العلماء يتمكنون من تخزين فيلم ونظام تشغيل «دوس»

تمكن علماء من تطوير ما يزعمون أنه التقنية الأكثر كفاءة لتخزين البيانات على الإطلاق، وذلك مع طريقة ترميز أو تشفير جديدة للحمض النووي التي تجعلنا نقترب من الحد الأقصى النظري لكمية المعلومات المخزنة في النيوكليوتيدات.


خوارزمية جديدة
باستخدام خوارزمية، تسمى «نافورة الحمض النووي – DNA Fountain»، تمكن الباحثون من تقليص ستة ملفات في بقعة واحدة من الحمض النووي – بما في ذلك فيلم قصير، ونظام تشغيل الكمبيوتر بالكامل «دوس»، وبطاقة هدايا الأمازون – ولكن هذه هي مجرد البداية، إذ قال الفريق البحثي إن نفس هذا الأسلوب يمكن استخدامه لضغط جميع البيانات الموجودة في العالم على نحو فعال في غرفة واحدة فقط لا غير.

هذه الخوارزمية الجديدة ليست بمثابة وسيلة مذهلة لتخزين البيانات في الحمض النووي فقط، وبالتالي توفير المساحة بصورة غير مسبوقة، لكن يمكن لهذه التقنية أيضًا أن تمكننا من الحفاظ على المعرفة تحت قوة ومتانة شديدة ولفترات زمنية طويلة جدًا، وذلك على عكس الوسائط التكنولوجية التقليدية، التي تستسلم لجميع أنواع الأخطاء مع مرور الوقت.

وقال يانيف إرليتش، عالم الكمبيوتر في جامعة كولومبيا، إن الحمض النووي يتيمز بأنه لا يتحلل بمرور الوقت مثل شرائط الكاسيت والأقراص المدمجة، كما أنه لن يصبح شيئًا قديمًا مهملًا، وإلا فإن هذا يعني أن البشر عندهم مشكلة خطيرة، لأن الحمض النووي هو الذي يحمل كافة المعلومات الخاصة بجسمهم.

عملية تخزين الحمض النووي في حد ذاته ليست أمرًا أو تقنية جديدة، فقد ظهرت وتطورت هذه العملية وتحولت لإحدى أبرز التقنيات الرائدة في مجال التكنولوجيا في عام 2012 من قبل باحثين في جامعة هارفارد، الذين اكتشفوا في ذلك الوقت كيفية ضغط كتاب مكون من 53400 كلمة في الشفرة الوراثية لجزيئات الحمض النووي الاصطناعية، ومن ثم إعادة قراءة البيانات مرة أخرى باستخدام تسلسل الحمض النووي.

ومنذ ذلك الحين، كانت العديد من الفرق الأخرى تحاول تحسين هذه التقنية، خصوصًا مع إعلان شركة مايكروسوفت العام الماضي أنها اكتشفت وسيلة أكثر كفاءة من طريقة عام 2012 بأكثر من 20 ضعفًا.

كفاءة أعلى
من جهة أخرى ذكر إرليتش وزميلته في البحث الجديد، دينا زيلينسكي من مركز الجينوم في مدينة نيويورك، أن تقنيتهما الجديدة للترميز هي 100 مرة أكثر كفاءة من مستوى الترميز عام 2012، وقادرة على تسجيل 215 بيتابايت (215 مليون جيجابايت) من البيانات على جرام واحد من الحمض النووي.

وحتى نفهم مدى ضخامة هذه البيانات التي يمكن تخزينها على كمية ضئيلة من الحمض النووي، فربما علينا أن نعرف أن بيتابايت واحدًا يعادل ما قيمته 13.3 عامًا من الفيديوهات عالية الوضوح (HD)، لذلك إذا كنت ترمي القرص الصلب لجهاز الحاسوب الموضوع أمامك الآن بنظرة ازدراء، فلا يمكن لأحد أن يلومك.

يوجد في قلب هذه التقنية التي طورها الباحثان، خوارزمية مصممة أصلًا لكشف وإصلاح الأخطاء في تدفق تطبيقات الفيديو. ووفقًا للباحثين، فإن نفس النوع من هذه الآلية يمكن استخدامه لتجنب الأخطاء عند إعادة قراءة البيانات الثنائية (ذات النظام الثنائي المتكون من الصفر والواحد) مرة أخرى، والتي جرى ترجمتها إلى قواعد النيوكليوتيدات الأربعة في الحمض النووي: A، G، C، T.

وقال إرليتش «ليست جميع الجزيئات تخلق بشكل متساوٍ. إذا كان لديك جزيئات الحمض النووي التي لها امتداد طويل من نفس النيوكليوتيدات، مثل AAA، فإنها ليست مواتية لتقنيات تخزين المعلومات. فمن الصعب جدًا قراءة هذا الجزيء دون خطأ، لذلك فربما ترغب في تجنب مثل هذه النوعيات».

وتتميز الخوارزمية الجديدة من إمكانية إدارتها لعملية تجنب الأخطاء عند إعادة قراءة البيانات من الحمض النووي، وذلك عن طريق ترميز إضافي لسلسلة من التلميحات حول ما ينبغي أن يكون عليه شكل المعلومات بعد عملية فك شفرتها. هذا يعني أنه ليس فقط يمكنك إعادة أي شظايا أو أجزاء من الحمض النووي التي يمكن أن تضيع في هذه العملية، لكن هذه الوسيلة مثالية للغاية.

وقال إرليتش: «لقد أظهرنا أننا يمكننا القيام بعملية تخزين موثوق للمعلومات على الحمض النووي وتعبئتها على الحمض النووي بالشكل المثالي دون أخطاء». وأوضح أن هذا يعني أنه من المستحيل تقريبًا احتواء المزيد من المعلومات على نفس كمية الحمض النووي، وهو ما يعني أنهم وصلوا تقريبًا إلى الحد الأقصى للمعلومات المخزنة على جزء معين من الحمض النووي.

تحزين ستة ملفات
ولاختبار النظام، قام الفريق بضغط ستة ملفات: نظام تشغيل كمبيوتر، وفيلم فرنسي قصير منذ عام 1895 اسمه «Arrival of a train at La Ciotat»، وبطاقات هدايا أمازون بقيمة 50 دولارًا، وفيروس كمبيوتر، ولوحة بايونير، وورقة أكاديمية من المعلومات الخاصة بالمنظر كلود شانون.

كان حجم الملف الكلي للمجموعة كاملة صغيرًا نسبيًا – وصل إلى اثنين ميجابايت فقط – ولكن الشيء المهم كان القيام باختبار لمعرفة ما إذا كانت خوارزمية النافورة قادرة على ترميز المعلومات الثنائية إلى البيانات الوراثية على الحمض النووي دون فقدان أي من المعلومات.

بعد تحويل البيانات الرقمية – ممثلة في قائمة من 72 ألف جديلة حمض نووي – إلى بقعة صغيرة من جزيئات الحمض النووي التي وضعت في زجاجة صغيرة، تمكن الباحثون من إعادة تحديد تسلسل الحمض النووي واستعادة الملفات مع نسبة خطأ وصلت إلى الصفر.

وفي حين أنها نتيجة مثيرة للإعجاب، يقول الفريق إنه سيمر بعض الوقت قبل أن تصبح قيمة تكلفة تخزين وإعادة قراءة البيانات في الحمض النووي منطقية وبسيطة بالنسبة لبقية الناس، فمن أجل اثنين من الميجابايت فقط، أنفق الباحثون مبلغًا وصل إلى سبعة آلاف دولار أمريكي من أجل تخليق الحمض النووي، بالإضافة إلى مبلغ ألفي دولار آخرين للقيام بعملية التسلسل.

ويعتقد إرليتش أنه يمكن أن يمر أكثر من عقد من الزمن قبل أن يصبح تخزين المعلومات على الحمض النووي في متناول عامة الناس، وحتى ذلك الحين، فإنه يمكن استخدام هذه التكنولوجيا من أجل عمليات حفظ وتسجيل بيانات المريض في النظم الطبية، وذلك كونها تقنية قابلة للبيع للنظم الطبية والمستشفيات وغيرها.

وأوضح إرليتش أن عملية التخزين على الحمض النووي لا تزال في المراحل الأولى، فهي في مرحلة العلوم الأساسية الآن. وأضاف: «لا تتوقع أنك في الغد ستذهب لشراء القرص الصلب المعتمد على الحمض النووي الخاص بك، عليك الانتظار بعض الوقت».