دراسات طبية لتطوير علاج لمرض ألزهايمر

تتغير سعة الذاكرة لدى الإنسان عادة مع تقدمه في العمر، ولكن فقدان الذاكرة الذي يؤثر سلباً على الحياة اليومية لا يعتبر علامة عادية للشيخوخة، وإنما قد يكون في الواقع عرضاً لظهور الخرف (dementia).


وتسبب هذه الظاهرة تراجعاً بطيئاً في الذاكرة والمنطق، مع أكثر أنواع الخرف المعروفة شيوعاً باسم «ألزهايمر Alzheimer›s»، وهو مرض خطير يعطل عمل خلايا الدماغ ويوقف حتى نشاطها، ويصيب 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم.

كيف يمكن معرفة ما إذا كان مصدر مشكلات الذاكرة هو عملية الشيخوخة الطبيعية أم تطور الخرف عندما تظهر العلامات التي قد تشير إلى كليهما؟ نحن بحاجة إلى معلومات نستطيع بواسطتها التمييز بين الوضع الذي يتطلب منا الانتباه والعلاج، والآخر الذي يؤثر على الجميع كونه من التطورات الطبيعية.

الشيخوخة وألزهايمر
ما الفرق بين الشيخوخة الطبيعية ومرض ألزهايمر؟ كلنا نعرف أنه كلما تقدمنا في السن، يصبح دماغنا وجسمنا أضعف، فخلال تطور الشيخوخة الطبيعية، قد نشهد تباطؤاً في التفكير والحركة، ولكن ذكاءنا لن يتأثر. من ناحية أخرى، في حالة مرض ألزهايمر، سوف يحدث تلف في الخلايا العصبية في الدماغ يؤدي إلى تفاقم التغيرات في الذاكرة. وعلى الرغم من أن مرض ألزهايمر من الممكن حدوثه في سن 30 و40 و50، فإنه في معظم الحالات يؤثر على الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً وأكثر.

وبينما تظهر التغييرات في الذاكرة الناتجة عن الشيخوخة في أسماء الأشخاص أو الأماكن، فإن التغييرات التي يسببها مرض ألزهايمر يتم التعبير عنها من خلال النسيان الذي يؤثر بشدة على قدرة الشخص على العمل؛ بل وحتى الانخراط في الحياة الاجتماعية وممارسة الهوايات.

مؤشرات مهمة
من المهم أن نتعرف على أهم العلامات التي تساعدنا في تحديد ما إذا كانت المعاناة التي يتعرض لها أحد الأقارب، كالوالدين، بسبب عملية الشيخوخة الطبيعية أو تطور مرض ألزهايمر، وعند ملاحظة هذه العلامات لدى أحدهم تجب مراجعة الطبيب لتأكيد أو دحض سبب المشكلة. وهي كالتالي:

 فقدان الذاكرة الذي يتداخل مع الحياة اليومية:
إن نسيان المعلومات التي تم تعلمها حديثا هو من أكثر علامات مرض ألزهايمر شيوعا، لا سيما في المراحل الأولى من المرض. وتشمل العلامات الأخرى نسيان التواريخ أو الأحداث المهمة، وتكرار نفس السؤال، مراراً وتكراراً، مع الاعتماد بشكل كبير على الاستعانة بأفراد العائلة، أو استخدام مساعدات الذاكرة، كتدوين الملاحظات في أشياء يمكن للمرء عادة أن يعتني بها بنفسه. بينما التغييرات المرتبطة بالعمر، لا تتداخل مع الأداء اليومي العادي، ولا تؤدي إلى الشعور بالارتباك أو القلق أكثر من اللازم. ومثالها: نسيان الحضور لاجتماع، ثم تذكر ذلك فيما بعد.

صعوبة التخطيط للمستقبل أو حل المشكلات:
 يشعر بعض الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر أحياناً بتغيرات في قدرتهم على التخطيط واتباع إرشادات واضحة؛ خاصة عند التعامل مع الأرقام. وعلى سبيل المثال: يجدون صعوبة في الطبخ باستخدام الوصفات أو تتبع الفواتير الشهرية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني كثيرون منهم من صعوبة التركيز، ويستغرقون وقتاً طويلاً في القيام بأشياء قاموا بها سابقاً في وقت أقصر.

بينما يمكن أن يحدث ذلك مع تقدم العمر لعدم الاهتمام بسبب الشيخوخة، وهو أمر طبيعي، وإذا راجع الشخص خطوات الوصفة فسيصحح الخطأ، على الأرجح.

صعوبة إنجاز المهام في المنزل أو العمل أو حتى في أوقات الفراغ:
غالباً ما يجد الأشخاص المصابون بمرض ألزهايمر صعوبة في إكمال المهام اليومية البسيطة. قد يجدون صعوبة في السفر إلى مكان سافروا إليه قبل ذلك عشرات المرات، أو العمل بالأرقام أو حتى متابعة قواعد اللعبة المفضلة. بينما يختلف الأمر في مرحلة الشيخوخة، ويعزى إلى التعب والإرهاق السريعين بحكم تقدم السن، وكذلك يجد كبير السن صعوبة في التعامل مع التكنولوجيا المتغيرة باستمرار، وهو أمر طبيعي يصعب حتى على الشخص الذي لا يعاني من ألزهايمر.

الرؤية والكتابة
 الارتباك أو التشوش حول الزمان والمكان:

 يمكن للأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر أن ينسوا تماماً تاريخ اليوم واسمه، وتحديد اسم يوم الأمس، وحتى أي موسم من السنة. بالإضافة إلى ذلك، قد يواجهون صعوبة في تحديد مكان وجودهم، متى ذهبوا، وكيف وصلوا.

بينما يمكن للشخص في سن الشيخوخة أن يتذكر اسم اليوم بعد شيء من التفكير، وهو أمر قد يتعرض له، في بعض الأحيان، الشباب، وكذلك المتقاعدون، فينسون مثلاً اليوم والتاريخ إذا كانوا في إجازة بعيداً عن الروتين الأسبوعي، وفاقدين الإحساس بعطلة نهاية الأسبوع.

 صعوبات في الرؤية وفهم الصور والعلاقات المكانية:
مشكلات الرؤية هي من علامات مرض ألزهايمر، تتمثل في صعوبة القراءة أو قياس المسافات أو ملاحظة الاختلافات بين بعض الظلال أو الألوان.

بالإضافة إلى ذلك، قد يعاني مريض ألزهايمر من مشكلات في الإدراك المكاني، مثل عدم تمييز أنفسهم في المرآة، مما يؤدي إلى التفكير في شخص ما في الغرفة معهم. وبينما يعزى ذلك إلى ضعف البصر عند كبار السن، لا تكون الرؤية واضحة لديهم، أو قد تكون مشكلة الرؤية مرتبطة بأمراض أخرى، مثل إعتام عدسة العين أو مرض السكري، لذلك يجب استشارة الطبيب بمجرد ملاحظة هذه التغييرات لاستبعاد الأسباب الأخرى.

ظهور صعوبات في استخدام الكلمات شفهياً وكتابياً:
 قد يجد الأشخاص المصابون بمرض ألزهايمر صعوبة في الانضمام إلى محادثة ما، أو التوقف عن التحدث في وسط المحادثة، وفقدان التفكير أثناء الحديث، وتكرار الكلام عدة مرات دون ملاحظة ذلك. يمكنهم أيضاً التعرض لصعوبة استخدام المفردات الغنية، أو حتى العثور على الاسم الصحيح للأشياء والأشخاص الذين يعرفونهم، وهذا يشمل استدعاء أطفالهم أو أصدقائهم بأسماء غير صحيحة.

أما في مرحلة الشيخوخة، فيحدث كثير من التغيرات في الدماغ فيبطؤ، وفي الذاكرة فلا تعد تعمل كما كانت في الماضي. وطالما أنه لم تختلط الكلمات ولم تُسَمَّ الأشياء بأسماء لا تنتمي إليها، فإن مشكلة الذاكرة هنا ليست بالضرورة علامة على مرض ألزهايمر.

الخطأ في وضع الأشياء وعدم القدرة على استعادة الخطوات:
 يضع الشخص المصاب بمرض ألزهايمر الأشياء في أماكن لا تنتمي إليها دون أن يلاحظ ذلك، وغالباً ما يفقد العثور على الأشياء ويفشل في تتبع خطوات الوصول إليها. في بعض الأحيان قد يلوم مرضى ألزهايمر شخصاً آخر على السرقة، ومع مرور السنين وتفاقم المرض، قد يحدث هذا بشكل أكثر تكراراً.

 أما في سن الشيخوخة، فمن المألوف أن يصعب تذكر أين وضعت النظارة أو جهاز التحكم عن بعد، ومن الممكن أن تكون هذه المشكلات قد حصلت في الماضي، وبالتالي سوف تتفاقم في سن الشيخوخة ولا يوجد ما يدعو للقلق.

دراسات لتطوير علاج لمرض ألزهايمر
 في عام 2015، توصل الباحثون الأستراليون إلى تقنية الموجات فوق الصوتية غير التدخلية (non - invasive) التي تُخلص الدماغ من لويحات الأميلويد amyloid plaques السامة للأعصاب، وهي مركبات تسبب فقدان الذاكرة وانخفاضاً حاداً في الوظيفة الإدراكية لمرضى ألزهايمر.

وعادة ما يحدث مرض ألزهايمر نتيجة لتراكم نوعين من الآفات: لويحات أميلويد، وتكتلات ليفية عصبية. تجلس لويحات الأميلويد بين الخلايا العصبية، وينتهي بها المطاف كمجموعات كثيفة من جزيئات بيتا أميلويد، وهو نوع لزج من البروتين يتكتل معاً ويشكل لويحات.

ويمكن العثور على التشابكات العصبية الليفية داخل الخلايا العصبية للدماغ، وتنتج عن خلل في بروتينات «تاو tau» التي تتجمع معا في كتلة سميكة وغير قابلة للذوبان. هذا يسبب التواءات في خيوط صغيرة تعرف باسم «microtubules»، تقوم بتعطيل نقل المواد الأساسية مثل المواد المغذية والعضويات.

 في أواخر عام 2015، حدث اختراق كبير ضمن سباق العلماء لإيجاد حل للمرض، عندما توصل فريق من معهد الدماغ بجامعة كوينزلاند (QBI) إلى حل واعد جداً لإزالة تراكم بروتينات بيتا أميلويد وبروتين تاو المعاب (defective tau) من دماغ المريض.

 ووصف الفريق هذه التقنية بأنها تستخدم نوعاً معيناً من الموجات فوق الصوتية، المعروفة باسم الموجات فوق الصوتية العلاجية المركزة، التي تعمل على بث موجات صوتية بطريقة غير جراحية في أنسجة المخ.

وبتأرجح سريع جداً، تفتح هذه الموجات الصوتية حاجز الدم في الدماغ بلطف، وهي طبقة تحمي الدماغ ضد البكتيريا، وتحفز خلايا الدماغ الدبقية (microglial cells) لتنشط وتقوم بعملها بإزالة النفايات، أي كتل بيتا أميلويد السامة المسؤولة عن أسوأ أعراض مرض ألزهايمر.

تمكن الفريق الطبي من استعادة وظيفة الذاكرة بشكل كامل في 75 في المائة من الفئران التي اختُبر فيها هذا الإجراء، مع عدم وجود ضرر على نسيج الدماغ المحيط. ووجد الباحثون أن الفئران المعالجة أظهرت أداءً محسناً في ثلاث مهام للذاكرة، وهي: المتاهة، والتعرف على الأجسام الجديدة، وتذكر الأماكن التي يجب تجنبها.

وقال جورجن غوتس Jurgen Gotz، عضو الفريق الطبي: «نحن متحمسون للغاية لهذا الابتكار في علاج مرض ألزهايمر؛ دون استخدام العلاجات الدوائية، ولم نسئ استخدام كلمة (اختراق breakthrough) في وصف إنجازنا؛ لأن ما تم التوصل إليه هو في الحقيقة سوف يغير بشكل أساسي فهمنا لكيفية علاج هذا المرض، ونحن نتوقع مستقبلاً عظيماً لهذا الإنجاز».

ومما تجدر الإشارة إليه أن الفئران لديها جماجم أرق بكثير من البشر، وبالتالي فإن هذه الطريقة بحاجة إلى تعديل وفقاً لذلك قبل إجراء التجارب السريرية على البشر.

وستكون الخطوة التالية هي إجراء اختبارات مكثفة على الأغنام، مما سيعطي الباحثين فهماً أفضل حول ما إذا كانت هذه التقنية ستنجح عند البشر أيضاً، ومن ثم سوف تبدأ التجارب على الإنسان في المستقبل القريب.