للأنوريكسيا أسباب أكثر تعقيدا من صور العارضات النحيفات

تقود مجلة «ماري كلير»، احدى أشهر المجلات النسائية في العالم، حملة لتغيير تشجيع الصورة النمطية التي تتصدر أغلفة المجلات النسائية، وهي عادة صورة العارضة او الممثلة النحيفة، التي وصفتها رئيسة تحرير المجلة، اليزابيث جونز، بأنها «كيس من العظام» والترويج بدلا منها صورة أخرى للمرأة العادية الصحية كنموذج للجمال.


وتأتي حملة «ماري كلير» بعد ان تكاثرت أصابع الاتهام المشيرة الى صورة العارضة أو الممثلة النحيفة كنموذج متكامل للجمال يدفع الفتيات، المراهقات منهن خاصة، الى اتباع حمية غذائية قاسية هي أقرب الى عملية التجويع في محاولة لاكتساب نحافة الصورة المثل مما تتسبب في هزالهن وحتى مرضهن.

وكان جزء من حملة «ماري كلير» أن أصدرت غلافين مختلفين في عدد يونيو  2007 يحمل الأول صورة عارضة نحيفة والثاني صورة عارضة طبيعية الجسم وطلبت من قرائها اختيار الغلاف الأفضل لهم، وجاءت النتيجة أن الغلاف الذي يحمل صورة العارضة النحيفة هو الذي بيع منه أكثر، وهو مما يشير الى ان صورة العارضة النحيفة ما تزال هي المرغوبة.

 للأجابة عن هذه الاسئلة، كان القاء مع ليلى حمداوي مسؤولة الأزياء في الشقيقة مجلة «سيدتي» الصادرة في لندن، ومع نادين الراسي عارضة الأزياء اللبنانية، وعلوية صبح رئيسة تحرير مجلة «سنوب» النسائية اللبنانية، ومايا عطروني اختصاصية الحمية والتغذية اللبنانية ايضا.

ومن القاهرة التقت مع منى سراج نائبة رئيس تحرير مجلة «كل الناس»، وعليا نصير مصممة الأزياء، والدكتورة وفاء برهان الطبيبة في العلاج الطبيعي.

تقول علوية صبح رئيسة تحرير مجلة «سنوب» النسائية الصادرة في لبنان: لم يرتبط يوماً نجاح غلاف مجلة نسائية بصورة لقدّ ميّاس. هناك عدة اعتبارات تساهم في صنع غلاف ناجح، اهمها موضوع الغلاف، سواء تصدرته عارضة ازياء او فنانة او شخصية عامة. ليس المهم فقط جمال الفتاة المصورة، انما طريقة التصوير واخراج الصورة. وفكرة القد المياس ليست الطاغية دائماً، لأنها تتعلق بالموضوع المطروح، فاذا كان الغلاف صيفياً يتناول صورة فتاة ترتدي «مايوه» فالجسم النحيل مهم، اما اذا كان الموضوع بشأن الماكياج، فجمال الوجه هو الذي سيبرز بغض النظر اذا كان الجسم نحيلاً جداً او تتخلله بعض العيوب».

وتضيف صبح: «لا اعتقد ان صورة عارضة ازياء على الغلاف ستزيد من نسبة مبيعات المجلة لأننا كمجلة نسائية نتناول كافة المواضيع ولسنا «كتالوج ازياء او صور». فموضوع الغلاف وصورته لا بد ان يرتبطا بحدث معين. واجمالاً، لا تتصدر العارضة غلاف مجلتنا بالمطلق الا اذا كانت مرتبطة بحدث معين. لا شك ان الغلاف واجهة المجلة، سواء في الصحافة النسائية او غيرها، وهذا امر متعارف عليه في العالم اجمع، لكن عناوين الغلاف تشد القارئ ايضاً وتجذبه اكثر من الصورة. لا شك ان هناك من يشتري المجلة ليتفرج على الصور، وهناك ايضاً من يشتريها ليقرأ ويطلع. ثم ان العلاقة بين الصورة والكلام هي علاقة وطيدة، لأن كلا منهما بحاجة للآخر.

وكما تلعب الصورة دوراً في نسبة البيع كذلك العنوان الجديد والمثير. والصحافة الجيدة هي التي تعتمد على المعلومة الصحافية الجيدة والدقيقة مع جمالية الاخراج. ونجاح المطبوعة لا يقاس بعدد صور الفتيات الجميلات فيها، لأن هذا العامل وحده لا يصنع مجلة ناجحة».

وتقول عارضة الأزياء اللبنانية نادين الراسي: «حبي لمهنتي يدفعني الى تخطي كافة المصاعب التي توجد في هذه المهنة. كل مهنة لها صعوباتها وتتطلب تضحيات خاصة، مع الاشارة الى ان بعض الفتيات يعتبرن الحصول على قدّ نحيف من المستحيلات، لذا يجدن ان مهنة عرض الأزياء صعبة للغاية وتتطلب الكثير من التضحيات. الا اني لا اعيش من دون طعام كما يتوهم البعض، فالسائد ان مرادف الفتاة النحيلة هو عدم الأكل، ففي الكثير من الأحيان تبادرني بعض الفتيات بالقول: «نادين.. اكيد انت لا تأكلين شيئاً». والواقع أني اتناول كافة المأكولات، لكن بانتظام واعتدال. واتناول ثلاث وجبات كاملة».

وتضيف الراسي: «لا اعتبر جسمي هو «رأسمالي»، لأن مهنتي لا تقتصر فقط على عرض الازياء فأنا ممثلة ايضاً، واظهر في الاعلانات، وفي التمثيل كما في الاعلانات يتحمل الجسم زيادة بعض الكيلوجرامات التي لا تتحملها منصة عرض الازياء. وخلال حملي لم اخف من فقدان مهنتي، اذ اعتليت المنصة بعد ثلاثة اشهر من الوضع. لا شك ان العارضة تحرم نفسها من بعض المأكولات لا سيما تلك المحتوية على نسبة عالية من السكريات، انما هناك من تخصص يوما للراحة في الاسبوع تتناول فيه ما تريد، وفي اليوم التالي تعود الى النظام الغذائي المدروس من جديد».

وتضيف عطروني: «من المستحيل التوصل الى جسم نحيل كجسم العارضات من دون الانتباه ومراعاة طريقة الأكل. وتضرّ العارضة بصحتها اذا كانت من النوع الذي يعاني من anorexianervosa اي التي تأكل ومن ثم تتقيأ».

وتوضح عطروني: «اما في ما يتعلق بالمراهقات، اللواتي ينشدن الحصول على اجساد كأجساد العارضات فعليهن ان يكثرن من تناول البروتين لأنه ضروري للنمو، اضافة الى الخضروات لانها مفيدة بشكل عام، كما يجب التقليل من السكاكر».

الأميركيون وراء نحافة العارضات تقول منى سراج نائبة رئيس تحرير مجلة «كل الناس» المصرية وصاحبة خبرة طويلة في مجال عروض الأزياء: «مهمة العارضة هي ابراز جمال التصميم، ولأن المهنة بدأت فرنسية فقد أخذت مقاييس المرأة الفرنسية الجميلة وهي غالباً ممتلئة قليلاً وليست طويلة القامة. وعندما سيطر الذوق الأميركي على ساحة عروض الأزياء بصفته صاحب رأس المال والمشتري الأول لمنتوج هذه الصناعة لم يعد يشترط جمال الوجه للعارضة بقدر ما اهتم بترويج فكرة الجسد النحيل خاصة في فترة الثمانينات.

ثم تطورت الفكرة وأصبحت العارضة تملك جسماً نحيلاً جداً وأصبح النموذج الأمثل للعارضة ناعومي كامبل السمراء وكلوديا شيفر الشقراء. وأصبح هذا الجمال «بيزنس» ضخماً تعيش عليه الكثير من شركات صناعة الموضة وأدوية التخسيس بالاضافة إلى عمليات التجميل، وعادة ما تضطر أي فتاة تدخل هذا العالم لإجراء أكثر من عملية تجميل».

وتضيف منى سراج: عروض الأزياء هي انعكاس لمقاييس الجمال المنتشرة في العصر، لكن بدأت الهيئات المناصرة لحقوق المرأة والمثقفون بشكل عام في السنوات الأخيرة في محاربة هذه الظاهرة، وتأثر المصممون بهذه الدعوة فظهرت في عروض الأزياء الأخيرة لـجون بول غوتيه عارضات غير محترفات وبمقاييس المرأة العادية. كما قدم «كنزو» في عرضه الأخير ـ قبل اعتزاله ـ عارضات ممتلئات الأجسام.

لكن تظل ـ كما تقول منى سراج ـ أكثر الأغلفة الصحافية مبيعاً هي التي تحمل صورة عارضة الأزياء الشابة الجميلة والأهم من ذلك النحيفة. وسيستمر الوضع على ما هو عليه حتى تتغير نظرة المجتمع للمرأة والجمال.

بيوت الأزياء تفضلها نحيفة وتقول مصممة الأزياء المصرية عليا نصير: «مهم أن تكون عارضة الأزياء نحيفة، بل شديدة النحافة، ولا يشترط الجمال فيها لكي تبرز تفاصيل الفستان الذي تعرضه، فالجمال قد يشد الانتباه فلا يلاحظ المشاهد تفاصيل الفستان التي يحرص المصمم على ابرازها. وكل مصمم له خياله ومقاييس يتصورها ويعمل من أجلها وهي غالباً مقاييس عالمية متفق عليها من الجميع. وأنا شخصياً أفضل العارضات النحيفات لأن تصميماتي لا تلائم المرأة الممتلئة».

شماعة قابلة للكسر تقول الدكتورة وفاء برهان الطبيبة في العلاج الطبيعي: «هؤلاء العارضات مخلوقات مبتكرات مصنوعات من قبل صناعة التجميل ووسائل الاعلام التي أقنعت الناس بهن لدرجة أنهن أصبحن مثالاً للجمال والرشاقة».

وتضيف برهان: عارضات الأزياء يدفعن ثمن النحافة. فهذا «الريجيم» القاسي الذي يسيطر على حياتهن ويجعلهن شاحبات يعانين من الهزال. كما يتعرضن إلى تشوهات في القوام من شدة النحافة فيبدون وكأنهن هياكل عظمية متحركة، كما تظهر بمرور الوقت آثار جانبية لهذه النحافة تؤدي إلى مضاعفات خطيرة منها الاصابة بالأنيميا وفي بعض الأحيان الوفاة. وهذا يبرر عمرهن القصير في مجال العمل حيث يضطررن للاعتزال مبكراً.

وتقول الدكتورة برهان: المقاييس والقيود المفروضة على عارضات الأزياء من قبل وكالات الأزياء هي قيود وشروط غير انسانية، والأهم من ذلك أن نموذج العارضة النحيفة أصبح مثالاً تقلده المراهقات، الأمر الذي يؤدي بهن في النهاية إلى الدخول في دوامة من عدم التركيز والهزال، وقد يصل بهن الأمر إلى قسم العناية المركزة في المستشفيات.

مع كل العناوين الصحافية التي توجه أصابع الإتهام الى صور العارضات النحيفات في المجلات كونها السبب في اصابة الفتيات بالأنوريكسيا (فقدان الرغبة المرضي في الأكل)، وان اختيار واحدة من هذه المجلات للقراءة تعرض حياتك للخطر، فان الحقيقة هي أن الإصابة بالأنوريكسيا امر معقد ومأساوي ولا يمكن ان يعزى هكذا ببساطة الى مجرد النظر في صور العارضات النحيفات.

وعلى نفس الشاكلة من السهل إلقاء اللوم في ظاهرة العنف المتفشي في المجتمعات على الأفلام السينمائية بدلا من البحث في اسباب اكثر تعقيدا من ذلك مثل التفكك الأسري والعزل الاجتماعي وغيرهما.

من السهل جدا إلقاء اللوم على العارضات النحيفات في موضوع فقدان الرغبة المرضي في الأكل (أنوريكسيا نيرفوزا).

 يمكن ان يكون وراء الإصابة بهذه الحالة المرضية ما هو له علاقة بالوضع العائلي او الضغوط الاجتماعية كما في فترة الامتحانات والتعرض للمضايقات او تغيير الوظيفة او الاعتداءات اللفظية او الجسدية او الطلاق في الأسرة، ومهما يكن السبب فان النساء اللواتي يعانين من الأنوريكسيا يفقدن احترامهن لذواتهن.

هل المجلات تسبب الأنوريكسيا؟
يمكن القول ان صورة عارضة نحيفة لن تساعد اولئك اللواتي يعانين من احاسيس سيئة تجاه انفسهن. لكن لا يحق لهن القاء اللوم على مثل هذه الصور في احاسيسهن بمشاعر سيئة تجاه ذواتهن.

ان معدل مقاس المرأة الشرق أوسطية هو 44، وهو مقاس بعيد جدا من مقاسات العارضات اللواتي يشبهن الحيات في شكل اردافهن وخصورهن، واللواتي تزين صورهن أغلفة معظم المجلات.

وكمحررة لشؤون الموضة أعتقد ان وضع صورة عارضة جسدها من مقاس 44 على اعلانات الموضة او مجلاتها لن يساعد دائما في بيع المطبوعة. لا أحد يحب الحقيقة. فالمجلات هي مواد ترفيهية نتناولها للهروب من الواقع، وبدءا من غلافها يحب مقتنوها ان يشاهدوا فيها صورا يتمنون لو كانوا على شاكلتها.

وعلى اي حال، اذا كانت المرأة لا تحب رؤية صور نساء نحيفات لا عيوب فيهن على أغلفة المجلات، اذن لماذا نستمر في شراء هذه المجلات؟