العمل الروائي وعالم الموضة .. فكرته تحتاج إلى نظرة شبابية جديدة

عندما سئل الكاتب ترومان كابوت عن قصته القصيرة «وجبة الإفطار في بيت تيفاني»، قال إن هدفه الأول من كتابتها كان محاولته تهذيب أسلوبه في الكتابة فقط.


وكان واضحا انه لم يكن يتوقع لها كل هذا النجاح. وتتناول القصة فتاة متطلعة فاتنة من مدينة نيويورك، اسمها هولي جوليتلي. وبالطبع، أصبحت هولي جوليتلي بمثابة البوصلة التي يقتدي بها المصممون والملايين من الفتيات اللائي أسرتهن روحها وأناقتها وتلك الصورة المبهرة، التي أوحت بها النجمة الراحلة، أودري هيبورن في الفيلم المأخوذ من القصة، منذ أول لقطة.

فاللقطة الافتتاحية من الفيلم، تظهر فيها سيارة تتحرك بسرعة في شارع «فيفث أفنيو» لتنزل منها الفتاة أمام محلات «تيفاني» الشهيرة.

مضى الآن على نشر قصة كابوت نحو 50 عاما، الأمر الذي يصعب تصديقه، نظرا لما تحركه فينا من مشاعر حية كلما قرأناها أو شاهدنا الفيلم، الأمر الذي يضفي شعورا معينا تجاه الروايات الكثيرة الجديدة التي ظهرت خلال العام الماضي، والتي حاولت أن تستلهم نمط رواية كابوت.

فهناك رواية «مطاردة هاري وينستون» للكاتبة لورن ويسبورغر، «وجبة الإفطار في بيت بلومينغدال» لكرستين كيمب، و«يوم الأحد في منزل تيفاني» لجيمس بترسون.

ولا تحتاج لقراءة هذه الروايات كي تتخيل ما يحدث فيها: تقابل فتاة شابا، تحصل الفتاة على الشاب، لكن يجب عليها أولا مناقشة أمره مع صديقاتها أو مع أمها، التي تكون غالبا امرأة حازمة أو عارضة أزياء سابقة.

لكنها في معظمها تحقق شبه المستحيل والحلم، مثل كتاب تونيلو، الذي هو عبارة عن مذكرات يسرد فيها كيف قفز الطابور وحصل على حقيبة «بيركين» من دار «هيرميس» متحديا لائحة الانتظار الطويلة.

قد يعتبر البعض أن روايات الصيف الرومانسية سخيفة. واللافت في ما يتعلق بالروايات التي صدرت في الفترة الأخيرة، ومنها رواية «منزل على الشاطئ» للكاتبة جين غرين، هو أنها تطرح تساؤلا مفاده «إلى أي مدى نجد أن هذه الروايات قُولبت على نمط قيم وماركات عالم الموضة وعوالمها المتوازية الخاصة بالتسلية والإعلام والنشر؟.

فقد جعلت غرين عقارا بجزيرة «نانتوكت» موضوع قصتها، بالرغم أنها ليست على دراية بجغرافية الجزيرة بالدرجة الكافية وخلطت في وصفها بين المحيط والمرفأ.

من جهة أخرى، من المثير أن يتخيل المرء ما تقوله هذه الروايات عنا، فقد يكون الهدف منها، بالنسبة لنا، هو الهروب من الواقع والإغراق في الخيال.

وتعتقد كلير فرارو، محررة الكتاب ورئيسة دار «فايكينغ» بأن الأمر «كاد ان يصل إلى ان تتحول العقارات إلى إكسسوار في هذه الكتب.

فالحديث عن حذاء من جيمي شو لا يعني شيئا مقارنة بالحديث عن بيت في «نانتيكت يقدر بـ12 مليون دولار».

فليس ثمة شك في أن بعض الأسماء، مثل بعض المنتجعات الصيفية لها تأثير السحر. فإذا استطاع المرء أن ينسج رواية كوميدية حول منتجع ما، كما فعلت الروائية غرينز، فمن الممكن أن يكون هناك مشتر جيد لهذه الأسماء. وتفسر كلير هذا الأمر على أنه ردة فعل للأحوال الاقتصادية التي نعيشها.

فهذه الروايات تمثل بلسما في الأوقات الصعبة والعصيبة التي نعيشها، تماما مثل الدور الذي كانت به الأفلام وقت «الكساد العظيم».

ويشير جونثان بيرنهام، ناشر مجلة «هاربر» الثقافية، إلى أن «جمهور هذه الروايات ليسوا هم مثقفي الساحل الشرقي، لكنهم النسوة الأميركيات من الطبقة الوسطى اللاتي تحب الواحدة منهن أن تشتري شيئا ينقل إليها تجربة الساحل الشرقي المترفة والبراقة ويجعلها تعيش الحلم».

ويشير أيضا إلى أن الروايات الأكثر نجاحا هي التي تنتقي تفاصيل معينة من عالم الموضة، الملابس والماركات المشهورة والشخصيات البارزة وتركز عليها، بالمقارنة بالحديث عن بيوت الأزياء نفسها أو ما يجري خلف الكواليس، وهذا يشير إلى أن عمل المصممين قد يكون مملا بالنسبة للقراء.

ومع ذلك تكشف الروايات التي تروج للماركات خلال هذا الصيف نوعا من الفراغ في الموضة، وتطرح بعض التساؤلات مثل هل حقا هذا كل ما هو موجود؟ وهل انحطت الموضة لهذه الدرجة فباتت تمثل الحياة على أنها علبة خاتم بنفسجية اللون أو حقيبة «بيركين» ضخمة؟.

كانت رواية الكاتبة ويسبورغر عام 2003، «الشيطان يرتدي برادا»، حول رئيسة تحرير في مجلة موضة تحب القهوة باللبن، مثيرة.

ولأن الكل كان يشك في أنها تعتمد بالأساس على رئيسة ويسبورغ السابقة آنا وينتور، محررة مجلة «فوغ» الأميركية، فإن هذا زاد من التشويق.

لكن على الرغم من الأضواء التي حظي بها عالم الموضة بفضل هذه الأفلام ومسلسلات مثل «سيكس أند ذي سيتي» وغيرها، فإن بعض الأشياء الخاصة بهذا العالم لا تزال مجهولة للناس.

بعد عام من نشر رواية «الشيطان يرتدي برادا» نشرت رواية «بيرغدورفبلوندز» (شقراوات بيرغدورف) للروائية بلوم سايكس، وتولى تحريرها ونشرها السيد بيرنهام، وكانت عبارة عن أحداث وأماكن أحداث ساخنة.

عندما أخذت أتصفح جوانب صفحات رواية باترسون، التي ذكرت اسم ماركة أو مكان أنيق، (يقوم باترسون أيضا بنقل شخصيات روايته إلى جزيرة نانتوكت)، توقفت عندها.

كانت بطلة روايته، كاتبة مسرحية ناجحة اسمها جين مارغوكس، وتعجز جين عن التكيف مع بواعث القلق المعاصرة وفي الوقت ذاته لها صديق تحاول المحافظة عليه، وتتوالى الأحداث والأسماء من دون هوادة.

بالنسبة للكاتب ترومان كابوت وقصته «إفطار في تيفاني»، فإنه إذا ذكر ماركة مشهورة، فكان يهدف منها فقط التأكيد على أن فتاته الفاتنة تتمتع بذوق رفيع.

لكن لم تكن الموضة مهمة بالنسبة لبطلته، هولي، رغم خزانة الأزياء الباريسية التي كانت تزخر بها في الفيلم الذي يعرض نفس القصة، فقد أوضحت أنها تعتبر الأمر كله عبارة عن نكتة رائعة ومملة.

سواء وافقتها الرأي أم لا، فقد كان هذا هو سر جاذبيتها. لكن الإشارات في معظم الروايات الجديدة لا تخبرنا حول عالم موضة.

تقول الروائية سايكس، التي تكتب لمجلة «فوغ»: «يعد استخدام كل هذه الأسماء التجارية شيئا غريبا وشاذا، والروايات الناجحة هي التي تتعامل مع الموضة على أنها لعبة طريفة».

وتشكك سايكس، التي تبلغ 38 عاما، في إمكانية إنتاج رواية جديدة من هذا النوع تلقى نجاحا كبيرا، وتقول: «لا يمكن كتابة كوميديا حديثة تكون بطلاتها فتيات متزوجات على أعتاب الأربعينات ولديهن طفلان أو أكثر، لسبب واحد، وهو أنهن لا يمكن ان يلبسهن هذه الأزياء».

لكن لا يعني ذلك أنها تعتقد أن هذا النوع الروائي قد استهلك، بل العكس، فهي تعتقد أنه سيأتي شاب، او شابة، وينظر إلى الموضة ومدينة نيويورك من منظور خاص بجيله أو جيلها.

كانت آخر رواية للكاتبة ويسبورغر على قائمة أحسن مبيعات «نيويورك تايمز» لمدة 13 أسبوعا، ويبدو واضحا أنه من خلال رواية «مطاردة هاري وينستون»، تسعى الروائية إلى بذل المزيد من أجل تطوير شخصيات روايتها أكثر مما كانت تفعله في رواياتها السابقة. 

كانت القصة عن ثلاث فتيات ناجحات على أعتاب الثلاثينات، لكن لم يكن هناك فارس أحلام، كما فعلت في رواياتها السابقة.

ومع ذلك، لن يكون مضرا أن يكون هناك لقب متألق يمكن أن يفهم على أكثر من محمل، فهل هاري رجل أم ماسة أم ماذا؟ لكن هذا لا يهم.

فكما ترى ماريسيو روسي، المحررة بـ«سيمون آند شاستر» هذا مجرد تسويق جيد، وأي ساذج مهتم بالموضة يفهم ذلك.