سيدني تحلم بالمرتبة الخامسة في أجندة الموضة

عندما فكرت مدينة سيدني في دخول عالم الاناقة في التسعينات من القرن الماضي، من خلال تنظيم اسبوع سنوي للموضة على غرار ما تشهده نيويورك وباريس وميلانو ولندن، استغرب البعض الفكرة، وتوقع البعض الآخر فشلها الذريع، ربما لأن سكانها لا يعطون الانطباع بأنهم يهتمون بالموضة بمفهومها العصري، بقدر اهتمامهم بملابس البحر ومستحضرات العناية من اشعة الشمس فوق البنفسجية، بحكم طقسهم المشمس وشواطئهم اللازوردية، وربما لان الأغلبية لم يروا حينها ان صناعة الموضة يمكن ان تدر الملايين على الاقتصاد.


يعلق سايمون لوك، الرجل الذي وراء فكرة إنشاء وتنظيم اسبوع خاص بالموضة الاسترالية، ان الكل استنكر الأمر عندما طرحه لأول مرة، بمن فيهم المصممون الذين لم يقتنعوا بفكرته، على اساس انها حلم صعب التحقيق وضرب من الجنون.

لكن شتان بين الفكرة آنذاك وبين الواقع اليوم، فأسبوع سيدني اصبحت له سمعة عالمية، بحيث لا يستبعد منظموه ان يحتل المرتبة الخامسة عالميا بعد نيويورك والعواصم الاوروبية الثلاث إذا استمر بنفس الإيقاع.

وسواء كان هذا من باب التمني والحلم أم لا، فإن اللافت انه، وبعد مرور ثلاث عشرة سنة على انطلاقته، نجح الأسبوع الماضي في استقطاب اكثر من 100 مصمم ومئات المشترين القادمين من العديد من بقاع العالم، إلى جانب عارضة سوبر من روسيا هي ألانا، و روزا كامينيف، صاحبة محلات «كارا أند كو» بموسكو، والأهم من هذا كله حضور إيفلينا كرومتشينكو، محررة النسخة الروسية لـ «لوفيسيال» مجلة الموضة المتخصصة.

ويعتبر هذا الحضور أمرا مهما، لأن السوق الروسي أكثر من ينعش الموضة العالمية حاليا، وحضوره في أسبوع «سيدني» له دلالات كثيرة ولفتة مشجعة للمصممين المحليين، إلى جانب مشترين من محلات «براونز فوكس» و«سيلفريدجيز» من بريطانيا، و«فيلا مودا» من الإمارات العربية.

الإعلام والمشترون ليسوا وحدهم من احتلوا مقاعد الصفوف الأمامية في بعض العروض، فقد كانت هناك باقة لا بأس بها من النجوم والنجمات، الذين اصبحوا جزءا لا يتجزأ من أي أسبوع ناجح إعلاميا، فهم البهارات التي تمنحه طعم الإثارة.

سايمون لوك، الرجل الذي كان وراء تأسيس الفعالية في عام 1995 قبل ان يبيع المشروع لشركة «آي. إم. جي» في عام 2005، لأسباب اقتصادية، قال لوكالة الأنباء «رويترز» إنه يتوقع ان تصبح سيدني العاصمة الخامسة في أجندة أسابيع الموضة العالمية «والفضل في هذا يعود إلى مدينة سيدني أولا، والتطور الذي شهدته الفعالية في السنوات الأخيرة، ثانيا. فالآن لدينا عروض أكثر من لندن من ناحية العدد».

ويتوقع لوك ان تصل صادرات استراليا، من الأزياء والاكسسوارات، إلى حوالي 240 مليون دولار رغم السرية التي تحاط بها هذه الصادرات كون العديد من المصممين يعملون بشكل خاص ولا يتبرعون بالكشف عن ارقام مبيعاتهم.

بيد أن الواضح هو أن الاستراليين ليسوا وحدهم من يعتز بارتداء تصاميم أبناء بلدهم، بعد أن انتشر هذا الاعتزاز إلى الاسواق العالمية عموما والآسيوية خصوصا. في العام الماضي مثلا، اشترت خمسة محلات من اندونيسيا ما يقدر بـ 350.000 دولار من الأزياء بعد انتهاء اسبوع الموضة مباشرة، مع العلم ان 40 مصمما استراليا متواجدون فيها سواء في محلات خاصة جدا لا يعرفها إلا الخبيرات، أو في المتاجر الكبيرة.

ويعود الإقبال إلى كونها تصاميم عصرية ومنعشة، من ناحية انها جديدة على السوق، تمنح من يلبسها بعضا من الخصوصية التي اصبح من الصعب الحصول عليها في ظل انتشار الماركات العالمية المتشابهة. في هونغ كونغ ايضا وجد أمثال كيريلي جونستون، وماركة «لايف ويذ بورد» أمكنة لهم جنبا إلى جنب «ديور» و«دونا كاران» وغيرهما، كذلك الأمر في سنغافورة، حيث يزيد الإقبال على تصاميم الجينز وملابس البحر الاسترالية.

والمراقب لتطور اسبوع سيدني لا يشك في قول سايمون لوك بأنه اصبح منافسا قويا للعديد من العواصم الجديدة مثل مدريد وبرشلونة ولوس انجليس وغيرها من العواصم التي دخلت المضمار حديثا، لا سيما إذا عرفنا ان هناك 50 اسبوعا للموضة في كل انحاء العالم، أغلبها بدأ كمعارض مفتوحة للمتخصصين والمشترين فقط، ثم توسعت لتستقبل وسائل الإعلام والمهتمين ايضا وتغير اسمها إلى «أسبوع موضة».

لكن، وعلى الرغم من عدد عروض سيدني المرتفع بالمقارنة بعواصم اخرى، وحجم الإقبال عليه وعلى مصمميه، إلا انه لن يؤرق المنظمين لاسابيع الموضة الجديدة، على الأقل في الوقت الحالي.

صحيح ان العديد منها لم تستقر مكانته بعد، ولديهم آمال وطموحات كبيرة، مثل أسبوع مدريد، الذي يحاول منافسة لندن منذ سنوات من دون جدوى، أو أسبوع لوس انجليس الذي يحاول ان يسحب البساط من نيويورك، إلا انه من الصعب تحديد من سيحتل هذه المكانة في المستقبل القريب. لكن اللافت عادة في هذه الاسابيع، ان اهميتها لا تعود إلى مواهب مصمميها وجمال أزيائها فحسب، بل إلى عناصر اخرى يجب ان تتوفر حتى تكتمل الصورة، منها إحداث ضجة إعلامية تتبعها تغطية محترمة فضلا عن حضور شخصيات مهمة ونجوم يزينون المقاعد الامامية.

وهذا ما حصل بالذات في سيدني أخيرا ولا تزال تفتقده مدريد وغيرها من العواصم الجديدة. فقد كانت هناك المغنية داني مينوغ والممثلة ميراندا أوتو والعارضة ميراندا كير وصديقها أورلاندو بلوم، وأخيرا وليس آخرا ميشا بارتون، التي تمت دعوتها في اللحظات الأخيرة لإسكات الضجة التي أثيرت بسبب تسرب خبر ان عارضة بولندية لا يتعدى عمرها الـ 14 عاما ستشارك في الأسبوع، الأمر الذي اثار جدلا كبيرا أدى إلى تراجع منظمي الأسبوع عن قرارهم ونص قانون جديد يمنع من هن أقل من 16 سنة عن المشاركة.

من ناحية العروض، فقد بدأت قوية، خصوصا ان من افتتحتها هي كيريلي جونستون، بعرض استوحته من السفر والترحال، وأرسلت فيه عارضاتها بعكاكيز من ذهب وإيشاربات تغطي شعرهن ونظارات بتصاميم مستقبلية تخفي معظم العيون.

ومعروف عن كيريلي، التي شهدت بدايتها في عام 2004، اسلوبها الذي يجمع بين الابتكار والأناقة، والذي تستعمل فيه الخامات المترفة والتفصيل الأنثوي. في التشكيلة التي قدمتها يوم الإثنين، حرصت ان تكون الالوان هادئة تتراقص على الرمادي والاسود، باستثناء زخات من لون الفوشيا الذي غلب على بعض الفساتين، بينما نسقت الاكسسوارات المذهبة من أحزمة وقلادات وكعوب احذية مع فساتين منسدلة وغير محددة على الجسم مما يتيح له الكثير من الحرية. لكن البطولة كانت من نصيب أليكس بيري، الذي أكد مرة أخرى انه سيد الموضة الاسترالية بلا منازع.

فقد طرح تشكيلة في غاية الانوثة والنعومة تمثلت في فساتين منسدلة وتايورات مفصلة للمرأة الانيقة، ولم ينس الشابات الصغيرات اللواتي طرح لهن تنورات قصيرة جدا بنقوش النمور والزرافات، وللمساء قدم فساتين طويلة بتنورات من التول بألوان الوردي الهادئ والذهبي والأبيض وبتصميمات ناعمة.

بعبارة اخرى، نجح في إرضاء كل الأذواق. بعد انتهاء عرضه علق على التشكيلة بقوله انه راض عنها، مضيفا: «من المهم ان تعشق عملك حتى يأتي بصورة جيدة.. العديد من الناس يعتقدون ان عالم الموضة مبهر، لكن الحقيقة أن نسبة 2% فقط منه مبهرة، والباقي كله عبارة عن عمل وكد متواصلين».

ولأن أي اسبوع موضة لا يكتمل من دون إثارة أو فضيحة، فإن سيدني أوفت هذا الجانب حقه بفضل هفوة المصممة النيوزيلندية، كايت سيلفيستر، التي أرسلت عارضاتها في أزياء لا مأخذ عليها سوى انها زينتها بميداليات عسكرية، مما أثار حفيظة العديدين، ممن رأوا في استعمالها هذه الميداليات كإكسسوارات إهانة للمحاربين ولمفهوم تكريمهم والعمل الذي يقومون به، مما اضطر المصممة إلى الاعتذار عن هفوة قد تكلفها الكثير.

وسواء أكانت سيدني ستصبح العاصمة الخامسة في أجندة الموضة العالمية، كما يأمل المنظمون، ام لا، فإنها أكدت أنها تتميز بأسلوبها الخاص الذي يمكن تلخيصه بـ «الكاجوال» الانيق، أي الملائم لكل المناسبات، على العكس من نيويورك التي تتمير بأسلوبها الرياضي الانيق، وميلانو بتفصيلها المحسوب وباريس بأزيائها الراقية ولندن بجنونها الفني.