في المغرب .. شهر رمضان مناسبة للعودة للأصالة

حل شهر رمضان لهذا العام، مباشرة بعد انتهاء عطلة الصيف. ويتميز الصيف بأنه فصل الأعراس في المغرب، بامتياز. وهو أيضاً، فصل المهرجانات والمواسم الثقافية والفنية، التي تنظم على امتداد المملكة، وينشطها، إلى جانب الفنانين المغاربة، فنانون عرب وغربيون، صاروا يقبلون على ارتداء الأزياء التقليدية المغربية، كلما صعدوا على خشبات العروض الفنية.


خلال صيف هذه السنة، تابع جمهور مهرجان «موازين»، بالرباط، الفنانة الأميركية ويتني هوستن، والسورية أصالة نصري، وقد ارتديتا قفاطين من تصميم المغربية سميرة حدوشي، التي تعاملت في وقت سابق مع الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي وأخريات.

وقبل أيام، صعدت الفنانة اللبنانية ماجدة الرومي على خشبة مهرجان «أصوات نسائية» بمدينة تطوان، وهي ترتدي قفطاناً وردياً زادها نخوة وبهاءً. أما الفنانة اللبنانية ميريام فارس، فبعد أن ردد معها الجمهور المغربي، في مهرجان الدار البيضاء، بعض الأغاني المغربية، إلى جانب أغانيها المشهورة، وهي ترتدي قفطاناً مغربياً «شبابياً»، عادت لتطل عليه، عبر غلاف مجلة محلية مغربية، وهي ترتدي جلباباً مغربياً فاخراً، بدت فيه، كما لو أنها إحدى عارضات الأزياء الشهيرات.

وبقدر ما يشعر المغاربة بالفخر، وهم يشاهدون أزياءهم التراثية على قدود نجمات وجميلات العالم، بقدر ما يزيدهم ذلك إصراراً على المحافظة على تقاليد لبسه في المناسبات المهمة على مدار العام والتفنن في أشكاله وتصميماته. واللافت انه بالإضافة إلى تنامي الاستعانة بالفنانين والفنانات للدعاية للأزياء التقليدية المغربية، تزايدت في السنوات الأخيرة ظاهرة تنظيم عروض الأزياء التقليدية.

عروض يتفاوت صيتها بتفاوت المصممين وقيمة المنظمين وأيضا توقيتها، مع العلم ان التوقيت المثالي لها يكون في العادة قبل حلول الصيف ومناسبات الأعراس وقبل حلول شهر رمضان الكريم. في الفترة الأخيرة، مثلا، نظم عرضان للأزياء التقليدية بمدينة أصيلة المغربية، في إطار الدورة الثلاثين لـ«موسم أصيلة الثقافي الدولي». وتميز العرض الأول بمشاركة فنانات مغربيات أضفين على العرض لمسة فنية، كلما لبستها نجمات مشهورات، سواء على الصعيد المحلي أو الجهوي أو العالمي.

وحمل العرض اسم «جديد الجلابية المغربية في رمضان 2008». ويبدو أن سنة 2008 حملت جديداً، فعلاً، وهو جديد يترافق مع «التطوير» الذي صارت تخضع له هذه الأزياء التقليدية، والتي لم تكن عروض تظاهرة «قفطان 2008»، التي نظمت بمدينة مراكش، إلا إحدى إشاراتها الدالة. فقد طرحت حينها عدة أسئلة أهمها: كيف أمكن للقفطان التقليدي المغربي أن ينتقل دفعة واحدة من هدوء القصور وأجواء الأندلس، إلى صخب العالمية وإيقاعاتها السريعة إلى حد لامس فيه عوالم الروك أند رول، بصخب نقوشاته وألوانه وجرأة إكسسواراته؟.

وإذا كان العرض الأول، في أصيلة، عرف مشاركة مصممات ومصممين مغاربة معروفين، نذكر منهم على سبيل المثال سميرة حدوشي، حسن بوشيخي، دار «دريم قفطان»، روميو، نبيهة الغياثي، إحسان غيلان، وكريمة العلوي، فإن العرض الثاني كان فردياً، للمصممة نبيهة الغياثي. لكن ما يحسب لعرض «جديد الجلابية المغربية في رمضان 2008»، أنه لم يبق وفياً للزي الرئيسي الذي يبني لعنوانه، إذ كنا مع قفاطين و«تكشيطات» نسائية، فضلا عن ملابس تقليدية رجالية شبابية الشكل، على شكل «جابادور» من قطعتين أو ثلاث، وهما شكلان من بين أشكال أخرى، يبدو أنها صالحت الشباب المغربي مع الزي التقليدي، حيث صار هذا الشباب يزاوج بين الجينز وقطع تستعمل على شكل قمصان، ترافق الاختيار العام للباس.

كما صار «الجابادور» يعوض، في بعض المناسبات البذلة العصرية نفسها وينافسها أناقة. والمثير أن الجلابية النسائية لم تحافظ، في هذا العرض، على الشكل المعروف والمألوف لها، فقد عرضت أشكال متطورة وجديدة. فقد كنا، مثلا، مع جلابيات، على شكل فساتين، جاءت ضيقة عند الخصر، قصيرة نوعا ما أو مفتوحة، حتى يمكن لصاحبتها أن تلبسها مع الجينز، مع الرجوع إلى التطريز والألوان المفتوحة، وإضافة تفاصيل تجمع بين الأصالة والمعاصرة مثل تلك الجلابية التي رافقتها قبعة، كتنسيق غير مألوفة، فضلا عن الألوان الزاهية والنقوشات الفنية التي تم المزج بينها بشكل رائع وبذوق رفيع، ارتقى ببعضها إلى مصاف أزياء المناسبات والسهرة.

ولم يكن اختيار موضوع العرض، الجلابية، اعتباطياً، فالمغربيات، يفضلن ارتداء هذا الزي في شهر رمضان، ويقبلن على شرائه أو تفصيله قبل حلوله، باعتبارها الزي التقليدي المناسب لطبيعة الحياة المعاصرة ويوميات العمل في البيت وأمسيات السمر والسهر مع الأهل والأحباب من جهة، أو القيام بالشعائر الدينية من جهة ثانية.

ففي الوقت الذي ترتبط الأعراس بالفرحة وحب الخروج إلى الناس في كامل الأناقة، تبقى لشهر رمضان الكريم مكانة عزيزة في نفوس المغاربة، الذين يستعدون لاستقباله، كل حسب قدرته الشرائية، وبما يتطلبه هذا الشهر من تكريم، وهذا هو سبب انتعاش سوق الأزياء التقليدية عموما. فالمغاربة يجدون في هذا الشهر المناسبة المثالية لاستغلال ما يمتلكونه منها والاستمتاع بها قدر الإمكان، بدءا من «القفطان» و«الجابادور» إلى «الجلابية» و«السّلهام» و«التكشيطة»، وهي كلها أسماء للزي المغربي المتنوع بتفصيلاته وأشكال خياطته.

وتعرف الجلابية المغربية، بأنها قطعة واحدة طويلة، تشبه في مفهومها العباية الخليجية، ومثلها تتيح الراحة والعملية لصاحبتها. وخضعت في السنوات الأخيرة لعدة عمليات تجميل بهدف تجديد شبابها، ومن ثم أصبحت تأتي بتصميمات تسمح بتنسيقها مع بنطلون الجينز، مثلا، كما تنوعت أقمشتها لتشمل قماش الدينم. أكمامها أيضا أصبحت عريضة، الشيء الذي نوع من درجات وأشكال الإقبال عليها، سواء من قبل الفتيات والنساء أو الصغار.

ومع الوقت لم تعد تستعمل في الأيام العادية فقط، أو عندما تقوم ربة البيت بمسؤولياتها اليومية التي تتطلب منها الخروج، مثل التسوق، بل تحولت إلى زي قائم بحد ذاته يراعي آخر صيحات الموضة ويتتبع خطوطها موسما وراء موسم، يمكن التباهي بها، والاقتصار عليها في بعض المناسبات الخاصة، التي كانت تتطلب من المرأة التقيد بالقفطان أو «التكشيطة» فقط.

تجدر الإشارة إلى ان «التكشيطة» هي زي مكون من قطعتين طويلتين، تطورت إلى 3 أو 4 قطع في السنوات الأخيرة كل بطول مختلف، لكنها في الغالب تكون من القماش المطرز وتلبس مع حزام. أما «القفطان»، فالأصل فيه أن يكون من قطعة واحدة بقماش مترف وتطريزات لا تقل ترفا، بينما يتكون «الجابادور» من سروال وقميص. كما نكون مع السّلهام، الذي يمكن ارتداؤه فوق «التكشيطة»، بالنسبة للنساء، وفوق الجلباب، بالنسبة للرجال.

ما يجعل الأزياء المغربية متميزة ويمنحها ثقلها، الجمالي والمادي، الإكسسوارات التي تعتبر من مستلزماتها، وأيضا أسلوب التطريز الذي يتم باليد، ويسمى «العمارة»، وفي بعض الأحيان تكون جاهزة للتركيب بألوان وخيوط متنوعة. وأيضا هناك نوع آخر من التطريز، يسمى «السفيفة»، ويتم تركيبه على القطعة، ويستخدم في جلابية الرجل والمرأة على حد سواء.

أما بالنسبة للقماش المستعمل في هذه الأزياء، فلم تعد تقتصر على نوع معين، وتشمل حاليا «الساتان» و«الحرير» و«التافتا» و«الدانتيل» و«المخمل» وأيضا «الدينم». وبما أن الأزياء التقليدية المغربية، التي تقترح على كل من ميريام فارس وماجدة الرومي وويتني هوستن وهيفاء وهبي وأخريات، هي أزياء باهظة الثمن كونها توضع في خانة الـ«هوت كوتير»، فهي ليست في متناول كل المغربيات ولا تخاطبهن. هؤلاء يجدن حاجتهن في محلات بيع الملابس الجاهزة، التي تتضاعف أعدادها في مختلف المدن المغربية، خصوصاً بعد أن تزايدت ثقافة السريع والجاهز في كل شيء.

وتختلف أسعارها حسب نوعية الأقمشة المستخدمة والتطريزات، إلا أنها، بوجه عام، تتناسب مع كافة الطبقات الاجتماعية، وذلك على عكس الملابس التي تحمل توقيع أشهر المصممين والمصممات المغاربة، التي يمكن أن تتجاوز الـ60 ألف درهم (5 آلاف دولار)، حيث يمكن العثور على قفطان أو جلابة جاهزة في المحلات المتخصصة بأسعار في حدود الـ500 درهم (40 دولارا).

وتطرح الأزياء التقليدية نقاشاً في المغرب، بصدد حدود التطوير وأسعار الترويج. فهناك مَن لا يرى مانعا في تطويرها، إذا كنا نسعى خلف عالميتها وجعل هذا الزي التراثي سفيراً للثقافة المغربية في العالم، وهناك مَن يدافع عن حق هذا الزي في المحافظة على أصالته ومقوماته الأساسية. أما بالنسبة للأسعار، فيبدو أن المحلات المتخصصة، التي صارت تـسوق هذا المنتوج التقليدي بأثمان في متناول الجميع، قد حلت المشكلة، إلى جانب المحلات المتخصصة في تأجيرها لمن لم يسعفها الحظ في تفصيل قفطان على مزاجها ويليق بالمناسبة التي ستحضرها.

المصممة نبيهة الغياثي، استنكرت سقف الأسعار التي يسوق بها بعض المصممين والمصممات أزياءهم التقليدية، وقالت: «أرى أن هناك مبالغة في الأسعار. صحيح أن الأقمشة غالية، لكن ذلك لا يعني أن نطرحها للبيع بأثمان باهظة. أنا ضد أن يسوق «القفطان» بهذا السعر المبالغ فيه.

كما أني ضد المبالغة في تطوير الأزياء التقليدية، فذلك سيجعلنا بصدد أزياء فقدت مقوماتها، بحيث لا يبقى «القفطان» قفطانا ولا «الجلابية» جلابية، بل شيئا آخر. هذا خروج عن المألوف، مع احترامي للمصممين الآخرين، لكننا صرنا، في بعض الأحيان، نشاهد أشكالاً عجيبة وغريبة للأزياء التقليدية المغربية».