بالصور .. لماذا يعبس الناس وتغيب الابتسامة في الصور؟

لماذا لم يبتسم الأجداد في معظم الصور؟ ولماذا لا نرى عفوية في ضحكاتهم؟


يطغى على ملامح الأشخاص في الصور القديمة العبوس الغامض، وهذا ما جعل المختصين والباحثين يسعون إلى معرفة طبيعة ذلك الوقت والعمل على كشفها.

وكأن هناك من كان يحدد الابتسامة بمقياس دقيق، مانعاً ظهور الأسنان في الصور، أو كأن ثمة صراع بين الجدية والابتهاج، يظهر في الفم الذي يحاول أن يتمدد ويبتسم، وتمنعه ضوابط المجتمع.

كأنهم يصارعون الابتسام
يقول المختص النفسي الدكتور ماهر الشرافي: "الابتسامة من ضروريات الحياة والتفاعل بين البشر سواء في الواقع أو حتى في الصور، وعلى الرغم من هذا كله ومن خلال تتبعنا الصور الفوتوغرافية القديمة، إلّا أننا لا نكاد نرى أثراً واضحاً للابتسامة وهذا يختلف تماماً عن الصور التي نواها اليوم".

وهو ما تؤكده داليا الخميسي، المصورة الفوتوغرافية في بيروت، قائلة أن لوقت طويل كانت الابتسامة غائبة عن البورتريه مع عبوس حاد في ملامح الوجه، ما يعطي انطباعاً بأن الناس في حالة عدم رضا، ملل، عدم راحة أو حرج خفيف، أو كأن الناس يصارعون الابتسام.

نرى أن صوراً لأناس مشهورين تدور حول هذا الصراع نفسه، وذلك ما نلمسه في صورة الموناليزا التي لها وصمة خاصة بها، بحيث إنها تتميز بالابتسامة الغامضة.

تقول الخميسي: "في القرن السابع عشر، كانت في أوروبا حقيقة راسخة بأن الناس الذين ابتسموا في الصور كانوا الفقراء أو في حالة سكر أو أبرياء"، وتكمل حديثها: "البسطاء من الناس، والذين يمتهنون مهناً بسيطة كأهل الريف مثلًا إضافة إلى الأشخاص الذين يعملون في المسرح والتمثيل، يتميزون بالابتسامة العريضة في الصور".

أما شخصيات الطبقات العليا من المفروض أن تكون صورهم جدية أكثر وتميل إلى الرزانة والبعد كل البعد من الموازاة والتقليد وأخذ طابع خاص بهم، بابتسامة غامضة لا يمكن ملاحظتها ولا رؤيتها

أضافت الخميسي: "الابتسامة بدأت في القرن التاسع عشر، عندما كان عصر النهضة في أعلى مستوياته. وبلغت ذروتها مطلع عام 1919، عندما أنتج الفنان الفرنسي مارسي دو شامب نسخاً قليلة من اللوحات تميزت بالابتسامة الخفيفة".

هل هي حقاً الأسنان؟
تقول الخميسي أن الاعتقاد السائد أن الناس لم يكونوا يبتسمون في الصور لأن أسنانهم كانت فظيعة بشكل عام، ليس صحيحاً.

لكن الشرافي يختلف معها بعض الشيء، فظاعة شكل الأسنان لم يكن بحد ذاته دافعاً لإغلاق الفم وكف البسمة، بل جزء من التزام الناس بنظرة المجتمع لما هو مقبول وما هو جميل وما هو مهيوب.

أقوال جاهزة
لماذا لم يبتسم الأجداد في معظم الصور؟ ولماذا لا نرى عفوية في ضحكاتهم؟

لوقت طويل كانت الابتسامة غائبة عن البورتريه مع عبوس حاد في ملامح الوجه، ما يعطي انطباعاً بأن الناس في حالة عدم رضا

بشاعة الأسنان لم تكن بحد ذاتها دافعاً لكف البسمة بل نوع من الاتزام بما هو جميل

وللابتسامة، و ظهور الأسنان أحياناً، دلالات ثقافية وتاريخية كثيرة، قليل منها يتماشى مع تصوراتنا الحديثة بأنها إشارة على السعادة والرضى النفسي.

ويقول الشرافي: "هناك من يعزو الأمر (عدم الابتسام) إلى وجود عيب خلقي يتمثل باعوجاج في الأسنان، حيث إن الناس في الأزمنة الغابرة، كانوا أكثر اهتماماً بالشكل والصورة العامة للجسد".

وهو يضرب مثلاً بحديث موروث عن الرسول محمد يقول فيه "لعن الله المتفلجات"، أي اللواتي يفرقن بين أسنانهن.

يضيف الشرافي: "هذا كان معياراً لجمال المرأة، وعليه أعتقد أن الأمر يعود إلى الموروث الثقافي والعادات والتقاليد"، مستنتجاً أن جمال الأسنان أو قبحها كان معياراً أساسياً للجمال.

وبرأيه، فإنه من خلال تتبع الصور وتحليلها، نجد أن هناك قيماً يتشبث بها الإنسان بناءً على صورة ذهنية تتواءم مع الموروث الثقافي.

فمن معايير الرجولة الشخصية القوية الصلبة الخشنة، لذا نرى في الصور ارتفاع الهامة، وامتشاق السلاح، فالابتسامة هي صفة من صفات أشباه الرجال لاعتقادهم أنها أقرب إلى صفات النساء وتطعن في مروءتهم، وهذا ما لا نجده في زمننا فلو تتبعنا الصور الحديثة لوجدنا أن الموروث الثقافي يلعب دوراً، حيث إن الابتسامة دلالة على الشخصية السمحة المحبوبة".

كما ذكر مقال نشره موقع "ذا ببلك دوماين ريفيو" عن الجمود في الصور، أن ثمة علاقة بين  قواعد المسيحية في الكياسة للقديس يوحنا دي لاسال وعدم تبسم الناس في الصور.

وقد ذكر المقال أن إظهار الأسنان كان خرقاً لشخصيات الطبقات العليا أو نقضاً لآداب السلوك.

أما الكاتب المتميز بطابعه الفكاهي مارك توين، فكان يتميز بالجدية في صوره كونه يعتبر الابتسامة دليلاً على حماقة الشخص.

ويقول: "الصورة أهم وثيقة، ولا يوجد شيء أكثر إضراراً بالأجيال المقبلة من الابتسامة الخفيفة والحماقة التي يتم التقاطها وتظل ثابتة إلى الأبد".

مدة التصوير
تقول أستاذة العلوم السياسية في لبنان الدكتورة بيان الحوت أن الكثير من المختصين والباحثين يرون أن القيود التقنية لعبت دوراً بارزاً في غياب الابتسامة في القرنين التاسع عشر والعشرين، إلى جانب مظهر الفم والأسنان.

فكان ينظر إلى أن من العيب رسم الابتسامة وإظهارها، فالطبيعة تخالف ذلك.

فلم يكن الزعماء والمسؤولون يبتسمون في الصور، وكذلك الناس العاديون، لكن مع التطور المشهود في صناعة الكاميرات وإنتاج الصور، ازدادت سرعة التقاط الصورة بشكل هائل، وهذا ما سهل عمل التصوير.

مدة التصوير التي تتطلب وقتاً طويلاً جعلت للابتسامة ملامح غير مريحة.

فتقول داليا الخميسي: "قديماً، كان يلجأ المصور إلى إجبار الأشخاص على عدم الحركة أثناء فترة التصوير، ومن هنا تستغرق العملية وقتاً طويلاً تصبح خلاله الابتسامة غير مريحة، وذلك بالطبع يشير إلى الملل وعدم الرضا، بخاصة مع وجود أطفال في الصورة، فذلك لا يتماشى مع طبيعتهم وحركتهم المستمرة".

وتضيف: "في عام 1826، التقط لويس داغوير المصور البريطاني الأول صورة استغرقت 8 ساعات، لكن في 1839، تمكن العالم لويس داجير من تقليص هذا الوقت حتى أصبح 15 دقيقة فقط".

فكان هذا طفرة ثورية في التصوير الفوتوجرافي، إلّا أن الأمر ظلّ غير جيد في ذلك الوقت.

أضف إلى ذلك، أن كاميرات التصوير قديماً، كانت كبيرة الحجم، ثقيلة الوزن، والعدسات غريبة، بخلاف ما هي عليه الآن من تعامل هين وسرعة في التقاط الصورة وتظهيرها.

لكن، في أواخر عام 1890، فرض كوداك الابتسامة في الصور، فجعل يلتقط صوراً لأشخاص يبتسمون، وعمل على طباعتها وعرضها في الاستديو الخاص به. من هنا، بدأ الناس يبتسمون في الصور.

لكن لا تزال الصور الرسمية، حتى الحديثة منها، لا ابتسامة فيها.

فصورة أي رئيس جمهورية تعلق على حائط في الدوائر الرسمية، أو توضع على طابع بريدي، تؤخذ من دون أي ابتسامة.

حتى أفراد العائلة المالكة البريطانية الموجودة في قصر بكنجهام، بمن فيهم الأطفال أحفاد الملكة إليزابيث لا يبتسمون في الصور.

وهذه كلها صور معاصرة جداً، ما يدل على التمسك بنظرية أن شخصيات الطبقات العليا عليها الالتزام بالجدية والنمطية في الصور