فبراير .. شهر صحة القلب !!

 فرص الإصابات بأمراض شرايين القلب يُمكن تقليلها ويُمكن الحد منها، باتباع خطوات وقائية واضحة المعالم لضبط التأثيرات السلبية لما يُسمى بـ «عوامل خطورة الإصابة» بأمراض شرايين القلب.
فرص الإصابات بأمراض شرايين القلب يُمكن تقليلها ويُمكن الحد منها، باتباع خطوات وقائية واضحة المعالم لضبط التأثيرات السلبية لما يُسمى بـ «عوامل خطورة الإصابة» بأمراض شرايين القلب.

لا تزال أمراض القلب السبب الرئيسي للوفيات في العالم، سواء الغربي منه أو الشرقي. ولا تزال تُمثل الإصابة بأحد أمراض القلب السبب الرئيسي للإعاقات، أيضاً على المستوى العالمي.


وفي الولايات المتحدة، تعتبر السلطات والهيئات الطبية هناك أنها تُقدم أفضل المستويات العالمية في الخدمات الصحية للمرضى، كذلك في جهود التثقيف والعناية الطبية الموجهة نحو الناس بما يفوق غيرها من الدول.

ومع هذا كله، فإن الأمر لا يزال يُراوح مكانه في محاولات زحزحة أمراض القلب عن كونها السبب الرئيسي للوفيات وللإعاقات.

وفي الحادي عشر من هذا الشهر، صرحت إدارة المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية، ضمن فعاليات اعتبار شهر فبراير (شباط)، شهر صحة القلب، بأن توقعات عام 2008 الصحية تشير إلى أن أكثر من 770 ألف أميركي سيُعانون من نوبة جديدة للجلطة القلبية، وبالإضافة إليهم سيُعاني حوالي 430 ألف أميركي، ممن أُصيبوا في السابق بجلطة قلبية، من تكرار عودة الإصابة بنوبة جديدة لها، لا بل وزادت في إحصاءاتها الواقعية، أن من المتوقع أن تحصل في كل 26 ثانية إصابة لأميركي بأحد مضاعفات أمراض شرايين القلب، مثل ألم الذبحة الصدرية أو الجلطة القلبية أو انتكاس حالات فشل القلب أو أنواع خطرة من اضطرابات إيقاع النبض. وعليه، فإن واحداً من الأميركيين سيموت في كل دقيقة جراء أحد تلك المُضاعفات.

الأرقام والكلام العلمي المُغلف لتلك الأرقام والصادر عن السلطات الصحية، لا يُبشر ولا يبعث على أي نوع من التفاؤل حيال مستوى صحة قلوب الناس في تلك الدولة الغنية والمتقدمة في خدماتها الطبية وأبحاثها العلمية. والحقيقة أبعد من هذا، إذ ان مجموع الوفيات من كافة أنواع أمراض السرطان والرئة والكبد والكلى والإيدز، لا تصل إلى حد منافسة أمراض القلب في التسبب بالوفيات.

عوامل خطورة
ولئن كانت معرفتنا كأطباء حول ما يُمكن للإنسان فعله لمنع الإصابة بأمراض مثل السرطان مثلاً، لا يزال يكتنفها بعض الغموض في جوانب منها، ما يحول دون يقين الكلام في ذلك المضمار من قبل العاملين في الوسط الطبي، ولئن كانت الأمراض السرطانية تظهر غالباً دونما سابق إنذار، وليس ثمة فحوص متفق عليها للكشف المبكر عن الكثير من أنواعها، فإن الحديث عن مُسببات الإصابات بأمراض القلب أو الحديث عن العلامات المنذرة لاحتمال وجودها أو الحديث عن نجاح وسائل الكشف المبكر في إظهار حقيقة وجودها، هو مختلف تماماً عما هو الحال مع الأمراض السرطانية.

بل والأهم من هذا كله، أن فرص الإصابات بأمراض شرايين القلب يُمكن تقليلها ويُمكن الحد منها، باتباع خطوات وقائية واضحة المعالم لضبط التأثيرات السلبية لما يُسمى بـ «عوامل خطورة الإصابة» بأمراض شرايين القلب.

ومن المعلوم أن وضع مُصطلح «عوامل خطورة الإصابة» بأمراض شرايين القلب، كان إحدى نتائج دراسة فرامنغهام لصحة القلب، التي سبق لملحق الصحة بـ «الشرق الأوسط» الحديث عنها، وبالتالي يُعتبر إحدى أهم الخطوات الطبية العملية في توضيح جوانب الوقاية من أمراض القلب، وحُسن اتقان معالجتها.

والعوامل تلك تشمل ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكوليسترول والدهون الثلاثية، والإصابة بمرض السكري أو اضطرابات نسبة سكر الدم، والسمنة، والتدخين، وقلة ممارسة الرياضة البدنية، وتكرار التعرض للتوتر النفسي وغيرها.

هذا بالإضافة إلى عوامل التقدم في العمر وكون الإنسان ذكراً، ووجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض الشرايين القلبية.

وثمة حالات مرضية أخرى، يرفع وجودها لدى الشخص، من احتمالات تدهور حالة أمراض الشرايين، وبالتالي تكرار عودة الإصابة بنوبة الجلطة القلبية. وهذا جانب تجدر ملاحظته والنظر إليه بعناية، لأن حصول نوبة الجلطة القلبية ليس هو «المرض»، إنما هو أحد «أعراض» وجود مرض في الشرايين القلبية.

وأمراض الشرايين القلبية، المتمثلة في حصول ترسبات غير طبيعية للكوليسترول داخل جدرانها، ومن ثم تسبب كتل الترسبات هذه في حصول تضيقات داخل مجرى أحد، أو بعض أو كل، الشرايين القلبية، سيُؤدي إلى درجات متنوعة من «إعاقة» مرور الدم من خلالها وعدم تأمين توفير ما يلزم من الأوكسجين والغذاء لعضلة القلب.

بين الذبحة والجلطة
ودرجة «إعاقة» مرور الدم قد تكون إما قليلة، فلا يلحظ المرء تأثيرها لا حال الراحة ولا حال بذل المجهود البدني. وقد تكون متوسطة، يلحظ المرء تأثيرها كألم في الصدر، أو «ذبحة صدرية»، حال بذله مجهوداً بدنياً يتطلب من الشرايين التاجية إمداد العضلة القلبية بكمية أكبر من الدم، من دون تسبب تلك الدرجة المتوسطة من إعاقة جريان الدم بأي مشاكل حال الراحة، وهو ما يُسمى حالة الذبحة الصدرية «المستقرة».

وقد تكون درجة «الإعاقة» والضيق في مجرى الشريان كبيرة وشديدة، لدرجة ظهور أعراض ألم الذبحة الصدرية عند أدنى مجهود بدني، لم يعهده المرء من نفسه في السابق، أو حتى حال الراحة، وهو ما يُسمى ألم الذبحة الصدرية «غير المستقرة».

وقد تحصل «إعاقة» جريان الدم بصفة كاملة، أي سد مجرى الشريان، بصفة مفاجئة، وهنا لا يعود الأمر مجرد «ذبحة صدرية»، بل نوبة «جلطة قلبية». ولا يتم بداهة أن يمر من خلال الشريان القلبي المسدود أي كمية من الدم لتغذية أحد أجزاء عضلة القلب.

وهنا يبدأ تتابع مراحل حصول التلف في عضلة القلب وحصول مضاعفات الجلطة القلبية. مثل ظهور أنواع شديدة الخطر من اضطرابات إيقاع نبض القلب أو ضعف عضلة القلب بما لا يُمكن القلب من خدمة الجسم، كمضخة للدم، كما يلزم، وحصول تهتكات في بنية حجرات القلب أو أنواع من الاختلال الوظيفي في صمامات القلب، وغير ذلك.

علامات وأعراض
وبالإضافة إلى إدراك المرء لـ «عوامل خطورة الإصابة» بأمراض شرايين القلب، ومدى وجود أي منها لديه، فإن معرفة علامات وأعراض الإصابة بنوبة جلطة القلب عامل محوري بحد ذاته في رفع احتمالات النجاة منها والحد من حصول أي مضاعفات لها.

والسبب بديهي، ذلك أن تنبه المرء إلى حصول إصابته بالجلطة القلبية سيدفعه حتماً إلى سرعة طلب المساعدة الطبية لعلاجها في بدايات مجريات أحداث النوبة تلك لديه.

 ومعلوم أن للجلطة القلبية تتابع في مراحل اكتمال صورتها، تختلف سرعة وتيرته. بمعنى أن بعضاً منها يحصل فجأة وبصفة كاملة وشديدة الوطأة على القلب والجسم معاً، لكن الغالبية تحصل بتدرج في شدة الألم أو ضيق الصدر، كعلامة منذرة.

ومتى ما تم قطع الطريق أو تخفيف التأثير، في بداياته، فإن المحصلة النهائية على سلامة بنية ووظيفة القلب ستكون، من دون أدنى شك في الغالب، أخف وألطف، لكن الإشكالية الأكبر هي أن بعض الناس قد لا يغلب على ظنهم أن الأمر بدايات جلطة قلبية، أو يعتقدون أنه ليس كذلك، وبالتالي ينتظرون ويهدرون وقتاً «ثميناً» قبل اللجوء إلى طبيب القلب وطلب المساعدة والعون الطبي.

وعليه، من الضروري لعموم الناس وفي أي عمر كانوا، لأنفسهم ولغيرهم، إدراك ما هي أعراض الجلطة القلبية حينما تُصيب إنساناً ما.

وهي ما تشمل أهم علامة منذرة، التي هي حصول الشعور بـ «عدم ارتياح» في الصدر. ويُصاحب هذا الشعور غير الطبيعي، غالبية نوبات الجلطة القلبية، في أواسط منطقة الصدر.

والأهم أنه يستمر أكثر من بضع دقائق متواصلة، أو يستمر بشكل متقطع، أي يأتي ويذهب في تلك المنطقة بنفس النوعية، وبشدة قد تتفاوت.

وقد يكون هذا الشعور بـ «عدم الراحة» في الصدر عبارة عن ألم، أو كشيء، خارجي أو داخلي، يضغط على الصدر، أو يعصر بالصدر، أو كشعور بامتلاء في الصدر يكتم عليه.

وهذا الشعور بـ «عدم الارتياح» قد يظهر على مناطق أخرى من أعلى الجسم. وتحديداً في ما بين سرّة البطن إلى النهاية العلوية للفكين، أي ما يشمل كلا من العضد الأيمن أو الأيسر، والظهر والعنق وأعلى البطن والفكين.

وهناك من لا يشعر إلا بضيق وقصر في مدى التنفس، مع أو من دون «عدم الارتياح» في الصدر، إضافة إلى ظهور عرق بارد لا علاقة له ببذل الجهد أو التعرض لحرارة في الطقس، وشعور بالغثيان والقيء، والإحساس بخفة في الرأس والدوار والدوخة، وربما السقوط جراء ذلك.

وما هو مهم حال حصول أي من هذه الأعراض، هو التصرف بشكل سريع لطلب المعونة الطبية وأخذ المشورة في دلالتها على وجود جلطة قلبية، أو عدم ذلك.

وإن كان لا يُوجد طبيب يُميز بين سبب له علاقة بالقلب لتلك الأعراض أو سبب غير قلبي، ما لم يُجري فحوصا تشمل تخطيط القلب وتحليل عينة من الدم لمعرفة نسبة أنزيمات القلب، فأنى لأي إنسان إهمال الأعراض تلك والاعتقاد بأنها ليس قلبية المصدر!.