بعد عرض دار " برادا " .. أحذية تتحدى السلامة

هل انقلب السحر على الساحر؟
ربما يكون هذا ما حصل لدار «برادا» خلال اسبوع ميلانو للأزياء الجاهزة لربيع وصيف 2009. فهذه الدار المشهورة بأزيائها التي تستبق اتجاهات الموضة بل وتحددها، وبأكسسواراتها التي تحلم بها كل انيقة، تعرضت لكبوة كبيرة تمثلت في احذية عالية وغير مريحة، لم تشفع لها فنيتها ولا اسم صاحبتها، بسبب خطورتها. ليس هذا فقط، بل اعتبرها البعض غير إنسانية، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار سلامة العارضات أو مشاعرهن. وربما تكون هذه من المرات القليلة التي لم تكن فيها مقولة، إن كل دعاية هي دعاية إيجابية صحيحة.


القضية بدأت عندما تعثرت عارضة وهي تمشي فوق المنصة، وبدت أخريات غير متمكنات من مشيتهن والخوف يبدو على وجوههن وكأنهن يمشين على حبل معلق في السماء، لينتهي الأمر بسقوط عارضة تماما. لم تضحك هذه الاخيرة أو تبتسم لتطمئن الحضور، بل كانت في غاية الحرج، الأمر الذي اكسبها تعاطفا، فانهالت الانتقادات على مدللة الموضة الإيطالية ميوتشا، متهمة إياها بأنها هذه المرة بالغت في الأمر. وكان هناك شبه إجماع على هذا الرأي، حيث لم يجد أي أحد عذرا للمصممة، ولا مبررا لمثل هذه التصاميم التي اجتاحت اوساط الموضة في المواسم الأخيرة.

ولا شك ان ميوتشا برادا تلعن حظها وسوء التوقيت، لأن سقوط عارضة أزياء على منصة العرض ليست بالأمر الجديد، ورأيناه يتكرر مرارا خلال عروض العديد من المصممين، بل إن المخضرمة فيفيان ويستوود حصلت على دعاية مجانية إيجابية كبيرة، عندما سقطت السمراء ناعومي كامبل في أحد عروضها في عام 1993. ولا ننسى ان أسهم هذه الأخيرة ايضا ارتفعت بشكل صاروخي بعد ان سقطت وغطت على حرجها بالضحك، مما أعطى الأمر بعدا إنسانيا مضحكا. لكن الوقت غير الوقت، والأوضاع الاقتصادية، مهما قيل ومهما حاولت اوساط الموضة تجاهل تبعاتها وإنكار تأثيرها، إلا انها واقع يحيط بنا من كل الجهات، ولا تخلو نشرة إخبارية منها ومن قتامتها، لذلك فإن اتجاه المصممين حاليا إلى السريالي لم يعد معقولا أو مقبولا.

صحيح ان الموضة هي فانتازيا وحلم، لكن عندما يحول المصممون هذا الحلم إلى كابوس، فإن الأمر يختلف، ويشمل الأمر حتى «برادا»، بغض النظر عن قوتها وسيطرتها على الساحة العالمية، بدليل أنها لم تستطع ان تحتوي استنكار متابعي الموضة واستهجانهم. هيلاري الكسندر، مديرة تحرير الموضة في جريدة «دي دايلي تلغراف» بدأت مقالها أمس بمقدمة معبرة للغاية جاء فيها: «بدت العارضات خائفات وكأنهن أرانب في قفص. كانت وجوههن متشنجة وغير مبتسمة، وعيونهن جاحظة من فرط الخوف. هل كن خائفات لأنهن كن على وشك القفز من باراشوتات؟ أو لأنهن كن سيقفزن من علو ألف قدم؟ لا هذا ولا ذاك، كل ما كان يشغلهن هو التحكم في مشيتهن في أحذية من المستحيل واقعيا المشي عليها». ولم تخف بعض العارضات مشاعرهن، إذ صرحت إحداهن انها كانت على وشك البكاء، وكانت ترتعد من فرط الخوف من السقوط، ولم تصدق حظها عندما دخلت خلف الكواليس سالمة.

المشكلة لم تكن في علو الأحذية الذي يتعدى الخمس بوصات فحسب، بل ايضا في بعض تصاميمها التي كانت تزين الأقدام ولا تشدها أو تحميها. من جهتها دافعت ميوتشا برادا عن نفسها، بعد العرض بقولها انها الأحذية ليست خطرة، وان كل ما في الأمر ان جوارب النايلون الصغيرة التي منحت للعارضات لكي يلبسنها معها، جعلتها قابلة للانزلاق. لكنها تداركت الأمر وبادرت إلى القول بأنها لن تطرح هذه الأحذية في السوق كما ظهرت على منصات العرض، وأنها ستخفض من علوها. لكن رغم وعود وتراجع برادا، إلا ان محررات الأزياء، وربما لأول مرة، لم يكن كريمات معها، خصوصا ان معظمهن اعترفن بأنهن لم يستطعن التركيز على العرض بسبب هذه الاحذية ومظهر العارضات المتجهمات بسبب الخوف.

ولا شك ان هذا التحامل على ميوتشا، حتى وإن فسره البعض بانها كانت غير محظوظة، والبعض الآخر بأنها كانت كبش فداء، بالنظر إلى العديد من المصممين الذي يطرحون لنا احذية عالية وغير معقولة، سيجعل المرأة التي كل ما تحلم به هو أزياء راقية وانيقة واكسسوارات تكملها وتزيدها اناقة، تتنفس الصعداء، فلعل نهاية هذه التصاميم قريبة أكثر مما نتصور. بعيدا عن الضجة التي اثارتها الأحذية و«برادا»، شهد أمس منافسة ساخنة بين دار غوتشي ودار «كافالي»، أطلقت فيها كل منهما أجمل ما عندها. غوتشي مثلا، قدمت الانثى الحديثة وكأنها مدمنة على آخر ابتكارات الموضة فهي تتميز بالأناقة المصقولة والرقة أثناء النهار، ثم تتسلح بحذاء عالي الكعب من جلد التمساح في الليل مع أزياء مثيرة بألوان اكثر إثارة، تضفي عليها غموضا وسحرا، وكأنها استوحتها من مظهر الممثلة الفرنسية بريجيت باردو في أيام عزها.

طرحت ايضا مجموعة لعبت فيها على البنطلون القصير وقمصان الشيفون، تم تنسيقها مع قبعات ونظارات شمسية واحذية عملية، وكأن صاحبتها ستتوجه إلى رحلة قنص في افريقيا. مصممة الدار فريدا جانيني قالت بعد العرض «المجموعة الجديدة تأثرت بسحر عارضة الأزياء فيروسكا وقوة شخصيتها».

ولأن ميلانو تحاول جهدها التميز حتى لا تبدو الموضة الايطالية وكأنها حليب مبستر متماثل الطعم، تحولت الانظار الى روبرتو كافالي وابداعاته التي تتحدى غوتشي، على الاقل في الجانب الانثوي. وبالفعل فاجأ كافالي الحضور باستعماله الألوان الهادئة والناعمة والأقمشة الحافلة بنقوشات الأشجار والرياحين والورود المطرزة على الحرير.. تشكيلة، وإن جاءت تحمل لمساته الجريئة، إلا انها جرأة تم ترويضها بعض الشيء، لأنها حادت عن الاستعراض واكتفت بالأناقة.

لكن المفاجأة الأكبر كان تصريحه أنه حزين على مستقبل شركة طيران «أليتاليا» وقال بعد العرض: «انني قلق هذه الأيام على مستقبل شركة اليتاليا للطيران، فما يجري فيها يؤكد نقص التعاون والتنسيق بين مصممي الأزياء في ايطاليا، على عكس ما نراه في الصين أو اليابان أو الولايات المتحدة، رغم اننا في المقدمة لكن للأسف كل واحد منا يعمل لنفسه فقط».