الصالونات يقصدها البعض للمظهر وأخرون للتنفيس عن الصدر

يشبه البعض صالونات التجميل بالعيادات النفسية، حيث نجد ان بعض النساء يترددن عليها بغية رفع المعنويات بتحسين الشكل وأيضا بغرض ترميم النفس المتعبة والتنفيس عن الهموم في مكان يفترض أن لا هوية له ولا تبعات من ورائه. لذلك ليس غريبا ان تحتضن هذه الصالونات بين حيطانها أسرارا، وتنسج داخلها علاقات كما تتناسل حولها شائعات، بعضها يحتمل الصدق وأغلبها يبقى مجرد شائعات أو تأويلات شخصية.


ولا شك أن اجواء الصالون وطريقة التعامل مع الزبونات، تلعب دوراً مهماً في منحهن شعوراً بأهميتهن وقيمتهن، بدءاً من طريقة الاستقبال إلى طريقة الوداع، وهذا ما يزيد من إحساسهن بالأمان والثقة، ومن ثم تتحول الزيارة الأسبوعية الى جلسة حميمة، يفضفضن فيها عن هواجسهن ويناقشنها مع المزين، الذي لا يتحرج من إبداء رأيه وإسداء النصائح مستشهدا بحالات مرت عليه، وإظهار حرصه على متابعة التطورات أولاً بأول. وقد يصبح المصفف، أو المصففة، المستشار وكاتم الاسرار حتى وإن أدركت الزبونة أن هذا جزء من استراتيجية عمله وكسب وفائها.

وهذه الظاهرة، أو بالأحرى أهمية مصفف الشعر، ليست بجديدة. ففي المغرب مثلا، كانت المرأة في القديم لا تستغني عن «الماشطة» التي تكون أول من يستدعى لحفل الزفاف للعناية بشعر العروس وتغذيته وتعطيره بالحناء المخلوطة بالقرنفل ونبات الورد قبل غسله وتصفيفه، والتي لا يتوقف دورها عند هذا الحد، بل كان متوقعا منها ان تتبرع بنصائح تخوض في الحميم.

وعن اسباب هذه الظاهرة تقول المتخصصة اللبنانية في علم الاجتماع، سلوى سليمان «ان الاسباب متعددة منها القهر الذي تواجهه بعض النساء في منازلهن، ويؤثر في قدرة الفصل لديهن بين الخاص والعام. كذلك تجد الزوجات اللواتي يفتقدن الحوار مع ازواجهن في المزين الرجل البديل الذي لا يشكل خطراً عليهن، فهو اشبه بالطبيب ولا خوف منه، يمكن للمرأة ان تسأله عن جمالها وخصوصياتها من دون حذر أو خوف من سوء فهم او تورط عاطفي، وهذا ما يعطيها شعورا بالأمان وثقة بالنفس تكون بأمس الحاجة إليهما».

لكن هذه النظرية المبنية على التحليل العميق ربما لا تنطبق على ما يجري في الصالونات، التي تتحول في معظم الاحيان الى اماكن للثرثرة تشبه جلسات قهوة الصباح النسائية، حيث يكون محور الحوار آخر اخبار الفنانات واحدث صيحات الموضة واكثر الفضائح الاجتماعية دوياً، وطبعاً عمليات التجميل ووصفات الحمية.

وقد تبدأ واحدة بسرد سيرتها الذاتية على مسمع من الموظفين والحاضرات، ولا تشعر بالحرج عندما تبدأ بالحديث عن حماتها وجيرانها وتصرفات خادمتها واولادها وحتى مشكلاتها الزوجية.

وتقول سليمان «ان هذه التصرفات لا تصدر عن امرأة رزينة، إنما عن فئة لا يشغل بالهن إلا المظاهر الفارغة والعلاقات الاجتماعية السطحية، وقد يشكل هذا الجو سبباً لنفور البعض من صالون معين، لا سيما اذا كانت الثرثرة مقترنة بالنميمة، حيث نجد ان الحلاق او حتى من يتولى مهمة غسل الشعر وتجفيفه حاضر لتقديم المعلومات المجانية عن زبونة ثانية، محاولاً التودد ولفت الانتباه وارساء علاقة خاصة، هدفها الاستحواذ على اعجاب الزبونة مما يزيد رصيده لدى صاحب الصالون ويزيد ايضاً من نسبة الاكراميات التي يحصل عليها».

كما قد تجد فئة من النساء حديثات النعمة في هذه الصالونات فرصة للاستعراض والتباهي والتعويض عن النقص، فنرى انهن يقصدن الصالون مرتديات افضل الملابس وكأنهن ذاهبات الى زيارة رسمية او مناسبة خاصة. وتجد سليمان ان هذا الطرح مبالغ فيه «فكل امرأة تحب الاطراء والتقدير، لكن الاساليب تختلف باختلاف الثقافة والوسط الاجتماعي والتوجه المهني، وقبل كل شيء الطبع والشخصية».

ولا يقتصر الأمر على الاطمئنان والبوح للمصفف، بل قد تتحول هذه الصالونات إلى مجالس للتعارف بين نساء وفتيات الحارة، وغالبا ما تتوطد الصداقة بين معظمهن لدرجة تبادل الأسرار التي لا يطلع عليها الجنس الآخر، خصوصا في صالونات الأحياء الشعبية، وإن كان الأمر يختلف في المناطق الراقية، حيث يتم التعامل بطريقة دبلوماسية ولبقة.

«فبعض الزبونات موظفات بارزات أو ينتمين لأسر ميسورة بالوراثة، وبالتالي فهن يتكلمن لغة مختلفة تغلب عليها الأرقام والدراسات وتتجنب الخوض في المشاكل الشخصية كثيرا» كما تقول رشيدة، مصففة شعر في حي راق بمدينة الرباط.

لكن المشكلة التي تعاني منها معظم الصالونات هي السمعة التي ارتبطت بها، والتي ينتج عنها تناسل العديد من الشائعات حول ما يجري بداخل جدرانها، وإن بقيت في معظمها مجرد شائعات، لأن الأسرار المتبادلة بين الزبونات هي الحقيقة الوحيدة التي لا يعلمها سواهن.

يقول الدكتور جبار شكري، اختصاصي في علم الاجتماع وعلم النفس التحليلي: «إن صالون الحلاقة والتجميل في المجتمع المغربي يتحول إلى مكان للعلاج الجماعي، بمعنى أنه يصبح مجالا لإفراغ كل المكبوتات اللاشعورية، وإلى فضاء للتآزر والتعايش بين النساء، حيث تحكي كل واحدة معاناتها اليومية مع محيطها وأسرتها وزوجها أو في مكان عملها، إذا كانت تشتغل خارج البيت، وكذا عن علاقتها مع العقلية الذكورية المسيطرة». من جانبه، يقول الدكتور أبو بكر حركات، اختصاصي في الأمراض النفسية «صالونات الحلاقة والتجميل كان دورها حتى وقت قريب مثل الحمامات سابقا، مكانا تلجه النساء بحثا عن عرائس لأبنائهن، لكن تطور الحياة جعل هذه الصالونات عبارة عن منتديات للتجميل والترفيه وإقامة العلاقات الاجتماعية، وممارسة النميمة أيضا».

وإذا كانت الصالونات في المغرب ولبنان مكانا للتنفيس العاطفي والاجتماعي، فإنها في السعودية قد تتحول إلى مركز تجاري أو معرض لمنتجات جديدة. فقد أصبحت تتنافس في نوعية الخدمات والتسهيلات، وإن كانت على طريقة «الفاست فود» لتوافق إيقاع العصر السريع، مما يجعل الزبونة تقف مشدوهة أمام قائمة الأسعار والعروض الموسمية وصور الموضة، التي تحلي أركان الصالون وطبعا ما يجري بداخلها.

وبينما أعربت الطالبة الجامعية منال، التي تتصفح احدى المجلات في انتظار دورها، عن استيائها من تشابه كل الصالونات وافتقادها إلى التميز بالركض خلف التقليد بعيداً عن الابتكار والتجديد الذي تتوق له هي وبنات جيلها، يبقى للنساء الأخريات رأي مختلف. فهن إما وجدن ما يسليهن ويجنبهن ملل الانتظار من خلال متابعة شاشة التلفاز المثبتة على الحائط ببرامجها المتنوعة التي تخاطب كل واحدة حسب اهوائها وميولها، أو بممارسة بعض الأعمال المهمة من قبل فئة زبونات الخمس نجوم، كما يتفق على تسميتهن. فقد يجهز ركن خاص لهذه الفئة لإتمام مهمات العمل في جو مريح وهادئ في انتظار دورهن، إضافة إلى تسهيل تنظيم مزادات الماس والمجوهرات، التي باتت تستقطب زبونات من ذوات الوزن الثقيل ماديا.

كما لا تغيب اللمسحة الدينية التي تتمثل في دخول بعض الزبونات للحديث عن أمور الدين وإسداء النصيحة للجالسات. في حين تستغل أخريات وجود مجموعة كبيرة من النساء في مكان واحد للترويج لمستحضرات احدى شركات التجميل الغربية، أو بيع كتب الطبخ المصورة بلا ألوان، التي تشبه إلى حد ما ملازم طلبة وطالبات المرحلة الثانوية.

والواضح أن العلاقة بين الصالون وزبوناته قائمة على أساس المنفعة المتبادلة، خصوصاً في ظل العدد المهول من الصالونات والعروض الترويجية المتجددة في كل أنحاء السعودية، مما قلل من أهمية فكرة الزبونة الدائمة أو صديقة الصالون كما كان الأمر بالسابق. ومن الطريف ما ذكرته أمينة العماري، مديرة أحد صالونات التجميل، عن المشكلة التي تواجهها من جراء المنافسة الشديدة، وكثرة الصالونات، والتي قد تتولد عنها منافسات غير شريفة، كأن تندس عميلة من قبل صالون منافس في نفس الحي وتحاول استفزاز الزبونات المنتظرات أو إثارة حفيظتهن بانتقاد العاملات ومستواهن، وتصيد الهفوات وتكبيرها، فضلا عن سرقة مقتنيات الزبونات لتشويه سمعة الصالون.

ولا يمكن الحديث عن خفايا هذه الصالونات وما يجري بداخلها من دون التطرق إلى بعض التقاليع الغريبة التي استحدثتها لاستقطاب المزيد من الزبونات من جهة، والتخفيف من ملل الانتظار من جهة ثانية، وذلك بتكليف إحدى الآسيويات بقراءة الكف حتى تكون التجربة ممتعة، إلى جانب فتح المجال أمام بعض الموهوبات في مجالات الطبخ أو التطريز بعرض منتجاتهن بما يضمن مضاعفة الدخل الشهري للصالون.