زوج بينظير بوتو "أبناء بينظيرعلموا بمقتلها من خلال شاشة التلفزيون"

كان يفضِّلُ دائما البقاءَ خلف الاضواء لسنوات، حتى قتلت زوجته بي نظير بوتو يوم 27 ديسمبر (كانون الاول) الماضي. وجمع آصف علي زرداري اولاده الثلاثة من دبي وسافر لدفن زوجته، في الوقت الذي كان فيه العالم بأجمعه يبكي اغتيال بي نظير.


 إلا ان الرجل الخجول ـ الذي كان مصدوما ـ تحمَّل المسؤولية التاريخية، واصدر بيانات ضرورية لأنصار حزبه ووسائل الاعلام العالمية. وفي البداية، على الرغم من ان الامر كان طبيعياً، لم يكن ينوي تحمل المسؤولية الا انه بعد الحديث مع الاصدقاء المقربين، تبين له انه الشخص الوحيد الذي سيضمن ان وصية زوجته وخططها بخصوص اولادها ستنفذ.

ولم ينم آصف جيداً منذ اغتيال زوجته. وقال انه يتحرك مثل آلة الكترونية تنفذ المطالب بطريقة صحيحة، فهو يلتقي بالناس ويملأ الفراغ، «ولكن لم يكن لدي الوقت للتفكير واستيعاب ما حدث. كم كانت خسارتي كبيرة».

التقيتُ آصف لأول مرة قبل سنوات. وكانت بي نظير تتسوق في نيويورك حيث رتبنا اللقاء كما هي العادة. إلا انها ارادت هذه المرة لقاء زوجها. والتقينا في عشاء طويل، لعب آصف دور المضيف فيه، وكانت بي نظير فخورة بسلوكاته البسيطة. وغادرت بي نظير في اليوم التالي، وتركتني وآصف واسرتينا والاصدقاء المقربين لمزيد من التعارف. وفي الواقع، اصبحنا ذات علاقة وثيقة.

واصبح زرداري من ابرز الشخصيات التي قد تحكم باكستان في مثل هذا الوقت الصعب من التاريخ. وهو رجل حاد الذكاء وعمليّ، يعتمد على استشارة اصدقائه قبل اتخاذ قراراته، وهو ليبرالي حقيقي في جميع الجوانب، بداية من تأييده لمعاملة افضل للمرأة الباكستانية، الى الايمان الحقيقي بالديمقراطية، وهو رجل متعلم وواثق من نفسه، لم يشعر بالتهديد من قوة زوجته التي كانت تعتمد عليه. ولكنه دفع ثمناً كبيراً لزواجه منها.

كان آصف يمزح دائما بخصوص ذلك. إلا اننا يجب ألا ننسى انه قضى 11 سنة في السجن، ولم يتخل عن قيمه. كونك «زوج فلانة» فذلك أمر في غاية الصعوبة من ناحية العلاقات العامة. ويوصف زرداري بأنه «السيد 10 في المائة» بسبب الادعاءات بحصوله على مثل هذه النسبة خلال وجود زوجته في السلطة، ولكن لا نعلم التفاصيل وراء ذلك. وفي ما يلي نص حديث خاص مع زرداري حول زوجته الراحلة ومستقبل بلاده السياسي بعد انتخاب نجله بيلاوال لقيادة «حزب الشعب الباكستاني»:

* كيف علمت بمقتل بي نظير بوتو؟ وكيف أبلغت انجالكما بهذا الخبر؟

ـ لم يكن عليَّ ان ابلغهم. انا كنت اتحدث في الهاتف، وهم كانوا يشاهدون التلفزيون. كانوا يشاهدون والدتهم وهي تلوح للحضور بيديها، ثم... شاهدوا ما حدث.

* انها تجربة قاسية للعلم بالخبر؟

ـ نعم. لم يكن لدي وقت حتى للتفكير في هذه اللحظات. منذ ذلك اليوم، ظللت انتقل من اجتماع إلى آخر، محاولا التعاملَ مع الأزمة، مع تلقي آلاف التعازي. لم يكن لديَّ وقت للجلوس وتأمل ما حدث.

* بيلاوال عمره 19 سنة الآن، لا بد انك تقف شوكة بين التزامه تجاه والدته والحزب، ورغبتك كأب في تركه يتمتع بشبابه؟

ـ بيلاوال عمره 19 عاما لكنه نشأ في أسرة سياسية. انه يدرك ان بي نظير تريده ان يصبح سياسياً ليواصل إرث الأسرة. ولكن من المؤكد انها لم تكن تدرك انه سيتولى هذه المسؤولية بهذه السرعة.

* لا نعرف الكثير عنه بخلاف انه يدرس في جامعة أوكسفورد.. ما هو مدى استعداده لهذه الالتزام الكبير خلال هذا الوقت المؤلم بالنسبة له؟

ـ سأحكي لك قصة مؤثرة حول ابني. يوم أصبت فيه بذبحة كان هو اليوم الذي من المفترض ان يجلس فيه لامتحاناته. شعر بقلق بالغ، لكنه ذهب لأداء امتحاناته وحصل على أعلى الدرجات.

* البيت الأبيض لم يتخذ إجراءات كافية لحماية بي نظير. إذا تم انتخابك، هل ستعمل مع الإدارة الاميركية الحالية؟

ـ الأمر ليس انتخابي شخصياً، وإنما يتعلق بالحزب. ثانيا، يجب ان نضع في الاعتبار ان اميركا قوة عظمى ومشاركة بكثافة في أفغانستان. لذا، من اجل الشعب الباكستاني يجب العمل مع القوة العظمى.

* إذا جرى انتخابك، فهل ستعمل ـ بعد مأساتك ـ مع الرئيس مشرّف؟

ـ قرار الحزب هو ان نعبر الجسرَ عندما نصل إليه.. عندما يتم انتخابنا، سننظر في هذا الأمر.

* اين تقف فيما يتعلق بالقضايا التالية: العراق ؟ 

ـ الوضع هناك صعب. على العالم كله ان يتحد ليحلَّ الازمة، وعلى العالم الاسلامي ان يفعل ذلك عاجلاً.

* النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي

ـ الحرب ليست حلاً، يجب ان يكون هناك حل عادل للطرفين من خلال المفاوضات وليس عبر القتال.

* الأزمة الاقتصادية العالمية

ـ يجب ان تكون الأزمة الاقتصادية العالمية أولوية وألا فسننتهي إلى ركود جسيم. الثراء يتحول بين الأيدي حالياً. الشرق اصبح أكثر بروزاً. لدى حزب الشعب الباكستاني خبرة في التعامل مع التحديات الاقتصادية. نعتزم أيضا الاستفادة من حسن نية الزعماء وأصحاب الأعمال من الدول الأخرى عقب اغتيال زوجتي.

* كيف التقيت بي نظير؟

ـ في الواقع نحن اقارب من بعيد. وقد دعينا الى حفل عشاء اقامته خالتها. ولكن شاهدتها قبل سنوات. كانت عيني عليها.

* هل كنت تعلم آنذاك ـ وانت لاعب بولو ـ ماذا يعني زواجك من سياسية؟

ـ أعرف ان اباها اغتيل. فهي ابنة شهيد. والأمر احتاج مني وقتاً كي استوعبه.

* هل كنت تتوقع ان تكون بي نظير مخلصة لك خلال 11 سنة في السجن؟

ـ بالطبع روحانا مرتبطتان حتى يفرق بيننا الموت.

* بعد 11 سنة في السجن، ما مدى صعوبة عودتك إلى الحياة العادية؟

ـ تطلب الأمر كثيرا من التكيف. ليس بالنسبة الى الزوجة فقط وانما الأطفال. كنت في مكان منعزل. ولم اكن معتادا على أن اكون مع الناس. ولكن الحب يتغلب.

* هل رأيت اطفالك في السجن؟

ـ لم أرهم خلال السنوات الأربع الأولى. وبعد ذلك مرة كل سنة.

* ما أول شيء فعلته بعد أن غادرت السجن عام 2004؟

ـ تحدثت الى زوجتي وأطفالي.

* لم يكونوا على علم بذلك؟

ـ لم نكن نعرف الوقت الدقيق. ثم سيطر الحشد على المكان الذي كنت فيه. واقتحمه آلاف من الناس.

* لا بد أن الوضع كان صعباً، ما الذي جعلك تستمر؟

ـ فكرة السعي: الكفاح من اجل الديمقراطية الذي بدأه والدها.

* ألم تكن لديك لحظة صعبة؟

ـ ولا واحدة. لكن المرء يعيش أبعد مما يتخيله، ويراه ممكناً.

* اذا ما تحدثنا عن «رجل قوي». كيف يمكنك أن تتكيف لكونك «الرجلَ الأول» أي زوج السيدة الاولى؟

ـ كنت «الرجل الأول» للمرة الأولى في بلد اسلامي بدون كتاب ازرق يحتوي على ما يجب ان افعله، وما الذي لا افعله. كنت عضوا في البرلمان ولذا كانت لديَّ مهماتي الخاصة. وكنت اركز على قضايا البيئة. ولم يكن الناس يفهمون ذلك حينها.

* هل لديك ذكريات عن حكايات مضحكة؟

ـ كنت في حفلات حيث كان الناس يخاطبونني: «السيد بوتو». فأجيب: كلا. انها هي السيدة بوتو. أنا آصف علي زرداري.

* انه لمِنْ بابِ التحدي ان يكون المرء زوجاً لـ«امرأة قوية». فماذا يتطلب الأمر؟

ـ الثقة. والايمان بالقضية. إنها خريجة هارفارد. أنا متعلم ايضاً. أستطيع معالجة الوضع. أنا الذي اخترت ذلك.

* اذن فالمسألة ليست في حدود الثقة فحسب. أعرف أن بعض الجنرالات جاءوا اليك عندما انتخبت في المرة الأولى واقترحوا عليك تولي المنصب. ألم يُغْرِكَ ذلك؟

ـ تصورت ان الفكرة نكتة. اجبت «حتى اذا وافقت، وقالت هي نعم، فنكون قد نسينا الطرف الثالث المعني». فنظر الجنرالات بحيرة، قبل ان اقول لهم: «ماذا بشأن الناس الذين صوتوا لها؟»، وكانوا يسألونني «هل تصغِي اليك؟» فأجيب «لماذا يتعين عليها أن تصغي اليَّ؟ فقدت والدها وشقيقيها من أجل القضية».

* مَنْ كان يتولى المسؤولية اليومية؟

ـ في ما يتعلق بالأطفال، اذا كانت زوجتي مستعدة للاهتمام بالواجب، فهل سأهتم بذلك؟ كنت أترك لها ذلك.

* هل تحب العيش في نيويورك بينما تسعى الى المعالجة الطبية؟

ـ نيويورك مكان ساحر. ولأنني جئت من مكان منعزل وسجن منعزل، فان الأشياء الصغيرة في مانهاتن تمنحني المتعة.

* عندما أجريت مقابلة مع الجنرال مشرف كان ذلك بعد أن وصف امرأة باكستانية اغتصبت على يد عصابة. فقال عن مختاران ماي إنها ساعية الى الشهرة. ما رأيك في ذلك؟

ـ لقد اثار ذلك غضبي. انه تصريح يظهر عقليته. امرأة اغتصبت على يد عصابة وهو يشير الى انها تسعى الى الشهرة؟ لا يتعين ان يكون حيث هو.

* قرأت بعض قصاصات الصحف عنك، تصفك بـ«الشخص السيئ»؟

ـ أعتقد أنه من السهل جدا التهجم على شخص في مجتمعنا.

* من المحتمل أن يكون أطفالك قد قرأوا (السيئ) الذي نشر عنك في الصحافة. كيف فسرت الأمر لهم؟

ـ بالطبع، انهم يدركون كل شيء. جاءوا وسألونني: «هل سيوجهون اليك تهمة باغتيال جون كيندي أيضا؟».

* إذا شعرت بأن التقارير الصحافية السيئة عنك قد تقلل من فرص ابنك في الفوز بالانتخابات المقبلة، ماذا ستفعل؟

ـ سأبعد نفسي عن الحياة السياسية والحياة العامة اذا شعرت بأنني خطر على الحزب بدلاً من السند له. في الواقع، بدأنا هكذا عام 1988. لم أكن اعمل في السياسة. كنت أعيش في كراتشي وكانت هي تعيش في إسلام آباد. عندما فشلوا في طرح الثقة ضدنا ـ اتيت. هاجموا ـ فهاجمتهم. ظل الأمر هكذا منذ ذلك الوقت. كلما فشلت الديمقراطية أرسلوني إلى السجن.

* لديك كلبان في البيت. عندما أجريت مقابلة مع مشرّف وزوجته كانا «يتعاركان» حول كلابهما الثلاثة. هو كان يريد الاحتفاظ بالكلاب في البيت. هي لم تكن تريد ذلك.

ـ الكلاب أفضل رفيق.. إنها لا تطعن من الخلف.