عمليات زراعة الرحم .. تطور طبي يصلح لنوع محدود من النساء

د. محمد الطرانيسي: العقدان المقبلان سيشهدان ازدياد عمليات الإخصاب الصناعي
د. محمد الطرانيسي: العقدان المقبلان سيشهدان ازدياد عمليات الإخصاب الصناعي

في تطور طبي جديد، منحت السلطات الصحية البريطانية الموافقة على إجراء أول عشر عمليات لزراعة الرحم، بعد النجاح الذي حققته تلك التجارب في السويد.
 
وجاءت الموافقة على الإجراء الطبي الجديد من قبل هيئة البحوث الصحية، كجزء من التجارب الإكلينيكية التي بدأت خلال الربيع الماضي.
 
غير أن الدكتور محمد الطرانيسي المتخصص في الإخصاب الصناعي في لندن، تساوره الشكوك بشأن ذلك التطور الطبي الجديد، كما أعرب عن ذلك في مقابلة مع جريدة «الشرق الأوسط»، قائلا: «سواء كان ذلك سيساعد كثيرا من النساء أم لا فهو أمر مشكوك فيه، إذ إنه سينجح بالنسبة لنوع معين من النساء فقط، أي أولئك اللاتي ولدن من دون رحم أو تعرضن لجراحة استئصال الرحم لاعتبارات صحية».
 
وحول انتشار عمليات الإخصاب الصناعي يعتقد الدكتور الطرانيسي أنه ربما سيتمكن كثير من النساء خلال 15 إلى 20 عاما المقبلة أن يصبحن أمهات بفضل الإخصاب الصناعي.
 
وأضاف: «لقد أصبح ذلك الأمر من وسائل التفكير الحديثة في المجتمع، ولن تصيبني الدهشة إذا ما صار هو القاعدة السائدة، فكثير من النساء في هذه الأيام في الدول المتقدمة صناعيا، يقمن بتجميد بويضاتهن الخاصة»، إذ يشغلهن مستقبلهن المهني كثيرا، ويرغبن في تأجيل الإنجاب لفترة من الزمن.
 
زراعة الرحم
وعودة إلى زراعة الرحم قال الدكتور الطرانيسي: «هذا التطور الطبي سوف يستهدف عددا قليلا للغاية من النساء، إذ ليس هناك كثير من النساء ممن أجرين جراحة استئصال الرحم في سن مبكرة أو في سن الإنجاب، أو اللاتي ولدن من دون رحم بالأساس».
 
ويشير الطرانيسي في السياق ذاته إلى أن «هناك بدائل طبية أخرى لعلاج تلك المشكلة، فيمكن استخدام تأجير الأرحام، حيث يمكن لامرأة أخرى أن تحمل بجنينك في رحمها».
 
كما أن هذا الإجراء الطبي الجديد يتسم بالتعقيد، حيث تستغرق العملية الجراحية نحو ست ساعات كاملة، مع انتقال العضو من المتبرعة التي وافتها المنية لتوها غير أن قلبها لا يزال ينبض.
 
وتحتاج المريضة المتلقية للرحم أن تتناول العقاقير المثبطة لمناعة الجسم عقب الانتهاء من عملية الزرع وطوال فترة الحمل اللاحقة لمنع أية فرصة للجسم من لفظ العضو الجديد المزروع.
 
بعد ذلك، تخضع الحالة الصحية للمريضة للمراقبة المكثفة لمدة عام كامل، وبعدها يجري زرع الجنين في الرحم الجديد.
 
وسينشأ ذلك الجنين من مزيج من بويضات الأم والحيوانات المنوية للزوج، من خلال تطبيق إجراءات الإخصاب الصناعي.
 
وإذا ما سارت الأمور على نحو طيب، سيولد الطفل بعد الحمل من خلال ولادة قيصرية، وسيُتاح للزوجين خيار محاولة تكرار الحمل لمرتين أخريين قبل إزالة الرحم.
 
وفور انقضاء الفائدة المرجوة من الرحم الجديد، يمكن استئصاله من قبل فريق من الجراحين.
 
ومن شأن ذلك إعفاء المرأة من مواصلة تناول العقاقير المثبطة لمناعة الجسم لبقية حياتها.
 
ويقول الطرانيسي: «لا تتسم تلك العملية الجراحية بالبساطة والمباشرة، ولذلك فإن تعداد النساء اللاتي قد يستفدن منها هو أمر مشكوك فيه كثيرا»، وأضاف: «ومع ذلك، فهي خيار يمكن العمل على تطويره، ولكنه سوف يظل متاحا حتى إذا كان هناك عدد ضئيل للغاية من المريضات في حاجة إليه.
 
إنني لا أعتبره ثورة في عالم الطب؛ حيث لن يكون مجال التطبيق واسعا في الحال، ويتعلق الأمر بعدد قليل من المريضات، ولكنه إضافة جديدة لأولئك اللواتي يشعرن بأنهن مناسبات من الناحية الطبية لتلقي ذلك النوع من العلاج».
 
وفي إشارة إلى عملية الإخصاب الصناعي المرافقة، فإن المخاطرة الوحيدة هنالك والمتعلقة بالعلاج الجديد تكمن، وفقا للدكتور الطرانيسي، في أنه «إذا ازدادت ردة فعل المريضة عن الحد للعلاج، وإذا لم تخضع للمراقبة والعناية الطبية المناسبة، فإن المبايض قد تتضخم وتنتج كثيرا من جراب المبيض follicle. وفي أسوأ الحالات، يمكن نقل المريضة إلى وحدة العناية المركزة، وفي بعض الحالات شديدة الخطورة يمكن أن تلقى المريضة حتفها».
 
ولكنه أشار إلى أن «ذلك نادرا ما يحدث، ففي هذه الأيام وهذا العصر صار الناس أكثر وعيا لتلك المشكلة، ويتلقون التعليمات الطبية حيال ما يجب عليهم فعله، وإننا نراقب الناس هنا بصفة يومية، ونتأكد إذا ما كانت هناك استجابة أكثر من اللازم، ونعرف تماما ما يجب القيام به وكيفية التعامل مع الأمور».
 
لذا، كم من الوقت يستغرق الأمر من الزوجين للحصول على طفل من خلال إجراءات الإخصاب الصناعي؟ يقول الدكتور الطرانيسي إن الأمر لا يتعلق بمقدار الوقت ولكن بخلفية الزوجين الصحية وبطبيعة المشكلة التي يواجهانها، وأضاف: «نميل للحصول على مزيد من المعلومات حول المريضة من خلال مدى استجابتها للعلاج (من حيث الأدوية، وجودة البويضات والحيوانات المنوية، وكيفية انسجامها سويا، والأجنة المتكونة كذلك)».
 
ويؤكد الطرانيسي أن «الأمر يستغرق لدى بعض الناس تجربتين كاملتين قبل حدوث الحمل، وهو أمر اعتيادي. وحتى مع المحاولات الطبيعية، ومن خلال دورة المحاولة العادية (عندما يكون الزوجان في العشرينات من العمر) تتراوح نسبة حدوث الحمل بين 20 إلى 25 في المائة. وبما إن الجنس البشري لا يتمتع بالخصوبة العالية، لذا عليك المحاولة والتجريب عدة مرات».
 
الخصوبة والإنجاب
تسترعي انتباهنا مسألة معقدة تتعلق بالزوجين المتمتعين بالخصوبة الجيدة ولا يتمكنان من الإنجاب سويا. ويفسر الدكتور الطرانيسي ذلك بقوله: «نطلق على تلك المسألة مسمى الأمور (غير المفسرة) في الخصوبة، ويتعلق ذلك الأمر بزرع الأجنة في الجسم، فهل ذلك الجسم مستعد فعليا لتلقي ذلك الشيء»، مما يعني أنه «عندما نزرع الجنين فهل سوف تعتني به الأجسام، حيث يعاني كثير من المرضى من تلك المشكلة، ولذلك ومن خلال منحهم فرصة الإخصاب الصناعي فإننا في واقع الأمر لا نقدم لهم المساعدة. وكل ما نصنعه هو إيجاد مزيد من الأجنة».
 
والدكتور محمد الطرانيسي، بريطاني من أصل مصري، وهو واحد من أشهر أطباء الإخصاب الصناعي الناجحين في بريطانيا.
 
وقد أسس «مركز مساعدة الإنجاب وأمراض النساء» عام 1995 في شارع ويمبول في لندن على مقربة من «هارلي ستريت» وهو شارع الأطباء في لندن.
 
ونجحت عيادته باستمرار في إنجاز أكبر معدلات النجاح المحققة في بريطانيا في مجال الإخصاب الصناعي عاما بعد عام، مما ضاعف من معدلات النجاح الوطني المسجلة.
 
وتتركز اهتمامات المركز، على الزوجين اللذين يتمتعان بالخصوبة «غير المفسرة»، ويتابع الدكتور قوله: «لقد أجرينا كثيرا من العمل حول تلك المسألة خلال السنوات الـ 10 إلى 15 الماضية، ولهذا السبب إذا لم تكن تتابع مسألة الزرع فمن المحتمل ألا تحصل على نتيجة. إننا نتابع المحاولات للعثور على سبل لعلاج تلك المسألة المعقدة».
 
وكان الطرانيسي محل كثير من التحقيقات وجلسات الاستماع، حيث اصطدم في مرات كثيرة مع هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجنة في المملكة المتحدة المشرفة على المعايير الطبية في هذا المجال، غير أن نجاحاته يبدو أنها لا يعوقها عائق.
 
وسواء كانت مسائل الخلاف نابعة من دوافع علمية أو إثنية، من واقع حقيقة أنه طبيب مصري ومسلم، يقول الطرانيسي: «إنها مزيج من أمور عدة، كنا دوما صريحين في ما يتعلق ببعض الأمور وهناك أناس لا يعجبهم ذلك. ولا أعتقد أن ذلك التوجه سوف يتغير، تلك هي طريقتي الشخصية في التعامل، وإنني كبير بما فيه الكفاية، ولا أرى أنني سوف أغير من أساليبي بحال من الأحوال».
 
ومع ذلك، سمحت له نجاحاته بالمضي قدما وفق نهجه الخاص «المختلف» والذي يطبقه في التعامل مع مرضاه. يجلس الطرانيسي إلى مكتبه المكدس ببطاقات العرفان وبعض الهدايا من المرضى السابقين، إلى جانب صور للأطفال حديثي الولادة، ويؤكد: «من واقع النجاحات المحققة لا يجد الناس سبيلا سوى الاستماع لما أقول. ولذلك لأننا وبالفعل نقوم بشيء مختلف في عالم الإخصاب، ولقد عاد ذلك بنتيجة ناجعة في نهاية الأمر».
 
وبعد إثارته كثيرا من الانتقادات في ميدان اختصاصه، فقد انتصر الطرانيسي في معركة قضائية بتهمة التشهير من قبل هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجنة وهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» التي أذاعت في عام 2007 برنامج «بانوراما» المسجل سريا، حول عيادته الخاصة.
 
وبالإضافة إلى ذلك، هناك تسع قضايا أخرى قد أحيلت إلى الشرطة من قبل هيئة الخصوبة البشرية وعلم الأجنة طلبا للتحقيق الجنائي، وقد رفضتها الشرطة جميعها في العام ذاته.