الديكور التونسي .. تعايش التراث والحداثة

تشكل الأواني النحاسية والطينية
تشكل الأواني النحاسية والطينية

تتغير أساليب الديكورات داخل البيت التونسي وتختلف من بيت إلى آخر، لكن الكثير من المعطيات تبقى ثابتة.


فالزربية التونسية (السجاد)، والتطريزات التراثية، والأواني النحاسية، حافظت على مركزها كأداة مهمة من أدوات الديكور في مختلف الأوساط الاجتماعية ولا تختلف أية عائلة من العائلات حول أهمية هذه الأدوات ودورها في زينة الدار. من أهم هذه الأدوات، لا بد ان نذكر «القطيف»، وهو نوع من السجاد التونسي النادر ويسمى كذلك «سجاد الخيام».

ويشكل هذا النوع استثناء لأنه يختلف تماما عن بقية الأنواع، فهو يصنع من قِبل الرجال الذين يسمون «الرفامة»، وعلى عكس الزربية (السجاد)، القيروانية أو البنزرتية، فإن صناعة «القطيف» غير معروفة بكثرة في الأوساط التونسية، واقتصر استعماله في الماضي على البدو الأثرياء الذين بلغوا مرتبة السيادة والشرف.

ولا يصنع «القطيف» إلا بناء على طلب، واختصت في صناعته مجموعة من القبائل التونسية أهمها «الهمامة»، «دريد»، «الجلاص»، و«أولاد بوغانم». هذا «القطيف» مثّل، إلى زمن غير بعيد، أساس الديكور المميز للحياة البدوية كعنوان على الثراء والمكانة المتميزة، أصبح اليوم مطلبا للعديد من سكان المدن.

تجدر الإشارة إلى أنه يصنع من وبر الإبل وشعر الماعز وصوف الأغنام، وكان يلعب دور البساط والغطاء لكامل أفراد القبيلة قبل ان يجد طريقه إلى تزيين جدران البيوت العصرية.

وكانت صناعته قد شهدت منذ أواخر القرن التاسع عشر، تراجعا بسبب استقرار البدو في القرى، إلى جانب ارتفاع كلفته مما جعله يتراجع أمام ازدهار الزربية القيروانية و«الكليم» بسبب كلفتهما الرخيصة وكونهما مناسبين أكثر للاستعمال اليومي، الأمر الذي شجع العائلة التونسية على إدخالهما كمكون أساسي من مكونات الديكور الذي يكاد لا يبارح أي بيت تونسي. يكتسي الديكور الداخلي في تونس أهمية خاصة لدى العائلة التونسية، وهو يختلف من وسط اجتماعي إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى.

بيد أن ما أجمعت عليه الأغلبية من الخبراء، أن هناك عوامل عدة تتدخل في تحديد نوعية الديكور الذي يتم اعتماده في البيت، إذ يقرأ المصممون مزاج الشخص صاحب البيت، ونوعية الثقافة التي تلقاها، بمعنى إذا كانت منفتحة حديثة التوجه، وبالتالي تتوخى طرازا عصريا وحديثا، أو ذات توجه تقليدي تبحث من خلاله على العتيق والتراثي، وإن أصبحت الشريحة الأولى تقبل على النوع التراثي أيضا، وبشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

وتوظف العديد من الخصوصيات التونسية في الديكور الداخلي، على غرار البلور والخشب والفضة والزرابي (السجاد) والمرقوم والمفروشات بأنواعها والسعف الصحراوي، كما يوظف المصممون كل هذه الميزات التونسية في تصميم مكونات متفردة من الديكور.

حول هذا الموضوع تقول نادية بن يوسف، مهندسة متخصصة في الديكور الداخلي، إنه على «المصمم أن يأخذ بعين الاعتبار عدد أفراد العائلة ومهنة صاحب البيت». وتشير إلى أن الديكور الداخلي ينقسم عموما إلى جزء خاص بالمساء والسهرات، ويخصص للضيوف عموما، وآخر للاستعمال اليومي، أي للأسرة. وتشير أيضا إلى أنه على المصمم أن يستغل الألوان لتحديد الأفضل وأن يستفيد من البلور في علاقة الخارج بالداخل.

ويقع توزيع الفضاء بصفة مدروسة ومحسوبة، مع إمكانية اللجوء إلى العديد من المكونات الأخرى. فبيت الجلوس العربي، مثلا، قد يزين بمجموعة من الإكسسوارات القديمة، مثل الجمل والنخلة والخمسة في المنسوجات الصوفية، كما يمكن استعمال الرحى القديمة والجلود والمرقوم وصينية النحاس وكانون الطين والأسلحة القديمة في تأثيثها. وتلفت نادية بن يوسف النظر إلى أنه في حال أراد صاحب البيت النمط البدوي، فإن «الزربية» و«الكليم» بزينتهما التقليدية البسيطة، تكونان الخيار الأفضل.

وحول نفس الموضوع، يقول محمد بوثليجة، أيضا مهندس ديكور، إن البلور لا بد أن يتماشى مع الستائر والأثاث من حيث الألوان والأشكال، ومعظمها مستنبط من الصناعات التقليدية التونسية ومن التراث التونسي، فيوظف المصمم التحف التونسية، سواء منها الفسيفساء أو الخمسة الذهبية التي تطرد العين ضمن المخيال الشعبي التونسي، أو قد يلجأ من ناحية أخرى إلى الخزف والخشب لهذه الغاية.

ويفضل الخشب على الخزف لأنه يعيش أكثر وبإمكان أية تجهيزات مصنوعة من الخشب الجيد أن تدوم لأكثر من 40 سنة، ولا يمكن عمليا استعمال البلور لوحده، بل يدخل ضمن تركيبة ثنائية أو ثلاثية في بعض الحالات ليضفي رونقا خاصا على المكان.

أما قيس الزغديدي المتخصص في صناعة الفضة، فقد صرح لنا بأنه يركز على الصناعة التونسية بصفة كاملة، ويوظف الكثير من الموروث الثقافي التونسي في تصميمات الديكور في أي محل يحط الرحال به، فنجد أشكال النخلة والزيتونة والبئر والجمل تتكرر في أكثر من مناسبة ويلجأ إلى أشكال الثمار في صناعة قطع كثيرة تؤثث لها مواقع في الفضاء المعد للديكور.

فمكحلة العينين تقدم على شكل اجاصة ومرش الزهر يصنع من الفضة ويؤثث بيت نوم العروس، وهكذا. ويعتبر قيس أن توظيف بعض مكونات الموروث الثقافي التونسي قد تعطي نكهة مختلفة للديكور وطريقة تقديمه، فالصندوق التونسي للعروس المعروف باسم «الكنويطة» بالإمكان توظيفه لإضفاء مسحة جمالية خاصة على المكان من خلال اللجوء إلى الفضة عند صناعته.

ويلجأ المصمم كذلك إلى قفص سيدي بوسعيد ذي اللون الأزرق المعروف عالميا، كما أن الواجهات البلورية من شبابيك وأبواب وفتحات بالمنزل يمكن أن توظف فيها الفضة.

وترى رجاء الريس، المختصة في التطريز أن التراث يتعايش مع الحداثة بامتياز في تونس، فالعائلة التونسية تأخذ من كل شيء جانبا وتلعب عليه، على حد تعبيرها، وهي تحبذ المفروشات العربية القديمة التي تعلق على الجدران وتضفي عليها خصوصية بفضل تطريزاتها الفريدة.

وقد سعت أخيرا إلى الاعتماد على الأقمشة المعروفة في مدينة القيروان باسم «الحايك» وهو غطاء يغطي كامل جسد المرأة ويصنع من صوف دقيق جدا، ووظفت هذه الأقمشة في صناعة الستائر والمفروشات.

وترى رجاء أن العائلة التونسية أصبحت تبحث عن «المرقوم» (النوع من التطريز) في بيوت الصالة، وما زالت العديد من الألوان الطبيعية مطلوبة، مثل الأبيض والأسود والبني، إلا أن بعض أصحاب الفضاءات أصبحوا يبحثون عن ألوان جديدة مثل الفستقي والأحمر القاني أخيرا، لأن الأذواق أصبحت متنوعة بشكل يصعب معه إرضاء الكل، لا سيما الذين يبحثون عن الجديد والمتفرد، وقد يجدون ضالتهم في الحديث أو التراث. وترى رجاء أن المواد التراثية لها مستقبل كبير، وقد رجعت بقوة بعد التطورات الجذرية التي عرفتها العائلة التونسية، وأنماط العيش والاختفاء التدريجي للحياة الريفية المعروفة بجوانبها المحافظة والبسيطة، مما جعل البعض يحن إليها، ولو من باب الديكور.