الساري الهندي .. تطورت أساليب ارتدائه وبقي سحره

أسابيع الموضة لم تعد تقتصر على العواصم الغربية، بعد أن أصبح لكل بلد أسبوعه الخاص تقريبا، من روسيا إلى جنوب أفريقيا وإسبانيا مرورا بباكستان أو الهند.


الطريف أن هذه الأخيرة لا تكتفي بأسبوع واحد، فنيودلهي تحتفل بأسبوعها، كذلك بومباي، وتتنافس المدينتان دائما على جذب الانتباه بكل الأشكال، سواء تعلق الأمر بالأزياء العصرية أو التقليدية، مع العلم ان المدينتين باتتا تدركان أن الساري له سحر لا يعلى عليه على المستويين المحلي والعالمي، بل قد يكون سلاحهما لاختراق الغرب. فهذا الزي قد يتوارى عن الأنظار قليلا بحجة مواكبة العصر، لكن مكانته لا تهتز مهما مر الزمان، ومهما ظهرت من ابتكارات.

وربما يكون الساري، الزي الذي تم ارتداؤه على نحو متصل لأطول فترة في تاريخ البشرية. فاليوم ترتديه أكثر من75% من النساء (ما يزيد على مليار من النساء) في شبه القارة الهندية، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو العقيدة أو الدين، وذلك في كل من الهند وسري لانكا وبنغلاديش ونيبال وباكستان، ولا يضاهيه زي في تاريخه القديم، الذي يعود إلى 5000 عام، حيث ورد ذكره لأول مرة في «ريغ فيدا» (الكتاب المقدس للهندوس)، أقدم عمل أدبي في العالم، حيث يعود تقريباً إلى عام 3000 قبل الميلاد.

وفي الأصل، كان الساري الهندي مصمما بشكل يمكن للرجال والنساء ارتداؤه على نحو سواء. فهو عبارة عن قطعة طويلة ومستطيلة من القماش غير المخيط، ويتراوح طوله بين ست وتسع ياردات، ويلف حول الجسم بأشكال مختلفة.

وتحكي أسطورة شعبية «أن الساري ولد على نول ناسج واسع الخيال. وحلم هذا الناسج بامرأة ورأى وميض دموعها وشعرها المتحرك وحالاتها النفسية المتغيرة ورقة لمستها، فأخذ يعمل ويحوك نسيجه وعندما انتهى، جلس وأسند ظهره إلى المقعد وظل مبتسماً». لقد كانت النتيجة كما حلم تماما: رائعة.

لكن بعد غزو الأزياء، التي تحمل مزيجاً من الثقافتين الهندية والغربية، لم يعد الساري هو نفس الزي الذي كانت ترتديه الجدات، فقد تعرض لعملية تغيير كبيرة، أصبح معها تعبيراً عن الموضة وليس قطعة من قماش واحدة تلف على مجموع الجسم، تغطيه وتزينه.

وكان هذا بديهيا مع تطور الأزياء وتقنيات النسيج والتصميمات، التي لم تأخذ من سحره، بل لا يزال أكثر الأزياء إغراء وأنوثة على الإطلاق، وأكثرها تأثيراً لدى المصممين ونساء العالم على حد سواء.

فعلى الرغم من تغير اتجاهات الموضة كل عام، لا يستطيع المصممون أن يتجاهلوا أهمية وجود الساري في خزانة المرأة الشرقية، بل رأينا في السنوات الأخيرة انتعاشا لهذه الموضة وعودة مخلصة لها في شتى عروض الأزياء، سواء في أسبوع لاهور الباكستاني، أو أسابيع الموضة الهندية في كل من نيودلهي أو بومباي.

فرغم انتشار الطبعات والأقمشة والأنسجة التقليدية في الأسواق، فإن مصممي الأزياء الهنديين بدأوا في السنوات العشر الأخيرة في تجربة أنواع جديدة من الأقمشة والتصميمات وطرق الارتداء من أجل إضفاء المزيد من الطابع الغربي على الساري ولكي يصبح أسهل في الارتداء وأكثر جاذبية لشريحة الشابات، بل ذهب بعض المصممين البارزين في الهند إلى ابعد من هذا، واستخدموا أقمشة مختلفة وغريبة، كما نوعوا في أساليب ارتدائه، وطعموه بحبات الكريستال والماس للزينة وإضفاء المزيد من البريق.

وتختلف أشكال الساري والخامات المصنوع منها وأشكال ارتدائه من مكان لآخر في أنحاء الهند المختلفة.

فالساري، الذي كان يصنع من قبل من القطن الطبيعي والحرير والشيفون والكريب جورجيت، تطور الآن لتدخل فيه أنواع أخرى من الأقمشة مثل البوليستر والنايلون. وتعود نشأة الساري، الذي تفضله النساء الهنديات، إلى ثلاث مناطق، وهي فاراناسي بولاية أوتار براديش الشمالية، وشنديري في ماديا براديش الوسطى، وكانشيفارام في تاميل نادو الجنوبية.

ومر الساري بعدة تغييرات بالرغم من بقاء شكله الأصلي. فالجزء العلوي منه، وهو عبارة عن سترة أو بلوزة صغيرة، تمت إضافتها في العصر الفيكتوري. ففي الأصل، ارتدت النساء الهنديات ما كان يعرف بالكانشوكي (وهو قطعة من القماش تربط حول الصدر وتشبه إلى حد كبير الجزء العلوي من مايوه البحر من دون حمالتي أكتاف)، وهناك العديد من الرسومات والأدلة على ذلك. ويتضح بذلك أن الساري العصري، الذي ترتديه النساء فوق تنورة تحتية مع بلوزة صغيرة، قد عرف بالعادة.

وقضت شانتال بولانجيه، وهي عالمة إنسان فرنسية، ست سنوات في الهند في محاولة لجمع معلومات عن الأساليب المختلفة لارتداء الساري. وخلال هذه الفترة، اكتشفت شانتال أكثر من 100 طريقة مختلفة في جميع أنحاء الهند. فالنساء الريفيات، مثلا، يرفعن طرف الجزء العلوي منه على ظهورهن ثم يمررنه من بين أرجلهن، لكن أكثر الطرق شيوعاً هو أن يلف حول البطن أسفل السرة بإنش واحد، مع وجود طيات في المنتصف ثم يرفع على الكتف كاشفاً عن جزء من البطن. وتقوم النساء الصغيرات بإضافات مختلفة تتماشى مع الموضة، مثل إضافة حزام ذهبي عريض على الكتف يكشف عن الظهر.

وتعكس الأشكال المختلفة للساري اليوم حيوية وبساطة وبريقاً، حيث يتزين بالشرائط المزخرفة، وغالباً ما ترتديه النساء مع بلوزات ساطعة الألوان ذات أكمام قصيرة، أو من دون أكمام، أو ذات صدر منخفض. وتختار المرأة ما تناسبها من التطريزات الدقيقة والأكمام التي تضفي جمالاً على الثوب وخطوط العنق المختلفة. أما بالنسبة لتطريزات البلوزات، فتتعدد الاختيارات والتطريزات والكريستالات والأحجار وغيرها. والملاحظ ان النساء تخلين عن التنورة التحتية التقليدية، واستبدلنها بتنورة ضيقة، بل وترتدي بعض النساء بنطالا أملس تحتها ليخبئن أجزاء من أجسادهن لا يرغبن في إظهارها.

وعلى مدار السنين وبفضل العديد من نجمات هوليوود، من أمثال إليزابيث هيرلي وغولدي هاون وجينيفر هاوكنز ومادونا، أصبح الساري جزءاً من عالم الموضة، وليس الزي الرسمي للهند فحسب.

كما جعلت مطربات هنديات بارزات، من أمثال ريتو كومار وتوران تاهيليلني وساتيا بول وسابياساشي، من الساري رمزاً للأناقة، وارتدينه من أقمشة من الشيفون والكريب والحرير الرقيق.

ومن المشوق في الموضوع ما قام به المصممون من إدخال طرق مختلفة لارتداء الساري، مثل وضع ثوب قصير فوق الساري لإعطائه صورة ظلية تشبه العباءة. وعلى نحو مماثل، ابتكروا طريقة أخرى لارتدائه تجعله يبدو كما لو كان عباءة بفتحة عنق واسعة. وبفضل المهارات اليدوية في الآونة الأخيرة، أصبح ارتداء الساري مثل ارتداء الشورت والبنطال والعباءة المنسدلة والتنورة والبنطال، لكن من دون خياطة.

ومنذ نحو جيل، كانت النساء يرتدين الساري طوال الوقت، أثناء القيام بالأعمال المنزلية والتسوق وفي المناسبات الاجتماعية وحتى أثناء النوم. ونتج عن التحرر الاقتصادي في البلاد الكثير من التغييرات الاجتماعية، التي غيرت نظام الحياة بأكمله في القرى الهندية. وشمل ذلك الزي المتعارف عليه.

ففي أماكن العمل، فقد الساري مكانته أمام الأزياء الغربية وزي الـ «سلوار كاميز» العملي المزخرف، وهو عبارة عن سروال فضفاض وقميص طويل من فوقه وإيشارب. واختفى الساري تقريباً بين كل النساء في أماكن العمل، ويشمل ذلك الموظفات الصغيرات في مراكز خدمة العملاء والعاملات في قطاع الإعلام والموظفات الصغيرات.

بيد انه يبقى زي المرأة في عالم السياسة، فبداخل البرلمان أو خارجه، تفضل النساء أن يظهرن بالساري على غيره من الأزياء، مما دفع الكثير من مصممي الأزياء إلى التفكير في أشكال من الساري يسهل على المرأة ارتداؤها، ومن هنا جاءت تصميمات يمكن ارتداؤها صممت في ثوان معدودات، إلى جانب الساري ذي المقاسات الموحدة، الذي يحتوي على أزرار وزمام منزلق (سحاب)، متوفر بكثرة وتستطيع النساء ارتداءه بسرعة ورفعه مثل البنطال.

وقد لاقى هذا النوع من الساري رواجاً واسعاً بين الأجنبيات على وجه الخصوص، فقد أصبحن يظهرن في الحفلات الرسمية والمناسبات الاجتماعية الهندية وهن يرتدين الساري ذا الزمام المنزلق. ويقول أرميلا سن، وهو من أول من صمموا هذا الشكل من الساري «إن كل ما عليك فعله هو سحب الزمام لأعلى».

ولا يلاقي هذا الساري في شبه القارة الهندية نفس الرواج الواسع الذي يلاقيه في الخارج. وحتى الآن، هناك القليل من المصممين الذين بدأوا في تصميم هذا الشكل من الساري، في الوقت الذي يصفه الكثير منهم بأنه أسلوب للتحايل. كما أن هناك بعض العيوب في هذا الشكل من الساري، تتمثل في عدم مرونته بإمكانية ارتدائه بأسلوب آخر. وعلاوة على ذلك، لا تتطلب أشكال الساري التقليدية أي إصلاح، على عكس المخيط منه، الذي قد يفقد منه زر أو يتوقف فيه الزمام عن الحركة وغيرها من المشاكل.

وعبرت نساء هنديات كبيرات في السن من عائلات محافظة، عن عدم رضاهن بالأشكال المتغيرة للساري، كما قلن إن الساري فقد مكانته عندما اتجهت نساء الريف إلى الأزياء الغربية. وعلى الرغم من التأثير الواسع للغرب في الأزياء في عالم اليوم، لا يستطيع أحد أن ينكر ما يضيفه الساري على المرأة الهندية من سحر رائع، لا يوجد زي آخر غير الساري تستطيع المرأة أن تغطي به جسدها وتبدو مثيرة في آن واحد.