في سبق علمي .. ميلاد «طفل ثلاثي الآباء»

استبدال الأجزاء المعطوبة من مكونات الحمض النووي في البويضة
استبدال الأجزاء المعطوبة من مكونات الحمض النووي في البويضة

في سبق علمي عظيم تم الإعلان عن أول طفل تتم ولادته من خلال تعديل جيناته لشخص آخر غير الأبوين، إذ إن والدة الطفل، وهي أردنية الجنسية، كانت تعاني من مرض وراثي سوف ينتقل إلى الطفل بكل تأكيد. وكان الحل أشبة بالهندسة الوراثية التي تُستخدم في زراعة بعض الخضراوات، حيث تم استخدام تقنية تسمى «الطفل الثلاثي الآباء» Three - person baby technique حيث تتم الاستعانة بالجينات السليمة من امرأة معينة، بخلاف الأب والأم، وعمل محاولة أشبه ما يكون باستئصال جزء من الجين المصاب في الأم واستبدال به جزءًا آخر سليمًا. وبذلك يتم تفادى نقل المرض للجنين ولا يكون معرضا للخطر.


ثلاثة آباء
وقد نفذ العملية فريق أميركي الذي أجرى عملية التخصيب خارج رحم الأم، كما في عمليات أطفال الأنابيب. ولكن الجديد هو استبدال الأجزاء المعطوبة من مكونات الحامض النووى DNA للجنين بأجزاء سليمة، وبذلك يتجنب الصفات المهيِّئة للإصابة بالمرض، مثلما حدث سابقا للأسرة الأردنية نفسها.

وقد تم تلقيح بويضة الأم وبويضة المتبرعة بالحيوان المنوي للأب، وقبل انقسام هذه البويضات المخصبة إلى ملايين الخلايا لتصنع الجنين قام الفريق البحثي باستئصال نواة خلية إحدى بويضات الأم ووضعها في بويضة المتبرعة بعد إزالة النواة الخاصة بها، ونتيجة لذلك كان هناك جنين تم تخصيبه من ثلاثة أفراد؛ «الأب» عن طريق الحيوان المنوي، و«الأم» عن طريق الحمض النووي من النواة nuclear DNA، و«المتبرعة» عن طريق الحمض النووي للميتوكوندريا mitochondrial DNA.

وتم استخدام هذه التقنية في خمسة أجنة تُوفّوا جميعًا، ما عدا الطفل الذي تمت ولادته بشكل طبيعي بعد زرعه في رحم الأم.

والجدير بالذكر أن هذه التجارب لمحاولة علاج الأمراض الوراثية عبر الحامض النووي للميتوكوندريا قد بدأت في التسعينات من القرن الماضي، إلا أنها تكون سببًا في حدوث خلل جيني للأجنة، وهو الأمر الذي دعا السلطات الطبية الأميركية لوقف هذه التجارب.

ولكن في هذه التجربة قام الأطباء بفحص الميتوكوندريا الخاصة بالطفل، وتبين أن نسبة إصابته بالخلل الجيني الموجود عند الأم لا تتعدى 1 في المائة، وهي تعتبر نسبة ضئيلة جدا لكي تسبب المرض، إذ إن احتمالية حدوث المرض أو المشكلات الجينية المهيئة لحدوثه تحتاج إلى نسبة تصل إلى 18 في المائة.

وبذلك يكون الطفل بحالة جيدة جدا وبمنأى عن الإصابة، إلا أن الأطباء سوف يستمرون في مراقبة الطفل وقياس نسبة الإصابة للتأكد من أنها لا تزال منخفضة ولن تسبب حدوث طفرة جينية لاحقة.

فروقات جينية
وقد يكون هناك بعض اللبس فيما يخص الفرق بين الحامض النووي العادي المتعارف عليه DNA، والحامض النووي للميتوكوندريا.

وبداية يجب أن نوضح أن الميتوكوندريا هي التي تعطي الطاقة للخلية وتعمل بمثابة مولد القوة أو يمكن اعتبارها مثل الجهاز الهضمي للخلية، حيث تستخدم الغذاء الآتي للخلية وتحوله إلى طاقة تساعد الخلية على القيام بوظائفها المختلفة، بينما يعتبر الحامض النووي بمثابة الشفرة الخاصة بكل خلية من خلايا الجسم، أو كتيب التعليمات الخاص بكل صفة في جسم الإنسان، ومعظم هذه الأحماض النووية المسؤولة عن حمل كل المعلومات الخاصة بالخلايا حتى تنمو وتمارس وظائفها وتتكاثر موجودة في النواة الخاصة بالخلية.

ولكن أيضًا يوجد عدد قليل من الحمض النووي في الميتوكوندريا خارج النواة. والحامض النووي الموجود في الميتوكوندريا عبارة عن شريطين ودائرة بينما الحامض النووي العادي، عبارة عن شريطين وخط متعرج، والأول ليس له غشاء يحيط به، بينما الثاني له غشاء نووي يحيط به، وطريقة الوراثة في الأمراض المتعلقة بالخلل في الميتكوندريا تكون من خلال الأم فقط، بينما الأمراض المتعلقة بالحامض النووي العادي يمكن أن تكون من خلال الأب أو الأم بالنسبة نفسها.

ويمكن بطبيعة الحال مثلما هو الحال في حدوث طفرات جينية في الحمض النووي العادي، أن تحدث طفرة في الحامض النووي الخاص بالميتوكوندريا mitochondrial DNA mutation وهو الأمر الذي كان موجودا بالفعل في حالة الأم الأردنية، وكانت احتمالية أن تنتقل الطفرة الجينية لمرض عصبي نادر للابن تفوق 80 في المائة وفى أحيان كثيرة.

وكانت الأمهات يفضلن عدم الإنجاب حتى لا تتعرض إلى صدمة نفسية وتعرض الطفل للموت. وفى العام الماضي تم عمل بحث على السيدات المصابات بخلل في الميتوكوندريا، وذكرت معظمهن أنهن يرغبن في ولادة طفل بشكل طبيعي عوضًا عن تبني طفل آخر، ولذلك كانت هذه التقنية بالغة الأهمية بالنسبة لمثل هذه الحالات فضلاً عن استغلالها في المستقبل في تفادي إصابة المزيد من الأطفال.

تُعتبر هذه التقنية التي تم استخدامها وهي إحلال الميتوكوندريا Mitochondrial replacement therapy تقنية عظيمة من الناحية العلمية، وبالطبع سوف تكون الحل الشافي لعلاج بعض الأمراض الوراثية، إلا أن الأمر يحتاج إلى كثير من التجارب كما أنه لا يزال في طور التجريب بمعنى أنه ليس معروفا على وجه الدقة إذا كانت هناك أعراض جانبية يمكن أن تؤثر على هؤلاء الأطفال لاحقًا من عدمه، أو إذا كانت النسب لحدوث الطفرات الجينية سوف تظل منخفضة.

وهناك أيضًا بعض الدوائر الطبية في الولايات المتحدة التي ما زالت تعارض التقنية، خصوصًا أن هناك بدائل لتحقيق حلم الأمومة مثل تأجير الأرحام أو التبني، وأن التقنية تحمل فائدة اجتماعية (إنجاب طفل بيولوجي من الأم) أكثر منها فائدة طبية. وبالتأكيد فإن هذا الجدل يحتاج إلى الوقت والمزيد من التجارب.