العلاج بالتبريد .. هل يصبح ثورة في علاج أمراض كثيرة

ثبتت فاعلية العلاج بالتبريد وخافضات الحرارة فاعلية في علاج المشاكل التى يتعرض لها حديثو الولادة من نقص الأكسجين أثناء عملية التوليد
ثبتت فاعلية العلاج بالتبريد وخافضات الحرارة فاعلية في علاج المشاكل التى يتعرض لها حديثو الولادة من نقص الأكسجين أثناء عملية التوليد

أثبتت الدراسات الحديثة أن تعريض المرضى من ذوي حالات الحرارة المرتفعة لتيار بارد له فوائد صحية عديدة، صرحت بذلك أني كوربت.


 وأضافت أن للتبريد فوائد صحية أكثر بالنسبة إلى ممارسي الرياضة. ويصعب على الكثيرين تصديق أن في التعرض للبرد الشديد في صباح أحد أيام كانون الثاني/يناير القارس البرودة فوائد صحية.

فلم يعد الأمر يقتصر على تلك اللفافة الباردة (المجمدة) التي توضع على الرأس لتهدئة حرارة المريض، بل تجاوز ذلك بكثير إلى الحد الذي صرح عنه الأطباء، بأن هناك العديد من الفوائد التي من الممكن أن يجنيها المرضى الذين يعانون من ارتفاع في درجة الحرارة، وهي الفوائد التي من بين أهمها تجنب تلف خلايا المخ الذي ينتج عن الأزمات القلبية.  

كما ثبتت فاعلية العلاج بالتبريد وخافضات الحرارة فاعلية في علاج المشاكل التى يتعرض لها حديثو الولادة من نقص الأكسجين أثناء عملية التوليد، وذلك عند استخدام هذه الطرق العلاجية خلال الأيام الأولى الحرجة من حياة هؤلاء الرضع، علاوة على ذلك توصلت الأبحاث الطبية إلى أن تعريض ممارسي ألعاب القوى لدرجة حرارة تقل عن – 120 درجة سلزيوس يؤدي إلى تحسن أدائهم الرياضي بشكل ملحوظ، وهي الأبحاث التي استهدفت العديد من المشاركين في دورة الألعاب الاوليمبية 2008.

إذن كيف يتسنى ذلك؟ 
كيف يمكن الاستفادة من تيارات البرد الشديد؟ يمكن الإجابة عن هذا السؤال بأن العلماء قاموا باستغلال الآليات الباقية من الزمن القديم، والتي استخدمت في الحضارات القديمة التي عاشت في البيئات قارسة البرودة.

إن الجسم  البشري يتسم بحساسية مفرطة تجاه الحرارة، فإذا ما تعرض الجسم لانخفاض في درجة الحرارة، ولو لدرجة واحدة عن الـ (37) سلزيوس يلقى الإنسان حتفه على الفور.

كما أنه للتأكد من تمكن الإنسان من البقاء على قيد الحياة يقوم الجسم ببعض الإجراءات الوقائية التي تتمثل في أن يقوم الجسم بالإبقاء على جميع العمليات الحيوية الداخلية في وضع الاستعداد أو القيام بالحد الأدنى من الجد المطلوب للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يمكن كل واحدة من خلايا الجسم من العمل باستهلاك الحد الأدنى من الأكسجين.

إذا كان الوضع كذلك فكيف يمكن استخدام درجات الحرارة المنخفضة في التعامل مع الأزمات القلبية؟ والإجابة تتضح في أن تلف خلايا المخ أو السكتة الدماغية من الممكن أن تكون إحدى النتائج المتخلفة عن الأزمات القلبية بسبب ما يعانيه المخ من نقص الأكسجين الحاد، مما ينتج عنه موت تلك الخلايا وتلفها نهائيًا، وعند تلف مجموعات كبيرة من خلايا المخ ترسل الخلايا التالفة رسالة إلى باقي خلايا المخ تحمل أمرًا  بأن تدمر باقي الخلايا نفسها تلقائيًا وهو الأمر الذي لم يتوصل العلماء إلى السبب الكامن ورائه حتى الآن.

عمومًا، اكتشف الباحثون من خلال هذه الدراسة و الدراسات المماثلة أنه يمكن التحكم في هذا الأمر من خلال استخدام التبريد الشديد للمخ و تعريضه لتيارات شديدة من البرد التي تصل في بعض الأحيان إلى التجمد، مما يعمل على أن تلتزم تلك الخلايا بالبقاء في وضع الاستعداد وتتوقف عن العمل مما يؤدي إلى عدم قدرتها على إرسال الرسالة المشار إليها إلى باقي خلايا المخ، وهو الوضع الذي يحافظ على الإنسان على قيد الحياة.

جدير بالذكر أن الطرق العلاجية التي تعتمد على خفض الحرارة تم التوصل إليها لأول مرة في الخمسينات، عندما اكتشف الأطباء أن الأطفال الذين تعرضوا للسقوط في الفجوات الجليدية وتعرضت أجسامهم للمياه الموجودة تحت طبقات الجليد حتى قاربوا على الغرق، قد سجلوا معدل مرتفع للغاية في المثول إلى الشفاء، وقد كان من المفترض أن تتلف خلايا المخ لدى هؤلاء الأطفال عند الاقتراب من الغرق في المياه الجليدية بسبب نقص الأكسجين الممر إلى المخ، إلا أنه على العكس من ذلك وبفعل البرودة الشديدة للمياه التي أدت إلى إبطاء إيقاع العمليات الحيوية داخل الجسم، بدأت التفاعلات الكيميائية الحيوية الخاصة بالخلايا تسير على الوتيرة البطيئة نفسها، وهو ما نتج عنه استهلاك أقل للأكسجين ومرور مرحلة الخطر التي تعرضت خلالها هذه الخلايا بسلام.
      
من خلال العملية الموضحة أعلاه، اكتشف الأطباء إمكانية استخدام الأكسجين الإضافي مع الحالات التي تمر عليهم في الوقت الذي يحافظون فيه على بأجسامهم في درجة حرارة باردة، مما يعمل على توقف تلف خلايا المخ الذي كان من الممكن أن يحل بهم في درجة الحرارة العادية للجسم.   

استخدام العلاج بالتبريد في حالات الأزمات القلبية
يقول الأستاذ "بيتر فابر" أخصائي التخدير في مستشفى "أبردين رويال انفيرماري" و خبير العلاج بالتبريد، أن "حوالى الثلثين من الحالات التي تتعرض للأزمات القلبية تصاب بعد ذلك لتلف خلايا المخ"، كما أكد على أن الحاجة إلى التبريد السريع الفوري بعد الأزمة القلبية من أهم الإجراءات التي من الممكن القيام بها لتفادي الإصابة بتلف خلايا المخ، وكلما كان تعريض الحالة للتبريد المفاجئ، كلما قلّت نسبة الإصابة بتلف خلايا المخ.

يذكر أن العديد من المستشفيات قد بدأت في استخدام هذا الأسلوب العلاجي الجديد من خلال إعطاء المصاب بالأزمة القلبية جرعة تقدر بـ (3) ليترات/ ما يوازي ربع جالون من المحلول الملحي المثلج في الوريد مباشرةً، وتبريد الحالة من الخارج بوساطة أكياس الثلج، واستخدام أكياس قماشية معبأة بهواء شديد البرودة.

علاوة على ذلك، وظف الأطباء للغرض نفسه، الإبطاء من وتيرة العمليات الحيوية داخل الجسم،  بعض العقاقير التي تصيب العضلات بالارتخاء الشديد لوقف الرعشة القوية التي تصيب المريض أثناء الأزمة القلبية، جدير بالذكر أن ضمان نجاح العلاج بالتبريد يعتمد بصفة أساسية على التعامل بحذر وعناية شديدة مع عمليات التبريد التي يتعرض لها المريض، والمتابعة الدقيقة والمستمرة لهذه العمليات من جانب الأطباء، كما تم التأكيد أن عمليات التبريد التي يتعرض لها مريض الأزمة القلبية بشكلها الصحيح لا تتسبب في أي مشكلات صحية لانخفاض درجة الحرارة.
          
فضلاً عن ذلك هناك بعض التجارب التي في طريقها للظهور والتي ستثبت مدى فاعلية العلاج بالتبريد في حالات الإصابة التي يتعرض لها المخ مثل السكتات والأزمات الدماغية.  

علاج حديثي الولادة بالتبريد
يأتي الأطفال إلى هذا العالم من أرحام أمهاتهم، حيث كانوا يستمتعون بالدفئ والأمان، وغالبًا لا تترك هذه الخبرة ذكريات جيدة، بل تتسع للكثير من المتاعب التي يلاقيها الرضع أثناء الولادة، ومن بين أنماط تلك المتاعب ما يمكن أن يواجه الطفل أثناء الولادة من التعرض لنقص الأوكسجين بسبب بعض الأخطاء الطبية التي يقع فيها الطبيب مما يتخلف عنه بعض التعقيدات في حالة هؤلاء الأطفال وهي التي تشبه إلى حدٍ بعيد الإصابة بالأزمات القلبية لدى الكبار، وهو الأمر الذي يجعلهم عرضة للإصابة بالمشاكل العديدة التي من بين أهمها تلف خلايا المخ بهذا الصدد توصل الأطباء إلى أنه من الممكن علاج  الأطفال المصابين بهذه الحالة من خلال تعريضهم لعمليات تبريد مماثلة للمشار إليها أعلاه مما يقيهم من الإصابة بتلف خلايا المخ.

ففي عام 2005، اكتشف العلماء بجامعة "بريستول"  أن الأطفال الذين تعرضوا للتبريد الشديد بعد الولادة مباشرةً، إثر إصابة بنقص الأكسجين الواصل للمخ، كانوا أقل عرضة للإصابة بتلف خلايا المخ والشلل الدماغي من هؤلاء الذين تم علاجهم بالطرق التقليدية.

علاوة على ذلك، هناك تجربة جديدة في طريقها للظهور، والتي يجريها فريق من الباحثين على رأسهم"، د/ "ماريان ثورسين" التي بدأت بالفعل في إخضاع الأطفال حديثي الولادة للعلاج من خلال وضع قبعة تبريد على رؤوسهم سميت بـ "القبعة الباردة" و التي تمرر المياه من خلالها في دورة كاملة بغرض التبريد.

 و قد تم التوصل بدرجة حرارة جسم هؤلاء الأطفال من (37) درجة وهي درجة الحرارة الطبيعية إلى (33.5) درجة خلال (72)  ساعة وهي الفترة التي يبقى الطفل خلالها باردًا قبيل إجراء عملية تبريد أخرى.

ارتعد لتصل إلى الشكل الأمثل
علاوة على ما تقدم من تطبيقات العلاج بالتبريد، يبدأ المشاركون في بطولة الأولمبياد الدولي (بكين 2008) في التنافس ليس فيما بينهم فقط، و لكن مع الحرارة أيضًا. فقد ثبت أن التدريب أو خوض المباريات  في درجة حرارة مرتفعة يعرض عضلات لاعبي القوى للإصابة بالشد، مما دفع علماء من جامعتي "درتموند" و "مونستر" في ألمانيا إلى إجراء دراسات حول ذلك إمكانية توظيف الرعشة التي يتسبب فيها البرد الشديد فير علاج الشد العضلي.

وقد نجح هؤلاء العلماء في إقناع (50) من لاعبي ألعاب القوى بقضاء دقيقتين و نصف في غرفة تبريد والمداومة على ذلك لستة أشهر شريطة أن تكون درجة الحرارة داخل غرفة التبريد تلك (120) درجة تحت الصفر. وبعد انتهاء المدى الزمني للتجربة، ثبت تحقيق معدل جدير بالاعتبار في أداء اللاعبين الذين خضعوا للتجربة.

وعلى الرغم من أن العلماء لم يتوصلوا بعد لتفسير واضح لتحسن الأداء الذي حققه اللاعبون، صرح أحد العلماء، طبقًا لوجهة نظره، بأن التفاعلات الكيمائية الحيوية الداخلية قد أبطأت من الوتيرة التي تسير عليها في درجة الحرارة المنخفضة، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في استهلاك الخلايا للأكسجين، وهو بدوره ما أدى إلى أن تتحول العضلات على مستوى أعلى من الفاعلية في الأداء مع بذل مجهود أقل واستهلاك كميات بسيطة من الأكسجين، كما لوحظ أنه بعد توافر الأكسجين بالكميات العادية التي تستهلكها العضلات في درجة الحرارة العادية تتحول العضلات إلى الأفضل، وقدرية أكبر على التحمل والتمرين أو اللعب لفترة أطول.

وهناك أيضًا تلك النظرية التي تقول إن التبريد قبل البدء في اللعب يعمل على ارتفاع حرارة جسم اللاعب ببطء مما يعمل على إكسابه قدرة أكبر على التحمل.

وبهذا تكون النتيجة النهائية للتبريد أن يجد الجسم صعوبة أقل في بذل المجهود الشاق وويفقد كميات أقل من السوائل التي يصرفها من خلال العرق.

و تقول د/ "ساندرا ـ أوكيرتي"، التي تترأس فريق العمل المنفذ لهذه الدراسة، "أعتقد أن التبريد القبلي سوف سيتحول إلى أحد الأمور الضرورية للمشاركين في أوليمبيات 2008" إلا أنها تحذر هؤلاء الذين يستخدمون الثلج بشكل مباشر على موضع الإصابة من هذه الطريقة من الممكن أن تؤدي إلى الإصابة بالتمزق". 
  
استخدام التبريد في تليين المفاصل
كشفت التحارب التي يأجراها علماء "فينيش" عن أن درجات الحرارة المنخفضة من الممكن أن تؤدي إلى  تخفيف أعراض الروماتويد كآلام المفاصل، وذلك من خلال ما تحققه من تقليص يحجم الأورام المحيطة بها. 

علاج سرطان البروستاتا
أكد أحد الأبحاث الأسبانية أنه من الممكن علاج سرطان البروستاتا بالتبريد عن طريق وخز الورم ببعض الإبر الباردة.  

تجميد النمش
بدأت بالفعل التجارب الهادفة إلى الإقلال من النمش وإزالة الهالات و الأورام التي يتعرض لها الجلد من خلال التبريد، و يتم ذلك عن طريق تعريض أماكن الإصابة بالنمش، الهالات أو الأورام الجلدية إلى درجة حرارة منخفضة للغاية مما يعمل على تجمد الخلايا المكونة لها وتدميرها.