جامعة أمريكية تصمم برامج لمساعدة المراهقين في التغلب على المشكلات النفسية

 تقوي القدرات الإدراكية وتدرب على تخطي المصاعب السلوكية
تقوي القدرات الإدراكية وتدرب على تخطي المصاعب السلوكية

لا تخلو فترة المراهقة من التوترات والمشكلات النفسية التي يمكن أن تصل إلى حد المرض النفسي، وتقريبا لا يوجد شخص لم يمر بالكثير من الأزمات في فترة المراهقة، ولكن بطبيعة الحال تختلف حدتها من شخص إلى آخر. 
 
ومن المعروف أن التغيرات الفسيولوجية والنفسية البالغة التي تحدث في فترة المراهقة، والتي ينتقل فيها الطفل من مرحلة الطفولة إلى بداية النضج تؤدي إلى أعراض نفسية متعددة مثل القلق والتوتر وصولا إلى الإحباط. 
 
وفي هذه الفترة الحرجة من العمر يكون المراهق في أشد الاحتياج إلى المساعدة، سواء من العائلة أو الأصدقاء أو المختصين في تقديم النصح والإرشاد في اجتياز تلك المرحلة بسلام والعبور منها إلى النضج.
 
برامج وقائية
بطبيعة الحال، هناك الكثير من الدراسات النفسية التي تهتم بمرحلة المراهقة بشكل خاص نظرا لأهميتها الشديدة في تكوين الشخصية، خاصة أن المراهق يكون في أضعف حالته النفسية. 
 
وأصدرت أحدث دراسة قام بها علماء من كلية الطب من جامعة ألبرتا University of Alberta Faculty of Medicine بالولايات المتحدة، ما يمكن اعتباره توصيات أو برنامجا للتعامل مع المراهقين لتجنيبهم المشكلات النفسية، ويطلق عليه برنامج التعاطف EMPATHY program، وهو يهدف إلى تقوية الصحة النفسية والقدرات الإدراكية للمراهقين في المدارس العامة. 
 
وقد بدأ العمل بهذا البرنامج الذي يساعد الشباب في التغلب على القلق والإحباط ومحاولات الانتحار منذ عامين تقريبا.
 
وفي شهر مايو (أيار) من العام الحالي نشرت دراسة حديثة في مجلة «بلوس وان» journal PLOS ONE تؤكد على فاعلية هذا البرنامج في الوقاية من الأمراض النفسية التي في الغالب تصيب المراهقين في تلك الفترة.
 
وكان العمل بالبرنامج قد بدأ في عام 2013 إثر الشكاوى المتزايدة من المسؤولين عن المدارس، وكذلك أولياء الأمور من زيادة معدلات محاولات الانتحار بين طلبة المدارس من المراهقين على اختلاف أصولهم العرقية وبيئاتهم الاجتماعية ومستويات فهم كل طالب على حدة، إذ كانت المفاجأة أن بعض الطلاب المتفوقين قد أقدموا على تجربة الانتحار مثل الطلبة المتعثرين دراسيا، وأيضا زيادة معدلات الأسباب المؤدية إلى الانتحار من الأمراض النفسية الأخرى ومنها القلق والاكتئاب. 
 
وقام الباحثون بعمل دراسة تم فيها مسح كل الطلبة في المقاطعة من عمر 11 وحتى عمر 18 عاما ما بين بداية المرحلة الإعدادية ونهاية بالمرحلة الثانوية.
 
مشكلات نفسية
وأظهرت الدراسة أن هناك نحو 3000 طالب يعانون من مشكلات نفسية وبعد الدراسة المسحية مباشرة تم التعامل بشكل سريع جدا مع عدد من المراهقين يفكرون بشكل جدي في محاولات الانتحار وتبلغ نسبتهم 4 في المائة. 
 
وعلى الفور تم التعامل مع هؤلاء وفي خلال ساعات قليلة تم إخبار أولياء الأمور كما تم إعطاؤهم برنامجا عبر شبكة الإنترنت لكي يعبروا عن أنفسهم ومشكلاتهم بحرية وبصدق.
 
وبعد مشاركتهم في البرنامج تم عمل تقييم آخر لهم وتم عرض هؤلاء الذين ما زالوا يعانون من مشكلات نفسية على أطباء متخصصين.
 
وأيضا بالنسبة للطلبة في نهاية المرحلة الابتدائية وبداية المرحلة الإعدادية (على أعتاب فترة المراهقة) تم دمجهم في برنامج آخر يسمى برنامج المرونة resiliency program، وهو ما يعني إعادة اتصالهم بمجتمعهم وعودة تفاعلهم مع أقرانهم وذويهم والتعامل مع المشكلات البسيطة اليومية بشكل لا يجعلها تمثل ضغوطا مستقبلية. 
 
وعلى سبيل المثال ففي حالة معاناة الطالب من إحساسه بالرفض من قبل أقرانه يتم تدريبه على محاولة خلق فرص تجمعه مع الآخرين ومحاولات لكسب ودهم وصداقتهم بدلا من تفاقم الإحساس بالرفض الذي يؤدي بالضرورة إلى العزلة والاكتئاب.
 
نجاح طبي
وبعد 12 أسبوعا من الالتزام ببرنامج العلاج النفسي (التعاطف) أظهرت النتائج انخفاضا ملحوظا في معدلات الأمراض النفسية، وعلى سبيل المثال انخفض عدد الطلاب الذين يفكرون في الانتحار من 125 إلى 30 طالبا فقط. 
 
ومن أصل 503 طلاب شاركوا في برنامج العلاج عبر الإنترنت كان معدل انخفاض الاكتئاب نحو 30 في المائة وانخفض معدل القلق بمقدار 12 في المائة وفي المجمل انخفض معدل الاكتئاب إلى 15 في المائة بالنسبة لجميع الطلاب المشاركين وانخفض معدل القلق بمقدار 11 في المائة.
 
وأوضح الباحثون أن الكثير من الطلاب الذين لم يتم تصنيفهم على أنهم يعانون من مشكلات نفسية كانت لديهم أيضا الرغبة في الإحساس بالتعضيد والتعاطف من الآخرين، وأن واجب الأسرة والمدرسة والزملاء أن يشعروا هؤلاء الذين في احتياج نفسي بأنهم يقدرون مشكلاتهم ويرغبون في التواصل معهم، وأن الجميع لديهم نماذج مختلفة من المعاناة، وأنهم ليسوا بمفردهم.
 
وأشار الباحثون إلى أن الطلاب الذين تم دمجهم في برنامج المرونة تمكنوا من التواصل مع الآخرين من أقرانهم، وأيضا تمكنوا من حل المشكلات اليومية المختلفة التي كانت تعترض تواصلهم مع الآخرين.
 
وأوضح الباحثون أن مثل هذا البرنامج يعتبر نموذجا يجب أن يحتذى به في العالم كله، حيث إنه أسهم بشكل كبير في خفض معدلات الأمراض النفسية للطلاب، وأيضا يعتبر بمثابة وقاية لهم من الإصابة بالأمراض النفسية لاحقا نتيجة لتراكم الضغوط عليهم. 
 
وعلى الرغم من النتائج الواعدة فإن الباحثين حذروا من أن فترة الدراسة العلمية لهم (سنتان) لا تعتبر فترة كافية للحكم على استمرارية نجاح البرنامج ويجب إجراء المزيد من الدراسات واستمرار الجهود في المدارس والنوادي وأماكن تجمعات المراهقين.