أمينة غالي مديرة «جواهر عزة فهمي» تطلق مجموعة «روائع الطبيعة» في لندن

من الأم للابنة .. العناق بين القديم والحديث في تصميم المجوهرات
من الأم للابنة .. العناق بين القديم والحديث في تصميم المجوهرات

لاسم مصممة الجواهر المصرية عزة فهمي رنين أنيق، فهو قد ارتبط بتصميمات غيرت مفاهيم كثيرة لدى السيدات في العالم العربي، وأطلقت عناق الفضة والذهب المجمل بكلمات وأشعار دارجة ومحبوبة لآفاق عربية وعالمية أيضًا.


عبر سنوات طويلة أسست عزة فهمي مع فريق من الحرفيين ماركة جواهر مختلفة وقريبة إلى القلب مدعومة بأبحاث ورحلات وقراءات في ثقافات عربية وفرعونية وغربية وغيرها، ولكن الدار أيضًا حريصة على أن تستمر لتخاطب الأجيال الجديدة ولتغير جلدها.

التصميمات الحديثة للدار تلمح لهذا، فهي ما زالت تحمل ختم عزة فهمي ولكنها أيضًا تتجه لتصميمات أوسع وعوالم جديدة منعشة، ويعود ذلك لتضافر التصميمات بين أسلوبين وجيلين مختلفين، جيل الأم والبنت: عزة فهمي وابنتها أمينة غالي مديرة «جواهر عزة فهمي». غالي تدرجت في الشركة على مدى 12 عامًا تمرست فيها على التسويق والتصميم.

خلال زيارتها للندن لإطلاق المجموعة الجديدة من تصميماتها، التي تحمل اسم «روائع الطبيعة» التقيت بها ودار بيننا الحديث حول تصميماتها ودراستها للفن وتصميم الجواهر وعملها مع والدتها ومدى تأثرها بالطابع الخاص جدا الذي ميز جواهر الدار.

بداية تشير غالي إلى أن «جواهر عزة فهمي» تعد شركة متميزة ومختلفة فهي «دار للجواهر ودار فنية وأيضًا هي شركة عائلية شقت طريقها نحو الشهرة العالمية. إنها واحدة من تلك العلامات التي تتبلور بالتجارب وتنمو بالدراسة».

غالي تبدو حريصة على أن تكون قطع الجواهر التي صممتها بيننا على الطاولة، تشرح من خلال كل قطعة فيها جانبا من خطوط التصميم وإلهاماته، كما تحرص خلال حديثها على التأكيد أن القطع عملية إلى حد كبير وتلائم المرأة العصرية في مكان عملها وفي وقت فراغها.

تنطلق بعرض قطع من مجموعة «عين ثالثة على الكون»، تتراص أمامنا القطع المزينة بالأهلة والنجوم والسحاب وغيرها من العناصر التي تمنح المجموعة ألقًا خاصًا.

تقول إن المجموعة صدرت العام الماضي، ولا تحب أن يحسب الزمن في حالة الجواهر بالطريقة التي تتعامل بها دور الأزياء، توضح: «جدول عملنا أطول من جدول صناعة الأزياء على سبيل المثال، فالمجموعة لدينا قد تستغرق عامين على أقل تقدير، تبدأ من تحديد المفهوم والموضوع خلفها ثم صناعة نماذج منها وأخيرا عرضها للبيع»، تضرب المثل بالمجموعة الفرعونية التي عرضت في عام 2012 والتي استغرق الإعداد لها ثمانية أعوام.

«عين ثالثة على الكون» حسب غالي ولدت من ملاحظة أن الجمهور بدأ في التململ من المادية والنزعة الاستهلاكية في العالم، «بدأ كثيرون في التركيز على ما يهمهم بالفعل وبروز اتجاهات نحو التأمل والروحية والاهتمام بأساليب تغذية أقرب للطبيعة.. إذا تعمقنا في هذا التفكير نجد أن الإنسان العادي أصبح يفكر في الخلود تماما مثل النجوم التي هي دائما بعيدة المنال ودائمة.

في تصميماتي للمجموعة استخدمت عناصر تعكس ذلك التفكير، فوجدتني أستخدم الأهلة والنجوم والسحاب والرموز التي تعكس اللانهائية، فالهلال على سبيل المثال يعد أحد أقدم الرموز المستخدمة في صناعة الجواهر»، مع استخدام تلك العناصر لجأت غالي لاستخدام تقنية التخريم العريقة ولكن بأسلوب جديد ولترمز للسحاب.

في تصميمات غالي يظهر التأثير الفرعوني من خلال قطع محورية، مثل المفتاح الذي ترتديه كخاتم يمتد على عرض الأصابع، والجديد في التصميم هو الخروج بالمفتاح من الشكل التقليدي الذي يوجد بكثرة في الأسواق ويباع كتذكار لزيارة الآثار الفرعونية.

تعود بالذاكرة لنقطة تطورت لديها فكرة المفتاح كقطعة جواهر وتقول: «عندما عملنا مع المصمم البريطاني ماثيو ويليامسون نال إعجابه الخطوط الفرعونية واستخدم بعض القطع مع تصميماته، وهو كان أمرًا مدهشًا أن نجد العارضات يقدمن ملابس مصمم عالمي ضمن أسبوع لندن للأزياء ويكمل تصميماته بقطع من تصميمنا».

وتشير إلى أن ويليامسون استخدم أيضًا تصميم الأجنحة الفرعونية المصنوعة على هيئة قلادات، «وقتها أردتُ أن أقدم تنويعًا على التصميم الفرعوني، في الحياة المعاصرة فصممت القلادة من جناح واحد فقط يلتف حول الرقبة.

أيضًا عندما ترتدي قلادة ضخمة مثل الجناح ليس من السهل على المرأة أن تلبسها بسهولة دون مساعدة، استغرق الأمر وقتا طويلا منا لتصميم قلادة رقبة مرنة وتناسب كل امرأة عبر ميكانيكية مرنة ومعدن خفيف الوزن».

فكرة العملية والمرونة تتكرر في حديث غالي، وتؤكد لنا أن المرونة في التصميم تعني أن القطعة ستستخدم كثيرا، تروي لنا التجارب التي قامت بها مع العاملات في المصنع لتجربة القلادة: «أقمنا سباقا للفتيات لنرى كيف يتغير وضع القلادة في الحركة وهل ستغير الزاوية الموضوعة بها وهل ستسقط، كنا نجري وننحني ونقوم بكل الحركات التي يمكن أن تقوم بها المرأة في يومها.

فلدي قناعة بأن القطعة مهما كانت جميلة التصميم والصنع فإنها يجب أيضًا أن تكون مريحة، وهو أمر مهم بالنسبة لي وأطبقه في حياتي؛ فعلى سبيل المثال توقفت عن ارتداء الأحذية ذات الكعوب العالية حتى وإن كانت رائعة الجمال، فإذا كان الحذاء غير مريح ولا أستطيع المشي به فلا أشتريه».

فكرة العملية وسهولة الاستخدام كانت أيضًا وراء تصميم أساور ضمن مجموعة «الكلاسيكيات»، عبارة عن ثلاث أساور من الفضة والذهب تلتف حول بعضها وتنتهي بقطعتي لؤلؤ محاطتين بالماس، «استخدمت التقنية ذاتها في الأساور التي صممتها لترتديها المرأة في مختلف الأوقات، سواء كانت تجلس على مكتب وتطبع على لوحة مفاتيح الكمبيوتر، أو تنشغل بأمور حياتها اليومية. الأساور تأخذ مكانها على المعصم بجمال سواء كانت وحدها أو مضافة لأساور أخرى».

روائع الطبيعة
في تصاميمها للمجموعة الجديدة «روائع الطبيعة» لجأت غالي للحديقة بأزهارها وطيورها، تبحث عن الجمال الكامل في الطبيعة وأيضًا الجمال المختلف، أو غير المكتمل، كما تقول، تشرح مثالاً بشجرة عريقة رأتها في إحدى زياراتها لكمبوديا: «زرت معبدًا أثريًا مهجورًا نمت شجرة بداخله ونمت حتى خرجت فروعها من نوافذه، صورة للكمال الخارج من النقصان، وهو ما أردت التعبير عنه في المجموعة».

تخرج من المجموعة أمامنا خاتم على هيئة جناحي فراشة، التفاصيل الدقيقة مشغولة ببراعة كذلك الأحجار الملونة التي جملته، الخاتم كبير الحجم ولكنه يكاد يتحول لكائن حي عندما ألبسه، وكأن الفراشة ترفرف بجناحيها على أصبعي، أنقل لها انطباعي وتجيب: «هذا ما أردت أن أنقله، تخيلت كيف سيكون شكل فراشة حطت على يدي، لن تكون منبسطة وخامدة، تخيلتها مليئة بالحركة والحياة، في تصميم لخاتم من المجموعة أيضًا تخيلت الشكل الذي سيتخذه فرع شجرة ينمو من بين أصابعي».

محاكاة الطبيعة في جمالياتها تستلزم أيضًا الابتعاد عن المبالغة في الكمال، فالأشكال ليست دائما مكتملة أو متساوية وهو ما أشارت له غالي خلال حديثها، وتعود لتؤكد أن ذلك العنصر أيضًا كان وراء اختيار الأحجار الملونة التي استخدمتها في تصميماتها «في اختيار الأحجار كنتُ أبحث عن الفريد منها الذي يضيف لعناصر الطبيعة في القطع، لم أكن أريد استخدام القطع المكتملة المصنوعة حرفيًا».

خارج الزمن
تلفت نظري قلادة طويلة ترتديها غالي تتدلى منها ساعة جيب كالتي كان يرتديها الرجال في الأزمان السابقة، تعلق أن القلادة من مجموعة «خارج الزمن»، «قمنا بجمع ساعات جيب قديم من العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، الفكرة كانت أن نستخدم قطعة لها قصة وتاريخ وأن نعيد استخدامها مرة أخرى في إطار تصميم جديد».

تعرض مفتاحًا آخر يدفعني لسؤالها عن سر عشقها للشكل، تقول: «بالفعل وإن كنت في الماضي عندما أفكر بالمفتاح أتخيله في قلادة، وفي إحدى المرات علق شخص ما على ذلك قائلا: (أليس المكان الأفضل للمفتاح هو اليد؟ فلكي تفتحي بابا مغلقا يجب أن تمسكي بالمفتاح، فكرت مليا بهذا وصممت عددًا من القطع على هيئة مفتاح كخواتم».

سؤال يدور في ذهني منذ بداية المقابلة طرحته في نهايتها لتكتمل الدائرة التي بدأت بتصميمات عزة فهمي: «ما مدى تأثرك بأسلوب والدتك في التصميم؟»، أسألها وتجيب: «كان الأمر شائكا بعض الشيء، فقد عشت ودرست في أوروبا لأكثر من خمس سنوات، كنت أميل للتصاميم المعاصرة في الجواهر وكنت أرى أن كل التصاميم التراثية (موضة قديمة).

والدتي على الجانب الآخر كانت محملة بدراسات حول التاريخ والتراث ولم تكن تميل للجواهر المعاصرة. وعندما بدأنا العمل سويا كانت لدينا اختلافاتنا ولكن عبر السنين اعتقد أن الأمر أختلف واستطعنا عبور الهوة ما بيننا إلى درجة أننا تبادلنا الأدوار أكثر من مرة».