تفسيرات علمية جديدة لأسباب ازدياد مناعة البعض ضد الإنفلونزا

على الرغم من أن مرض الإنفلونزا يمر في الأغلب دون أي مضاعفات للشخص العادي الذي يتمتع بمناعة طبيعية، فإن هناك طفرات تحدث باستمرار لفيروس الإنفلونزا تجعل القضاء على المرض مهمة مستحيلة. وفى بعض الأحيان كانت هذه الطفرات تحمل مضاعفات شديدة الخطورة وتؤدي إلى الوفاة فيما يشبه الوباء، ولعل من أشهر هذه الطفرات تلك التي حدثت في بدايات العشرينات من القرن الماضي، وتسببت في وفاة ما يزيد على 20 مليون شخص حول العالم، ثم تلاها عدة مرات على سنوات متفرقة، ولكن لم تكن بنفس القدر من الخطورة.


النجاة من الإنفلونزا
وأخيرًا بدأت في الظهور أنواع من الإنفلونزا لا تستجيب بسهولة للعلاج، وبعضها تسبب في حالات من الوفيات مثل إنفلونزا الطيور والخنازير. ورغم أن أعداد الوفيات كانت قليلة بنسبة لا تقارن بالأوبئة، فإن ذلك لا يقلل من خطورة الإصابة وإمكانية تأثيرها على الصحة العامة. وقد أسفر معظم تلك الإصابات عن اعتلال شديد بالجهاز التنفسي.

وقد أشارت دراسة جديدة قام بها علماء من جامعتي أريزونا وكاليفورنيا ونشرت في مجلة «ساينس» (journal Science) إلى أن فرص النجاة من مثل هذه الطفرات قد يمكن تحديدها من تاريخ سنة ميلاد الشخص وكذلك نزلات البرد التي تعرض لها في الطفولة، نتيجة للمناعة التي قد يمكن أن تكون تكوّنت ضد نوعية معينة من الفيروسات.

وقد قام العلماء بفحص نوعين من الفيروسات المسببة لإنفلونزا الطيور؛ H5N1 وكذلك H7N9، وكلاهما سبب مشكلات صحية خطيرة في الأعوام السابقة للإنسان، إذ وصلت بعض الحالات إلى الوفاة وتميزت بسرعة الانتشار من الطيور إلى الإنسان.

وأوضح الباحثون أن المرة الأولى للإصابة بنزلة البرد في حياة الطفل تحفز أجهزة المناعة لإفراز أجسام مضادة تستهدف الهيموغلوتنين (hemagglutinin)، وهو عبارة عن بروتين يتسبب في انتشار الفيروس بشكل سريع ويمسك بسطح الفيروس، وهو قادر على الالتصاق وتجميع كرات الدم الحمراء، ومن هنا جاءت التسمية للبروتين.

وتختلف أنواع الفيروسات تبعًا لبروتين الهيموغلوتنين الموجود بها. وهناك نوعان فقط من الهيموغلوتنين تنتمي لهما أنواع الفيروسات على اختلاف تركيباتها الجينية المتسببة في الإنفلونزا التي تصيب الإنسان والتي يرمز لها بالإنفلونزا A، والنوع الأول الذي يصيب الإنسان مثل H1 وH2 والطيور مثل H5، والنوع الثاني يمكن أن يصيب الإنسان بدرجة أقل مثل H3 والطيور مثل H7. وأوضح الباحثون أن نوعي الهيموغلوتنين يعتبران مثل مذاقين مختلفين لشيء واحد، مثل طعم برتقال وطعم ليمون من الحلوى على شكل مصاصة.

وعلى الرغم من أن النوعية واحدة (المصاصة) فإن الطعم يختلف تمامًا، وعلى هذا الأساس إذا تعرض الطفل في أول إصابة له بالإنفلونزا على سبيل المثال للبروتين الذي يرمز له مجازًا بطعم البرتقال، فإن الجسم يكوّن أجسامًا مضادة ضده.

ولاحقًا في البلوغ حينما يتم التعرض لفيروس آخر من الإنفلونزا من الطيور على سبيل المثال للمرة الأولى ويكون البروتين الموجود به يحتوي على نفس النوعية (طعم البرتقال) تكون فرص الجسم للنجاة من تأثير هذا الفيروس القاتل كبيرة. والعكس، إذا كان من نوعية مختلفة وعلى سبيل المجاز طعم الليمون، فإن الجسم لا يكون قادرًا على مقاومته بالشكل الكافي، وفي الأغلب تكون العواقب وخيمة.

اختلاف الإصابات
بطبيعة الحال، الأمور العلمية ليست بهذه البساطة، ولكن قد تكون هذه الفرضية والنظرية على غرابتها مفسرًا لحقيقة أن اختلاف تأثير الإنفلونزا من الأنواع الخطيرة، مثل الطيور أو الخنازير، تختلف اختلافًا كبيرًا من شخص إلى آخر حتى في نفس الظروف الطبية والعمرية والحالة الصحية.

وتبين أن معظم الوفيات من فيروس الإنفلونزا H5N1 التي حدثت في آسيا أخيرًا كانت للفئة العمرية من 10 وحتى 19 عامًا، وهم الفئة التي تمت ولادتها بعد نهاية الستينات بطبيعة الحال، بينما الفئة العمرية الأكبر خصوصًا الذين ولدوا قبل نهاية الستينات من القرن الماضي، لم يكن وقع الإصابة عليهم عنيفًا، لأنهم تعرضوا في طفولتهم لنوعية مشابهة من الفيروس، حتى لو لم تكن مماثلة تمامًا، وهو الأمر الذي قد يكون أكسبهم مناعة ساهمت في حمايتهم من المضاعفات الخطيرة. وفي المقابل فإن هؤلاء البالغين لديهم فرصة أكبر للوفاة جراء الإنفلونزا من النوع H7N9.

وأوضح الباحثون أن البعض يكون لديهم مناعة تساهم في حمايتهم من الفيروسات المميتة، حتى لو كانت هذه أول مرة يتعرضون فيها للإصابة نتيجة الخبرات السابقة للجهاز المناعي تبعًا لنظرية «المصاصة» هذه. وعلى هذا الأساس يمكن التنبؤ بالفئة العمرية التي سوف تعاني أكثر من موجات الإنفلونزا المقبلة تبعًا لطبيعة الجين وحقبة المواليد.

وفى المستقبل، يأمل الباحثون في التوصل إلى لقاح مضاد للإنفلونزا حسب نوعيتها، مما يقلل من الآثار القاتلة لها ويكون بمثابة التعرض لها سابقًا، خصوصًا إذا علمنا أن إنفلونزا الخنازير H1N1 على سبيل المثال، كبدت العالم خسائر قاربت على المليار دولار، فضلاً عن الخسائر في الأرواح.

وقد أكد الباحثون أن الإصابة الأولى في سنوات الطفولة تحدد بشكل كبير فرص مقاومة الأنواع القاتلة من الإنفلونزا المتحورة التي تحدث فيها طفرات جينية، وبطبيعة الحال تسري هذه النظرية على الأنواع العادية من الإنفلونزا، مما يفسر معاناة البعض من الإنفلونزا بشكل أقل أو أكبر من الآخرين حسب نوعية الفيروس، وأعربوا عن أملهم في التوصل إلى لقاح يغطي مختلف الأنواع في المستقبل القريب.

الأمير فليب دوق أدنبرة: لم أصب بالإنفلونزا منذ 40 عامًا
قال الأمير فيليب، دوق أدنبرة زوج ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، إنه لم يصب بأي مرض على مدى 40 عاما الماضية، رغم أن عمره تعدى 95 عاما.

وكان الأمير يتحدث أثناء لقاء له مع خبراء الإنفلونزا شهر نوفمبر 2016. وسأل الدكتورة ين بي لين عن سبب مناعته ضد الإنفلونزا، وحول ما إذا كان بمقدور أي شخص تطوير مناعته بحيث تقاوم الإنفلونزا، وأضاف: «إنني أتساءل لمَ لم أصب بالإنفلونزا منذ 40 سنة؟». وأجابت الخبيرة أن كل شخص له ردات فعل مناعية مختلفة، ولذا فإن بعض الناس يتعرضون بسرعة إلى المرض.

وقالت لين، التي تشغل منصب مساعدة مدير المركز العالمي للإنفلونزا، وهي تشرح سبب عدم تعرض الأمير إلى الإنفلونزا، إنه «ربما سبق له أن أصيب بالإنفلونزا وحصل على مناعة ضدها، إذ إن من المحتمل ومع ظهور فيروسات جديدة من الإنفلونزا أن تكون مناعته المضادة قوية». وأضافت أن من المحتمل أن يكون الأمير قد أصيب بحالات خفيفة من الإصابات «التي لا تصل إلى المستوى الإكلينيكي»، تمكن جهاز المناعة لديه من مقاومتها.

والمعروف أن كل الأشخاص الذين يصلون إلى عمر 65 عاما يخضعون في بريطانيا للتطعيم بلقاح مضاد للإنفلونزا .. ولا يعلم ما إذا كان الأمير فيليب قد تلقى ذلك اللقاح!