الأثار الجانبية للأدوية.. أكبر أسباب زيارة المسنين لأقسام الإسعاف

حذر الخبراء في المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) من تلك التحديات الطبية التي يمثلها تناول كبار السن للأدوية.


وقالوا في الرابع من ديسمبر الحالي إن الآثار الجانبية لثلاثة فقط من الأدوية، الشائعة الاستخدام من قبل كبار السن، هي السبب في ثلث الحالات الطارئة التي قد تعصف بحياتهم وتستدعي حضورهم إلى أقسام الإسعاف بالمستشفيات على وجه السرعة.

 وذلك لتلقي المعالجات الطبية ذات العناية الفائقة للتغلب على التفاعلات العكسية التي تنتج عن تناول الأدوية.

وفي دراستهم المنشورة في عدد الرابع من ديسمبر 2007 لمجلة مدونات الطب الباطني الصادرة عن الرابطة الأميركية للطب الباطني، أضاف الباحثون القول بأنهم درسوا فترة ما بين 2004 و 2005 ، ولاحظوا أن دواعي حوالي 60 ألف زيارة لأقسام الإسعاف للمرضى الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة وما فوق، كانت بسبب التفاعلات العكسية لثلاثة أدوية فقط.

وهي دواء وارفرين Warfarin ، لتخفيف قوة تخثر الدم، ودواء هورمون الأنسولين Insulin ، لخفض ارتفاع سكر الدم، ودواء ديجوكسين Digoxin، لتنشيط القلب وتخفيف اضطرابات نبضاته.

وقال الدكتور دانيال بيدنيتز، الباحث الرئيس في الدراسة والمراقب الطبي في المراكز الأميركية المذكورة آنفاً، إن المشكلة الرئيسية في كل واحد من هذه الأدوية هي أنه من الصعب على الطبيب تحديد المقدار الصحيح واللازم من أي دواء منها لمعالجة المريض المضطر لاستخدامها.

وهو ما يُمثل تحديا، على حد قول الدكتور بيدنيتز، ويتطلب تعاوناً في ما بين المريض والطبيب للوصول إلى تحديد مقدار الجرعة السليمة.

الأدوية وحالات الإسعاف
وتتسبب التفاعلات العكسية للأدوية بنسبة هامة من حالات الوفاة وحالات التغلغل المرضي السيئ، ما ينشأ عنه ارتفاع في التكاليف المادية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية لمعالجة المرضى.

 والأمر هنا أشد في حال فئات الناس من كبار السن، أي من تجاوزوا عمر 65 سنة، وذلك لأمرين، الأول شدة انتشار حصول التفاعلات العكسية لتلك الأدوية بينهم. والثاني سهولة تأثر سلامة حياتهم أو حالتهم الصحية لأي نوع من تلك التفاعلات العكسية.

والسبب الرئيسي لهذين الأمرين، أن صحة كبار السن لا تحتمل الانتكاسات الصحية، وعمل أجهزة الجسم المعنية بالتفاعل مع مواد الأدوية لتخليص أجسامهم منها ولمنع تراكمها، تُصبح ضعيفة مع التقدم في العمر ومع الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة.

ويلحظ معظم الأطباء أن أموراً مثل وصف الأدوية لكبار السن عموماً، وتحديد مقدار جرعاتها، وطول مدة تناولها، كلها تتطلب مراعاة اعتبارات مختلفة.

ولذا قال الباحثون في مقدمة دراستهم، ان من غير المألوف للأطباء غير المتخصصين في طب الشيخوخة Nongeriatricians، وجود مقاييس، واسعة الاستخدام حال وصف الأدوية لكبار السن، ألا وهي مقاييس بييرز Beers Criteria ، الخاصة بقائمة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار».

وكان الباعث على إجراء الدراسة هو النظر في أنواع الأدوية التي يتسبب تناولها حصول تفاعلات عكسية تُوجب على المريض الحضور إلى قسم الإسعاف لتلقي المعالجة على وجه السرعة.

وعلى وجه الخصوص ركز الباحثون في دراستهم على مجموعتين من الأدوية. وكانت الأولى مجموعة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار» وفق مقايسس بييرز.

والثانية مكونة من مجموعات أخرى من الأدوية غير المشمولة في تلك القائمة لكنها شائعة الاستخدام بين كبار السن.

وأهمية الدراسة للباحثين وللأطباء الممارسين وللمرضى، هي من جهتين، الأولى للتنبه إلى أنواع الأدوية التي تحتاج من الأطباء ومن المرضى بذل مزيد من الاهتمام الصحي حال تناولها.

والثانية تقييم مدى تسبب أدوية مجموعة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار» في التفاعلات العكسية المُوجبة الذهاب على وجه السرعة للمعالجة في المستشفى.

رصد التفاعلات العكسية
وتوجه الباحثون إلى أقسام الإسعاف بالمستشفيات الأميركية، لمعرفة عدد وأسباب زيارات منْ تجاوزوا سن 65 سنة للمعالجة فيها.

ولذا قاموا بمراجعة العديد من تلك السجلات الإحصائية لمراجعات المرضى أقسام الإسعاف في عام 2004 و 2005، والتي يتم رصد الحالات فيها ضمن نظام دقيق للاحصاء القومي حول الجوانب الصحية في الولايات المتحدة.

وتم رصد أكثر من 177 ألف زيارة لهؤلاء الكبار في السن لأقسام الإسعاف في تلك الفترة بسبب التفاعلات العكسية للأدوية فقط. وتبين أن أنواع الأدوية المشمولة في قائمة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار» تسببت فقط في 3.6% من تلك الزيارات الطارئة.

في حين تسببت ثلاثة أدوية بما يربو على 33% من حالات ذهاب كبار السن إلى أقسام الإسعاف. وهذه الأدوية هي الورافرين (17%)، والأنسولين (13%)، والديجوكسين (3%).

وحينما حسب الباحثون مدى وصف الأطباء لمرضاهم الكبار في السن لأي دواء من مجموعة الأدوية الثلاثة هذه، ومدى وصفهم لأي دواء من مجموعة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار»، وقارنوا محصلة النسبة بينهما بنسبة تسبب أدوية كلتا المجموعتين لتفاعلات عكسية تتطلب زيارة كبار السن لقسم الإسعاف، وجدوا أن على الطبيب أن يضع في اعتباره أن احتمال معاناة المريض الكبير في السن من أي تفاعلات عكسية خطرة يفوق عند وصفه لأي من هذه الأدوية الثلاثة بمقدار 35 ضعفاً لتلك الاحتمالات لحصول نفس الشيء حال وصفه لأي دواء في مجموعة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار»!

وقال الباحثون تحت عنوان «مناقشة» الدراسة ونتائجها، نتائجنا يجب أن تترجم وفق عدة اعتبارات، أهمها اثنان.

 الأول: أن الدارسين بحثوا في التفاعلات العكسية للأدوية التي يستخدمها كبار السن حينما تتسبب بزيارتهم لأقسام الإسعاف، أي أنهم لم يتعرضوا في البحث للأدوية التي تتسبب بتفاعلات عكسية يُمكن التعامل معها من قبل الأطباء في العيادات الخارجية أو التي ظهرت على المرضى أثناء بقائهم للمعالجة في المستشفيات وغيرها.

والثاني: أنهم بحثوا في فترة عام 2004 و 2005، ومعلوم أن قائمة الأدوية تلك صدرت منذ أكثر من 16 عاماً، وبالتالي قد يكون السبب وراء تدني تسببها بتفاعلات عكسية هو تنبه الأطباء لها وإحجامهم عن وصفها لمرضاهم الكبار في السن إلا في حالات الضرورة.

قائمة من الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار»
ثمة ما يُعرف لدى الأطباء بقائمة الأدوية «المحتمل عدم ملاءمتها لاستخدام الكبار» Potentially Inappropriate For Use In Older Adults.

 وهي ما تم التعرف عليها، وأُتفق على وضعها ضمن قائمة وفق ما يُعرف بمعايير «بييرز» Beers Criteria، وذلك لمساعدة الباحثين على تقييم نوعية الوصفات الطبية في دور الرعاية الصحية للمسنين، ولمن تجاوزوا سن 65 سنة من العمر عموماً.

وظهرت القائمة ومعاييرها في عام 1991 لأسباب أكاديمية نظرية بحثية بحتة. لكن كعادة الطب الأساسية في بناء كل تطوراته العملية والتطبيقية الإكلينيكية على الأسس الأكاديمية النظرية الثابتة الفائدة، تم في عام 1999 اعتبارها رسمياً، من قبل السلطات المعنية بالصحة في الولايات المتحدة، ضمن قوانين السلامة الفيدرالية في مرافق العناية الطويلة الأجل.

لذا عادة ما تعتمد تقارير «معايير الرعاية الصحية القومية» National Healthcare Quality Report في تقييماتها مدى اتباع مقاييس السلامة في المنشآت الصحية لرعاية كبار السن، على مدى وصف الأطباء لأي واحد من الأدوية المشمولة في القائمة تلك.

وتم في عام 1997 وعام 2003 إعادة تحديث لما تحتويه قائمة الأدوية تلك، وفق ما دخل إلى الخدمة الطبية من أدوية جديدة ووفق المراجعات العلمية للأدوية المشمولة، وغير المشمولة، في القائمة.

والإصدار الأحدث للقائمة يتضمن 41 دواءً أو فئة من الأدوية بأنها من المحتمل أن لا يكون تناولها ملائماً لكبار السن.

 وهناك نوعان من «عدم الملاءمة». النوع الأول هو الأدوية التي «دوما» من المحتمل أنها غير ملائمة. أما النوع الثاني فيشمل 7 من الأدوية، أو من فئات الأدوية، التي من المحتمل أن لا تكون ملائمة في «ظروف معينة»، أي بحسب مقدار الجرعة منها أو مدة الاستخدام أو الحالة الصحية للمريض.

وعلى سبيل المثال، كما ذكر الباحثون في دراستهم، فان تناول دواء الحديد من «كبريت الحديد» بكمية أعلى من 325 ملغم يومياً هو «محتمل عدم ملاءمته لكبار السن»، لكن لو كانت الجرعة أقل من ذلك يومياً، فلا يُعتبر الأمر كذلك.