الزواج التقليدي .. ضربة حظ مرة تصيب ومرة تخيب

بعد ان كاد أن ينقرض منذ سنوات، بسبب تغيرات الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية للرجل والمرأة على حد سواء، عاد الزواج المدبر الى دوره القديم، وعادت مسؤولية تزويج الشاب اللبناني الى عاتق الاهل، لا سيما الوالدة التي كانت منذ سنوات قليلة «آخر من يعلم» بارتباط ابنها.


فهذا الأخير قد يلتقي رفيقة عمره في الجامعة او في نطاق العمل، فيتفاهم معها ويقرران خطواتهما المستقبلية ثم يزفّ الخبر السارّ الى أهله. 

ظروف متعددة وأمور خارجة عن سيطرة الأبناء كان لها دور في وضع الشاب أمام الأمر الواقع، فجعلته يتحول من رافض لفكرة «تدبير العروس» التي لطالما اعتبرها سلوكا «متخلّفا» الى طالب وساع اليها في ظل عدم قدرته على بناء علاقات في بلده بعدما اضطر الى الهجرة والعمل في الخارج.

تيار الهجرة هذا، الذي تتسع دائرة مناصريه يوما بعد يوم، وضع الشباب اللبناني أمام خيارين لا ثالث لهما: اما أن يرضخوا للأمر الواقع ويتّكلوا على والدتهم في مهمة البحث عن فتاة «ابنة عائلة» ليرتبطوا بها، أو يبحثوا عن زوجة تقيم واياهم في مغترباتهم، وهذا ما ليس مرغوبا فيه كثيرا في الأوساط العائلية، التي تعتبر أن هذا الزواج يبعد الابن والأحفاد عن وطنهم ويجعلهم يميلون أكثر الى بيئة أمهم وبلدها.

حيال هذا الواقع كثرت «عمليات البحث عن العرائس» في الأوساط الاجتماعية اللبنانية. فما ان يعلن الابن استعداده لـ «اكمال نصف دينه» حتى يشمر كل أفراد العائلة أكمامهم، وعلى رأسهم الام لتبدأ رحلة البحث والسؤال عن أي فتاة يرونها وتحظى برضاهم لجهة «تمتعها بالمعايير المطلوبة» وتشمل الجمال والعمر والطائفة.

 أم محمد، خير من يعبر عن هذا الواقع «القديم المستجد»، إذ لا عمل لها هذه الأيام سوى الاستفسار من أصدقائها عن فتاة جميلة ومتعلمة يتراوح عمرها بين 20 و 22 سنة تكون أهلا لابنها الذي لم يتجاوز الـ 25 سنة ويدرس في الخارج.

وتعزو أم محمد سبب هذه السرعة في تزويج ابنها الى خوفها من اقدامه، كما عمد خاله، الى الارتباط بأجنبية وبالتالي ابتعاده عن الأجواء العائلية، لاسيما في ما يتعلّق بالعلاقات الخاصة التي تتميز بها التقاليد العربية واللبنانية بشكل خاص.

تعليقا على هذا الموضوع، قالت الدكتورة بشرى قبيسي، الأستاذة في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية والجامعة العربية: «من الطبيعي أن يكون هذا النوع من الزواج ضربة حظ، اما أن تصيب أو تخيب، لأن مقومات الارتباط الناجح غير متوفرة، ولا سيما لجهة المفاهيم والقيم وفي بعض الأحيان اختلاف مستوى الثقافة والمعايير الاجتماعية، خصوصا في ظل عدم قدرة الشريكين على التعارف الكافي قبل الزواج، الأمر الذي يعيق امكانية اكتشاف بعضهما».

وتعتبر قبيسي أن الزواج المدبّر الذي يشجع على ارتباط الشاب اللبناني بابنة بلده حل إيجابي وفكرة جيدة، خصوصا اذا كان الشاب قد ترعرع في مرحلة طفولته ومراهقته في بلده حيث يتأقلم مع التقاليد والأجواء ويسعى بعد ذلك الى البحث عنها في شريكة حياته وأم أولاده.

لكن من جهة أخرى، أرسى هذا التوجه واقعا جديدا يتمثل بخضوع الابناء لآراء أمهاتهم بشكل واضح في كل ما يقررونه بشأن اختيار العروس، وهذا ما حصل مع نادر (35 عاما) الذي يعمل منذ ثلاث سنوات في الخارج، وقرر الارتباط معتمدا على العائلة أو من يعرفهم من اصدقاء.

وكان له ما طلب، اذ استطاع بمساعدة أحد معارفه التعرف إلى فتاة تنطبق عليها كل المواصفات التي يطمح اليها، لكن ما إن تعرّفت الوالدة إلى الفتاة، حتى تغير الأمر، لأن ردة فعلها كانت مخالفة لرأيه الإيجابي تماما، لذا لم يكن أمام نادر الا مجاراة والدته في ما ارتأت، معلنا عزوفه عن الخطوة التي بدأها آملا ان تنجح أمه في الوصول إلى من ترضيها وترضيه في الوقت نفسه.

حالات عدة ومتنوعة كفيلة باعطاء صورة مختصرة عما يجول في عقول الشباب. اما الفتيات فلا حول ولا قوة لهن، الا الخضوع لما آلت اليه الظروف في لبنان. فهن من جهة يطمحن الى السير بشكل طبيعي في بناء علاقة حب تصل بهن في آخر المطاف الى الارتباط، ولكن ليس قبل التعرف إلى «حلو زوج المستقبل ومرّه» واتخاذ القرار بعد «دراسة مطولة»، ومن جهة أخرى ونظرا لخلو البلد من شبابه وجدن أنفسهن مرغمات على مجاراة «هذه الموجة»، فيرضين على مضض بالسير قدما على أمل إيجاد من يفي بالغرض المطلوب.

وفي حين تتفاوت الآراء بشأن اتباع هذه الخطة في «تيسير أمور الشباب المهاجر» بين مرحب ومعارض للمبدأ بشكل عام، يبرز موقف آخر يضع النقاط على الحروف، وتحديدا على لسان بعض ممن كن ضحية هذه التجربة، مع عدم اغفال امكانية نجاحها وبنسبة كبيرة تطبيقا للمبدأ الذي تردده الكبيرات في السن، وهو "الزواج قسمة ونصيب".

تجربة روان تعكس صورة سلبية عن صورة الزواج المدبّر من شاب مهاجر. تقول: «تعرّفت إلى زوجي السابق عن طريق العائلة خلال زيارة قصيرة قام بها للبنان.

لم أره في فترة الخطوبة التي استمرت سنة واحدة، الا ثلاث مرات لا تتعدى أطولها الشهر. خلال فترة غيابه كنا نتواصل عبر الهاتف بشكل يومي، وكنت أظن حينها أنني أعيش أجمل قصة حب، ستنتج بالتأكيد زواجا ناجحا.

لكن بعد الزواج وانتقالي الى الولايات المتحدة حيث يعمل، ظهر ما لم يكن في الحسبان، واكتشفت أمورا مختلفة عن تلك التي كنت أسمعها عبر الهاتف.

لذا وبعد مضي أربع سنوات على زواجي وانجابي طفلين اتخذت قرار الانفصال بعدما فقدت الأمل بامكانية الاستمرار بهذه العلاقة».

حالة هبا التي تصف زواجها بالناجح من كل النواحي، تعكس صورة معاكسة لوضع روان. هبا تعرّفت إلى زوجها عن طريق أخته التي كانت تقيم بجانب منزل أهلها. تقول: «لم تكن فكرة الزواج بهذه الطريقة سهلة بالنسبة لي في بادئ الأمر، ولكن يوماً بعد يوم اعتدت على الأمر واتخذنا قرار الزواج بعد سنة ونصف السنة من الخطوبة.

لم نر بعضنا الا حوالي خمس مرات لم تتجاوز فترتها الثلاثة أسابيع. ولكن في هذه الفترة القصيرة تأكدت من أنني أحبه وأنه الشخص المناسب لأشاركه حياتي وأنه سيكون الأب المثالي لأولادي».

وتؤكد هبا بعد مرور ثمانية أعوام على «زواجها المدبّر» أنها لم تكن مخطئة في قرارها، بل إن الحقيقة كانت أجمل وأفضل بكثير من الصورة التي رسمتها في خيالها.

وترى الدكتورة قبيسي أن نسبة احتمال فشل هذا النوع من الزواج عالية، ولكن هذا لا يعني أنها لا يمكن أن تنجح.

وتقول: «الأمر يتوقف على الغاية من هذا الزواج، وما اذا اتخذ الشباب قرار القيام بهذه الخطوة تنفيذا لرغبة الأهل أو وافقت الفتاة عليه، رغبة في الحصول على الجنسية أو المركز أو اي غايات أخرى بعيدة عن الأهداف الطبيعية لمبدأ الزواج».

وتشير في الوقت عينه الى «ازدواجية في شخصية الشباب اللبناني المهاجر» تعيق امكانية نجاح الزواج وتتمثل بالانبهار بالمجتمعات الغربية والسعي الى الاندماج فيها مع حرصهم على بناء عائلة والارتباط بابنة بلدهم التي يعتبرونها قادرة على تحمل المسؤولية وبناء الأسرة السليمة، الأمر الذي يترك تأثيرات سلبية في سير الحياة الزوجية.

أما تأقلم الفتاة التي ترتبط بشخص يتمتع بهذه المواصفات فهذا يعني بداية زواج فاشل، لا سيما حين تنتقل الى العيش، حيث يعمل ويعيش حياته الخاصة وعلاقاته المتنوعة.

وتشير القبيسي إلى نقاط أساسية لا بد من التنبه اليها عند إقدام أحد الطرفين على الارتباط بهذه الطريقة، وهي التفاهم المسبق والصراحة والوضوح وتكثيف اللقاءات الثنائية، ليتفقا على حياتهما المستقبلية ويصلا بذلك الى الحد الأدنى من الانسجام والاتفاق قبل الزواج واتخاذ القرار بشأن اكمال الطريق معاً أو عدمها.

كما تؤكد على أمر مهم وهو زيارة الفتاة مع أحد أفراد عائلتها، إذا سمحت الإمكانات طبعا، البلد الذي يقطن فيه الشاب لتتعرف إلى طبيعة الأجواء والمجتمع، حيث ستمضي السنوات الاولى من زواجها أو أكثر.

وتشجع على اختيار الاهل السير بهذه الطريقة في تزويج أبنائهم المغتربين اذا لم تتوفر لهم فرصة التعرف شخصيا إلى الفتاة، «لأن الارتباط بأجنبية، سينتج زواجا غير متوازن يشعر الرجل في ما بعد بالغربة، لا سيما اذا كان ينوي العودة الى بلده. كما ان الارتباط بأجنبية يعني حكما تربية الأولاد وفق بيئة والدتهم وعادات مجتمعها».