليلي أحد أنواع معاناة الأم الحامل. والأرق لدى الحامل لا يُؤثر فقط على نوعية عيشها للحياة اليومية وراحتها واستمتاعها بها، بل له تأثيرات صحية سلبية على عملية الحمل وسلامة الجنين. ووفق ما تشير إليه مصادر طب الولادة، يُصنف الأرق عامل خطورة في رفع احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وتسمم الحمل (Pre - Eclampsia)، والسكري الحملي، والاكتئاب، والولادة المبكرة (Preterm Birth)، والاضطرار إلى إجراء العمليات القيصرية غير المخطط لها.

إضافة إلى الأرق، تذكر المؤسسة القومية للنوم (National Sleep (Foundation بالولايات المتحدة، أنه خلال فترة الحمل تكون الحامل عُرضة لعدد من اضطرابات للنوم، مثل متلازمة تململ الساقينRestless legs) syndrome)، وانقطاع التنفس أثناء النوم (Sleep apnea)، وترجيع أحماض المعدة إلى المريء بالليل (Nighttime GERD)، وتقطع النوم بسبب تكرار الاضطرار إلى التبول أثناء الليل. كما أن عدم النوم بوضعية صحيحة يؤثر على عمل الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وجهاز القلب والأوعية الدموية وسلامة العمود الفقري لدى الحوامل.

إمدادات الأكسجين
وضمن عدد ١٥ أغسطس (آب) الماضي من مجلة «طب النوم الإكلينيكي» (Journal of Clinical Sleep Medicine)، عرض مجموعة باحثين أستراليين نتائج متابعتهم تأثيرات تعديل وضعية جسم للحوامل أثناء النوم في الثلث الأخير من فترة الحمل، وذلك نحو النوم على أحد الجانبين.

وأظهرت النتائج أن هذه الوسيلة قللت من مدة نوم الحامل على ظهرها خلال الليلة من نحو 50 دقيقة إلى نحو 28 دقيقة. وأن هذا التقليل في مدة النوم على الظهر أدى إلى تحسن في عدة مؤشرات لدى الأم ولدى الجنين.

وتحديداً، أفاد في زيادة تشبع دم الأم بالأكسجين وتقليل فترات انخفاض الأكسجين في الدم لديها أثناء النوم، كما أفاد في تقليل عدد مرات انخفاض معدل ضربات القلب لدى الجنين. وهي مؤشرات تعكس تحسن عمليات التنفس وضخ الدم من القلب إلى الرئتين وتوزيعه في الجسم كله لدى المرأة الحامل، كما يعكس تحسن عمل المشيمة والحبل السري في توصيل الكميات اللازمة من الدم للجنين.

وعلقت الدكتورة جين ورلاند، الباحثة الرئيسية في الدراسة والأستاذة المشاركة في كلية التمريض والقبالة في جامعة جنوب أستراليا في أديلايد، بالقول: «إن النتائج التي توصلنا إليها تشير إلى أن الأم الحامل يمكنها أن ترتاح في نومها بارتداء جهاز حول خصرها يمنعها بشكل فعلي من التقلقب (لا شعورياً) للاستلقاء على ظهرها أثناء النوم».

 وأضافت قائلة: «إن استخدام الحامل في أواخر فترة حملها لوسيلة علاج وضعية الجسم (Positional Therapy)، الذي يهدف إلى تقليل نوم الحامل على ظهرها، قد يحد من ضعف نوعية النوم لديها وقد يوفر أيضاً فوائد صحية لها وللجنين، مع تأثير ضئيل على إدراك الأمهات لأي تدنٍ في جودة النوم ومدة النوم».

ووفقاً لما قاله الباحثون، تقضي معظم الأمهات الحوامل قرابة 25 في المائة من المدة الزمنية لنومهن، وهن في وضع الاستلقاء على الظهر، وهو ما قد يكون عامل خطر لـ «الإملاص» (Stillbirth) (موت الجنين بعد الأسبوع العشرين من عمر الحمل) وانخفاض وزن المواليد.

وأضافوا أن هذه العلاقة ترجع في جزء منها إلى تفاقم اضطرابات التنفس لدى الأم الحامل أثناء النوم وحرمان الجنين من تزويده بالأكسجين عند نوم الأم الحامل على الظهر، في حين أن وسيلة علاج وضعية الجسم هي طريقة مقبولة جيداً لتقليل وقت النوم على الظهر وزيادة النوم على أحد الجانبين.

وسيلة تصحيح الوضعية
وسيلة علاج وضعية الجسم أثبتت جدواها في الاستخدام من قبل البالغين الذين يعانون من اضطراب في التنفس أثناء النوم، ولكن لم تفحصها أي دراسات سابقة لاستخدامها من قبل النساء الحوامل.

وقالت الدكتورة ورلاند «إن ارتداء الأم الحامل لجهاز يقلل من النوم على الظهر، وأن يكون جهازاً مريحاً ولا يؤثر على طول مدة النوم أو جودة نوعيته لديها، وقد يكون أيضاً طريقة بسيطة للحد من حالات الإملاص، خصوصاً إذا كانت الأم عُرضة لخطر ذلك بشكل متزايد بسبب عوامل أخرى لديها في حملها».

وكانت دراسة لباحثين أسبان نشرت في عدد 28 يناير (كانون الثاني) الماضي من «المجلة الأوروبية لطب النساء والتوليد وبيولوجيا التكاثر» (European Journal of Obstetrics & Gynecology and Reproductive (Biology، قد لاحظت أن 64 في المائة من النساء الحوامل يُعانين من الأرق في مرحلة الثلث الأخير من فترة الحمل، مع أن نسبة معاناة النساء قبل الحمل من ذلك لا تتجاوز 6 في المائة، ما يعني أن نسبة المعاناة من الأرق في فترة الثلث الأخير من الحمل هي أكثر من 10 أضعاف نسبتها قبل الحمل.

وهي الدراسة التي تم عرضها ضمن ملحق صحتك بـ«الشرق الأوسط» في عدد 2 فبراير (شباط) الماضي. ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم أن المعاناة من الأرق بلغت نسبتها 44 في المائة لدى الحوامل خلال الثلث الأول من فترة الحمل، وارتفعت إلى 46 في المائة في فترة الثلث الثاني من الحمل، ثم ارتفعت لتبلغ 64 في المائة خلال فترة الثلث الأخير من الحمل.

وأفادوا في محصلة نتائج الدراسة بالقول: «وفي أواخر الحمل، وجدنا أن اثنتين من أصل 3 نساء حوامل يعانين من الأرق. وينبغي العمل على الوقاية من الأرق، خصوصاً لأولئك النساء الحوامل اللواتي يُعانين من زيادة الوزن وارتفاع مؤشر كتلة الجسم، وكذلك اللواتي لديهن الأرق من قبل بدء الحمل».

كما أفادت نتائج دراسة باحثين من كلية طب جامعة «ديوك إن يو إس» في سنغافورة، بأن ثمة علاقة وثيقة بين عدم أخذ الحوامل لقسط كاف من النوم وبين ارتفاع احتمالات الإصابة بسكري الحمل (Gestational Diabetes Mellitus). وهي الدراسة التي تم نشرها ضمن عدد 9 يناير 2017 من «مجلة النوم» (Journal SLEEP)، الصادرة عن «المجمع الأميركي لبحوث النوم» (Sleep Research Society).

وتحديداً، لاحظ الباحثون أن احتمالات الإصابة بسكري الحمل كانت أعلى لدى الحوامل اللواتي ينمن أقل من 6 ساعات، مقارنة بالحوامل اللواتي ينمن 7 أو 8 ساعات بالليل.

مشاكل النوم المختلفة خلال الحمل
يمكن للتغيرات الهرمونية والمضايقات الجسدية المرتبطة بالحمل أن تؤثر على نوعية نوم المرأة الحامل.

وكل ثلاثة أشهر من فترات الحمل يمكن أن تتسبب في تحديات مختلفة للنوم. وفي النوم خلال الثلث الأول من الحمل يكثر الاستيقاظ المتكرر بسبب الحاجة المتزايدة للذهاب إلى الحمام للتبول، وتزداد اضطرابات النوم نتيجة الإجهاد البدني والعاطفي والنفسي المرتبط بالحمل، مع زيادة النعاس أثناء النهار.

وفي النوم خلال الثلث الثاني من الحمل ربما يتحسن النوم بالنسبة لبعض الحوامل نتيجة لانخفاض وتيرة التبول الليلي بسبب نقص ضغط كتلة الجنين على مثانة الأم الحامل، ولكن تظل نوعية النوم سيئة لدى البعض الآخر منهن نتيجة زيادة نمو الطفل والضغط النفسي المرتبط بالحمل.

وفي النوم خلال الثلث الثالث من الحمل، من المحتمل أن تواجه معظم الحوامل مشاكل في النوم نتيجة للانزعاج بسبب زيادة حجم البطن، وزيادة المعاناة من حرقة المعدة ومن تشنجات الساقين ومن احتقان الجيوب الأنفية. كما تعود المعاناة من التبول الليلي المتكرر لأن وضع الطفل المتغير يضغط مرة أخرى على المثانة.

ومما يُساعد في تخفيف معاناة الحوامل من اضطرابات النوم استخدام وسائد إضافية لدعم كل من البطن والظهر، ويمكن للوسادة بين الساقين أن تساعد في دعم أسفل الظهر وجعل النوم على الجانين أسهل. كما قد تساعد التغذية الجيدة في تسهيل النوم، مثل شرب الحليب أو تناول البيض أو الموز، وكذلك تناول السكريات والأطعمة العالية المحتوى به مثل الخبز والبسكويت. وتسهم تقنيات الاسترخاء في تهدئة العقل والذهن واسترخاء العضلات.

وتشمل هذه التقنيات التمدد، واليوغا، والتدليك، والتنفس العميق، والحمام الدافئ أو الدش قبل النوم. كما تسهم ممارسة التمارين الرياضية المنتظمة أثناء الحمل في تعزز الصحة البدنية والعقلية، وتساعد أيضاً على النوم بعمق أكبر. هذا مع تذكر ضرورة تجنب الحامل ممارسة التمارين الرياضية القوية في فترة أربع ساعات من وقت النوم. تجدر الإشارة إلى ضرورة استشارة الطبيب قبل تناول أي نوع من أدوية تسهيل الخلود إلى النوم.

أهم الوضعيات لجسم الحامل أثناء النوم
وفق نتائج متابعة عينات واسعة من الناس أثناء نومهم، يقسم المتخصصون في طب النوم أنواع وضعيات النوم إلى 6 أنواع رئيسية. ودون الدخول في تفاصيل وصفها، فإن تلك الوضعيات الست هي: وضعية الجنين، ووضعية جذع الشجرة، ووضعية المتلهف، ووضعية الجندي، ووضعية السقوط الحر، ووضعية نجمة البحر.

وبالنسبة للحوامل، فإن وضعية النوم مهمة نظراً للتأثيرات الصحية المحتملة على كل مما يلي:
- عمل الجهاز التنفسي وضمان سلاسة حصول عملية التنفس لدخول الهواء إلى الصدر خلال عملية الشهيق، وخروجه منه خلال عملية الزفير.
- عمل جهاز القلب والأوعية الدموي، ويشمل أيضاً حفظ ضغط الدم ونبض القلب وضمان تدفق الدم إلى الشرايين القلبية بشكل طبيعي.
- عمل الجهاز الهضمي بكفاءة، خصوصاً حفظ محتويات المعدة من الأحماض والأطعمة ومنعها من التسريب إلى المريء والفم.
- عدم إجهاد العمود الفقري ومفاصل الجسم، وضمان تخفيف الضغط على كل من فقرات الرقبة وفقرات أسفل الظهر.

إن ضمان تدفق الدم (المحمل بالأوكسجين والغذاء) إلى الجنين بشكل طبيعي يُقلل من ضعف نموه، ويقلل أيضاً من انخفاض وتيرة ضربات القلب لديه.

والحامل لا تُنصح بالنوم على البطن ولا على الظهر، لأن النوم على البطن يضغط على الجنين ويُؤذيه، ويضغط أيضاً على بطن وصدر الأم نفسها، ويتسبب باضطرابات في عمل الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، إضافة إلى عمل القلب والأوعية الدموية، وأيضاً يزيد الضغط على العمود الفقري في أسفل الظهر.

والنوم على الظهر يتسبب في ضغط كتلة الرحم والجنين على الأوردة الكبيرة في البطن، التي تجمع الدم وتوصله إلى القلب، وإذا ما تدنت كمية الدم العائدة إلى القلب تدنت تلقائياً كمية الدم الخارجة من القلب لتغذية أعضاء الجسم وتغذية الجنين نفسه.

وأيضاً يتسبب النوم على الظهر في الضغط على الشرايين الكبيرة في منطقة البطن لدى الحامل، وهي الشرايين التي من خلالها يتدفق الدم إلى الجنين من خلال الحبل السري. ولذا فإن أفضل وضعية لنوم الحامل هي النوم على أحد الجانبين.