وسائل غذائية .. لخفض كوليسترول الدم

 من السهولة بمكان خفض تناولنا للكولسترول من الغذاء، ومن الممكن أن نجعل من غذائنا وسيلة لخفض نسبة مؤثرة من الكولسترول الموجود في دمائنا وبقية أجزاء أجسامنا. إلا أن السيناريو يتكرر في عيادات أطباء القلب، أو غيرها من العيادات، حينما يختم الطبيب مراجعته لنتائج تحاليل الدم للكولسترول والدهون الثلاثية، ليقول: الأرقام تشير إلى ارتفاع في نسبة الكولسترول الكلي، أو الكولسترول الخفيف الضار، أو الدهون الثلاثية. ولا يلبث المريض حينئذ أن يُبدي انزعاجه ودهشته، أو قد ينزعج دونما دهشة لتوقعه تلك النتائج.


ولأن ثمة قائمة طويلة من الآثار السلبية، والعميقة الضرر، لاضطرابات الكولسترول على صحة الإنسان وسلامة حياته، فإن من المهم والمفيد والضروري أن تنهال أسئلة المريض.

وقد تشمل الأسئلة تلك، ما معنى هذا الارتفاع أو الارتفاعات في تلك الأرقام؟ ما هو الضرر الذي لحقني حتى الآن جراء ذلك؟ لماذا اضطربت معدلات الكولسترول أو الدهون الثلاثية لدي؟ هل للغذاء الذي أتناوله دور في حصول الأمر أم ثمة أسباب أخرى؟ ماذا عليّ فعله؟ ماذا عليّ أن أتناول من مأكولات؟ هل سيتحسن حال معدلات الكولسترول؟ كيف ستتم متابعتي؟ وغيرها من الأسئلة التي من الضروري أن يتفطن المريض إلى دواعيها وأن يستوعب الإجابات عليها، وأن يتسع صدر الطبيب للإجابة عليها.

لكن دعونا نركّز الحديث حول ما الذي يُمكن للغذاء، إذا تعاملنا معه بصفة صحية، أن يُقدمه لنا من إسهام في خفض نسبة كولسترول الدم؟ وما هي أنواع الأطعمة الثابتة جدواها في خفض هذه النسبة للكولسترول؟ وقبل عرض هذا وذاك، علينا مراجعة أسس علاقة نسبة كولسترول الدم بالغذاء وأنواعه، كي نفهم الدور الإيجابي لتلك الأصناف الغذائية وآلية خدمتها لنا في جانب الكولسترول.

علاقة الكولسترول بالغذاء
يجب توضيح عدة اعتبارات طبية علمية، حول علاقة الكولسترول بجسم الإنسان، حال الصحة وحال المرض، لأسباب حيوية تمس صحة الإنسان. ومنها أن هناك شيئا اسمه كولسترول في الغذاء، وآخر مختلفا تماماً اسمه كولسترول في الدم. وكولسترول الغذاء شيء واحد، أما كولسترول الدم فأشياء متعددة، إذْ في الدم ثلاث قراءات للكولسترول، هي الكولسترول الكلي، والكولسترول الخفيف، والكولسترول الثقيل.

ولدواع طبية يُذكر الكولسترول مع الدهون، بينما في الحقيقة يختلف الكولسترول، كمادة كيميائية، في كل من التركيب والوظيفة عن الدهون. والكولسترول مادة حيوية ضرورية للجسم، لأنه يدخل في بناء تراكيب الدماغ وبقية أجزاء الجهاز العصبي، أي انه أساس في تطور نمو الدماغ وكفاءة عمله، ولأنه، كمادة خام، أساسي في صنع هرمونات مهمة في الجسم، كالهرمونات الجنسية، ولأنه، كمادة ذات ليونة شمعية، أساسي في لُحمة بناء جدران الخلايا الحية. والمصنع الرئيسي لإنتاج الكولسترول هو الكبد. ولذا فإن مصدر 80% من الكولسترول الموجود في دم أحدنا هو ما يُنتجه كبدنا.

بينما نسبة ما نتناوله من كولسترول الطعام، لا تتجاوز 20%. إلا أن جسم الطفل، ما دون عمر سنتين، لا يستطيع إنتاج الكولسترول، وعليه أن يتناوله مع وجباته الغذائية، لأن نمو الدماغ في تلك المرحلة يحتاج إلى كميات من الكولسترول. أما بعد عمر سنتين، فإن الكبد قادر، بشكل تدريجي، على إنتاج ما يحتاج الجسم إليه من كميات الكولسترول. ومصادر الكولسترول من الغذاء هي المنتجات الحيوانية، كاللحوم والأسماك والبيض ومشتقات الألبان. أما المنتجات النباتية بكافة أنواعها وكافة أشكالها، حتى الزيوت النباتية والمكسرات، لا تحتوي مطلقاً على أي كمية من الكولسترول. ودون التطرق إلى الأدوية أو الأعشاب والنباتات الطبية المُختلف فيها، فإنه يُمكن خفض نسبة الكولسترول في الدم بعدة طرق لها علاقة بالغذاء الذي نتناوله يومياً.

الطريق الأول، من خلال تقليل إنتاج الكبد له، وهو الأهم، وذلك عبر عدة آليات، منها تقليل تناول الدهون المشبعة وقطع تناول الدهون المتحولة، والإكثار من تناول الدهون غير المشبعة. والثاني تقليل امتصاص الأمعاء لما تم تناوله من كولسترول في الأطعمة المحتوية على كميات منه، أيضاً عبر عدة آليات منها تناول الألياف الذائبة وتناول مركبات ستانول. والثالث، تقليل تناول الأطعمة المحتوية على كميات من الكولسترول.

الخطوة الغذائية الأهم
ومن ناحية الكبد بشكل عام، ثمة عدة عوامل تزيد من إنتاجه للكولسترول بما يفوق حاجة الجسم. ومن أهمها عنصران، الأول هو الجينات الوراثية، والثاني هو كمية ما نتناوله من دهون سيئة، أي المشبعة والمتحولة. والدهون المشبعة، هي التي في الشحوم الحيوانية وزيت النخيل وجوز الهند. والدهون المتحولة، هي الموجودة بشكل رئيسي في الزيوت والشحوم الصناعية المهدرجة، أي غير الطبيعية. كما أن ثمة عوامل تُخفض من وتيرة إنتاج الكبد للكولسترول، أهمها تناول الدهون غير المشبعة، كالأحادية أو العديدة. ولو أردنا المقارنة فيما بين تناول كولسترول الطعام وبين تناول الدهون المشبعة والمتحولة الموجودة في الطعام، من أجل معرفة أيهما أشد إثارة للكبد في إنتاج المزيد من الكولسترول، نجد أن تأثير تناول الدهون المشبعة والمتحولة أكبر من تأثير تناول الكولسترول الغذائي.

ولذا، وبالرغم من أهمية تقليل تناول الكولسترول مع وجبات الطعام، وبالرغم من أهمية العمل على إعاقة امتصاص الأمعاء للكولسترول، إلا أن الأولوية في تشكيل مكونات الغذاء الصحي هي لتقليل تناول الدهون المشبعة والمتحولة، وليست الأولية فيه لخفض تناول الكولسترول وإهمال شأن نوعين الدهون السيئة تلك. ويشير الباحثون من «مايو كلينك» صراحة إلى أن الخطوة الأولى في الحمية الغذائية الصحية للقلب هي خفض تناول الدهون السيئة. وبدلاً منها إحلال تناول الدهون غير المشبعة، مثل التي توجد في الزيوت النباتية الطبيعية، كزيت الزيتون، والدهون التي في المكسرات، ودهون أوميغا ـ 3 كالتي في زيت السمك أو بذور الكتان وغيرها.

ومع هذا يُنبه الباحثون إلى حقيقة يجب أن لا تغيب عن الذهن، وهي أن تلك التغيرات الصحية والسليمة والضرورية في وجبات طعام أحدنا، ليس بالضرورة نتيجتها الوصول إلى خفض نسبة الكولسترول، كما يأمل الأطباء، لدى كل الناس. وربما يتطلب تحقيق هذا الخفض تناول أدوية معينة لبلوغ الغاية تلك. إلا أن هذا لا يعني البتة عدم الحاجة إلى اتباع نمط صحي في التغذية، بل يجب الاستمرار فيها كي لا يحصل مزيد من الارتفاع في نسبة الدهون، وكي لا نحتاج إلى تناول جرعات عالية من الدواء الخافض للكولسترول.

كما تتضمن النصيحة الطبية إعطاء فرصة ستة أسابيع لاتباع هذه الحمية الغذائية، قبل البدء بالعلاج الدوائي، ما لم تكن ثمة ضرورات طبية، تفرض البدء بالعلاج الدوائي فوراً، يُقدرها الطبيب المعالج على حسب المعطيات التي أمامه في المريض وحالته الصحية والأمراض المُصاحبة لديه.

* بذور الكتان والشوفان والبقول غنية بالألياف الذائبة

* تخفض امتصاص الأمعاء للكولسترول

* تعمل الألياف الذائبة على تقليل امتصاص الأمعاء للكولسترول. وآلية ذلك هي قدرة تلك النوعية من الألياف على الالتصاق بالكولسترول القادم مع الطعام. وقدرتها أيضاً على الالتصاق بأملاح المرارة، المحتوية هي نفسها على كولسترول في مكوناتها. وبالتالي يحصل أمران، الأول تقليل امتصاص الأمعاء لكولسترول الطعام، والثاني تقليل امتصاص الأمعاء الدقيقة لأملاح المرارة، ما يُسهم بالتالي في خفض نسبة الكولسترول في الدم. وهنا توضيح بسيط ومهم، ذلك أن من المعلوم إنتاج الكبد لسائل المرارة الأصفر، واحتواء هذا السائل على «أملاح مرارية» مهمتها تسهيل امتصاص الأمعاء للدهون وللكولسترول متى ما امتزج سائل المرارة مع الطعام في الأمعاء الدقيقة.

ووظيفة هذه الأملاح المرارية تسهيل امتصاص الدهون المشبعة والكولسترول. وهو ما تقوم به حينما تأتي مع عصارات المرارة إلى الأمعاء الدقيقة، ثم بعد تسهيلها توصيل الدهون والكولسترول إلى أبواب خلايا بطانة الأمعاء وامتصاصهما، تجري هذه الأملاح المرارية في داخل قناة الأمعاء الدقيقة، لتصل إلى الجزء الأخير منها، حيث تتم هناك فقط إعادة امتصاص الأملاح المرارية وتوصيلها إلى الكبد، الذي يُعيد إفرازها إلى عصارات المرارة. وهكذا دواليك تتكرر دورة هذه الأملاح المرارية.

ومن الذكاء الطبي استغلال هذه الدورة لأملاح المرارة في خفض نسبة كولسترول الدم. وهو ما يتم عبر طريقتين، الأولى دوائية، بتناول علاج يُدعى كولستايرامين، والثانية غذائية عبر تناول الألياف الذائبة العاملة على تحقيق ما تقدم ذكره.

والألياف عموماً، بنوعيها الذائبة وغير الذائبة، لا تُوجد إلا في المنتجات النباتية. والفارق بين ما هو ذائب وغير ذائب هو القدرة على الذوبان في الماء وتشكيل مزيج غرويّ. ولذا فإن نخالة القمح، ذات الطبيعة الأقرب لنشارة الخشب، هي غير ذائبة ولا تُفيد بشكل جيد في خفض الكولسترول. بينما الألياف الذائبة في البقول وحبوب الشوفان وبذور الكتان وغيرها فمفيدة لتلك الغاية.

وما دلت عليه نتائج الدراسات الطبية، كما تشير إصدارات البرنامج القومي الأميركي للتثقيف بالكولسترول، ورابطة القلب الأميركية، والباحثين من «مايو كلينك» و«كليفلاند كلينيك»، وغيرهم، أن تناول كميات من بذور الكتان أو حبوب الشوفان أو أصناف البقول عموماً، يُسهم في خفض نسبة كولسترول الدم. والنصيحة الطبية أن تحتوي وجبات غذائنا اليومية على حوالي 30 غراما من الألياف. وتحديداً فإن تناول 10 غرامات من الألياف الذائبة يومياً يُخفّض كولسترول الدم بنسبة 5%. ولتقريب الحساب، كما يُقال، يحتوي نصف كوب من العدس المطبوخ 8 غرامات من الألياف الذائبة، وكوب من الشوفان المطبوخ على 6 غرامات منها، وتفاحة واحدة على 4 غرامات منها أيضاً.

الكولسترول ومكمن ضعفه: «الجوز واللوز والزيتون تغلبني»
لو قال الكولسترول شعراً يفضح به نفسه ويكشف مكمن ضعفه، لنهج طريق المتنبي في قول الشعر! لكن ليس على سبيل التفاخر بمن يشهد له بالقوة، بل حسرة ممن يتسبب بضعف قوته وزوال تأثيره الضار. وبدلاً من ترديد قول المتنبي: «الخيل والليل والبيداء تعرفني»، لقال الكولسترول: «الجوز واللوز والزيتون تغلبني».

وهذا بالضبط ما تؤكده المصادر الطبية حين حديثها عن المنتجات الغذائية المفيدة في العمل على خفض نسبة كولسترول الدم، خاصة منها ما يحتوي في مكوناته على زيوت نباتية طازجة وغير معالجة صناعياً، كالمكسرات والزيتون وزيته وغيرها. وتذكر الجوز، أو ما يُسمى في بعض المناطق العربية «عين الجمل»، كأحد ما أثبتت الدراسات الطبية التي أشار إليها الباحثون من «مايو كلينك»، أن تناول كمية ثلث كوب منه، يومياً، يُخفّض من نسبة كولسترول الدم بمقدار 12%. وأن الكمية تلك تحمل في طياتها حوالي 240 سعرا حراريا (كالوري) من الطاقة. وما يُميز الجوز احتواؤه على كميات عالية من الزيوت النباتية عالية المحتوى من الدهون غير المشبعة العديدة. والمعلوم أن الدهون غير المشبعة تنقسم إلى نوعين رئيسيين، دهون عديدة غير مشبعة، كما في كثير من المكسرات وزيت السمسم ودوار الشمس والذرة. ودهون أحادية غير مشبعة، كما في زيت الزيتون.

ولذا من الحكمة إدخال المكسرات إلى غذائنا اليومي، كثمار جافة كاملة للتسلية، بدلاً من المقرمشات والمقليات، وللإضافة إلى السلطات وأطباق الأطعمة المطبوخة. أو كمعجون مسحوقها للشطائر (السندوتشات) بدلاً من الزبدة أو غيرها.

ونفس النظرية تنطبق على زيت السمك الغني بدهون أوميغا ـ 3. وكانت بدايات معرفتنا أن للغذاء دورا في خفض الكولسترول، وبالتالي في تقليل الإصابات بأمراض شرايين القلب، هو مما لاحظه الباحثون في قلة إصابات شعب الإسكيمو بتلك الأمراض مقارنة بغيرهم من سكان باقي مناطق الأرض. وكان أن وجد الباحثون أن الفارق ناشئ عن اختلاف نوعية غذائهم، وعلى وجه الخصوص احتواء وجباتهم الغذائية على كميات من زيت السمك. والنصيحة الطبية اليوم لعموم الناس، دون الحوامل والأطفال، تناول وجبتين من الأسماك أسبوعياً. وخاصة أنواع الأسماك الدهنية، مثل السلمون والتونا البيضاء والساردين والماكاريل وغيرها. لكن من المهم جداً التنبه إلى أن بلوغ فوائد الأسماك يكون بطهيها مشوية أو في الفرن دون إضافة أي سمن أو زبدة إليها. وأن الفائدة تتلاشى حال قلي السمك في الزيوت النباتية المُهدرجة غير الطبيعية.

والفكرة أن تناول الزيوت والدهون غير المشبعة، بالاضافة الى أنه يُقلل من تناولنا الدهون المشبعة، يعمل على تخفيف وتيرة إنتاج الكبد للكولسترول. بيد أن جدوى هذه الدهون غير المشبعة لا تقتصر على شأن خفض نسبة كولسترول الدم في جانب حماية الشرايين والقلب، بل تتعداها إلى خفض نسبة الدهون الثلاثية في الدم، وخفض ضغط الدم داخل الشرايين، وتخفيف نشاط وحدة عمليات الالتهابات، وتقليل شراهة الصفائح الدموية في الالتصاق على بعضها البعض، وتخمد نشاط اضطرابات إيقاع النبض من أنواعها الخطرة. وكلها جوانب تخدم صحة القلب وسلامة شرايينه.