ساعة فيراري ـ بانيراي .. أسلوب حياة مختلف

هناك قاسم مشترك قوي بين الساعة والسيارة في عيون الرجل، إذ ليس هناك ما يجذبه، بل ويضعفه ضعف المرأة أمام حذاء أو حقيبة يد أو خاتم من ألماس فاخر.. غيرهما.


ربما يكون هذا القاسم المشترك التقنيات المستخدمة في كلتيهما، لا سيما تلك التي تعبر في كثير من الأحيان عن صفات معنوية كالتوثب والقوة والرجولة، أو قد تكون مادية بحتة كالخامة الفولاذية الصلبة أو الجلود الناعمة، ولعلها.. كل هذه العناصر مجتمعة. فعالم سباقات السيارات كما نعرف، ظل حتى الآن عالماً ذكورياً، كما أن للرجال الريادة في الإقبال المحموم على شراء السيارات ذات السرعة الفائقة.

صحيح ان المرأة بالنسبة للسيارات الرياضية دخلت على استحياء حلبات السرعة خلال العقود القليلة الماضية، كما أنها في عالم الساعات أقلمت بعض مزايا التصاميم الرجالية ـ وبالذات الحجم الكبير ـ مع المتطلبات الأنثوية للساعة، إلا أن ما لا يختلف عليه اثنان أن هذين الإكسسوارين، إن صحت التسمية، ما زالا حلماً ذكورياً.. يسخي عليهما الرجل المقتدر مادياً بالغالي والرخيص، ولا يشعر بأدنى تردد عندما يصرف أثماناً باهظة للحصول على الساعة أو السيارة التي طالما حلم باقتنائها.

للتأكد من هذا الأمر ما علينا إلا النظر إلى وجهه وردة فعله عند حصوله عليهما، إنه يكاد يتحول إلى طفل حصل للتو على كيس مليء بالشوكولاته دفعة واحدة، أو كأن العيد حلّ قبل الميعاد. وهذا ما يبدو واضحا لأي رجل أسعفه الحظ بزيارة مضمار موجيللو للسيارات، قرب مدينة فلورنسا بشمال غربي إيطاليا. هنا تتأكد هذه الحقيقة بصورة لا تقبل اللبس..

فنسبة الحضور من المتفرجين والمتسابقين من الرجال تفوق نسبة النساء بكثير. ليس هذا فحسب، بل إن المفاجأة في هذه الحلبة العالمية أنها ليست مجرد مضمار سباقات وتجارب رفيع المستوى دأبت شركة فيراري الإيطالية الشهيرة على استخدامه، بل تتوفر على مرآب ضخم بمثابة مستودع يحتضن مجموعة من السيارات الكلاسيكية والقديمة الفخمة التي يعود بعضها إلى عام 1932. وهذه سيارات سبق لها أن تألقت في مضمار السباق، لكنها بلغت الآن سن التقاعد وما عادت تعد تجاري سرعة العصر أو تقنياته المتقدمة.

لكن.. مهلاً، هذا لا يعني أن هذه السيارات مركونة هنا للفرجة. فالمرآب ليس متحفاً للسيارات «المتقاعدة»، بل هو لصيانة ملكية شريحة من المحظوظين الذين أسعفهم الحظ واقتنوها بعد انتهاء صلاحيتها في مضامير السرعة العالمية. ومع أن شركة فيراري تدخل سباقات خاصة بعدد من هذه السيارات «الفينتاج» كل عام، لكن هناك عددا كبيرا منها يمتلكه هواة أثرياء يقبلون على شراء إنتاجها من السيارات الكلاسيكية التي آن لها أن ترتاح من حمى المنافسات الجدية. وهي بالنسبة لهؤلاء المقتنين الأثرياء، السعداء الطالع، استثمار بعيد المدى وسيارات سباق تشبع نهمهم للقيادة الرياضية السريعة في بيئة مثالية في آن معاً.

هؤلاء يحضرون إلى موجيللو مرة أو مرتين في السنة، حسب ما يسمح لهم به وقتهم، ليتمتعوا بقيادة سياراتهم بسرعة فائقة متعذرة عليهم اليوم فوق الطرقات العادية. وهم يمكثون على الحلبة للفترة التي يرغبون، فيشعرون بروح المغامرة والمجازفة، ويحصلون أيضاً على متعتي امتلاك تحفة قيمة والفوز على مالك سيارة «فينتاج» منافس. ولأنه غير مسموح لهم بسوق هذه السيارات في الشوارع أو الطرقات، تتولى فيراري حفظ هذه السيارات وصيانتها والاعتناء بها طوال السنة، لقاء مبالغ، لا بد أنها طائلة، تتناسب مع هذه الهواية الثمينة.

وهنا، وبمناسبة الكلام عن الهوايات الثمينة، لا شك أن مقتني سيارات فيراري الكلاسيكية، قادر مادياً أيضاً على شراء ساعة رياضية الشخصية، إيطالية الهوية، "فيرارية" الهوى.

ولدى التفكير بهذا المقتني تضافرت جهود هذين الاسمين الإيطاليين العريقين لإنتاج جيل من الساعات حرصت كل من فيراري ودار بانيراي، الشركة الإيطالية الشهيرة التي أضحت اليوم جزءاً من مجموعة ريشمون فينانسيير السويسرية الرائدة في عالم الساعات الفاخرة، على تقاسم حمل الاسمين معاً.

أكثر من هذا، حرصت فيراري وبانيراي على أن تتميز ساعات هذا الجيل بفلسفة خاصة تعبّر عن الانطلاق والأداء الرياضي، بجانب التفرد والحصرية. وكانت النتيجة ثلاثة طرازات بعدد من النسخ المتفاوتة وظيفياً وتجهيزياً من الساعات التي تحمل اسم «فيراري ـ بانيراي» تعتمد على المكونات التقنية من إنتاج بانيراي، واللمسات التصميمية والزخرفية واللونية من فيراري. هذه الساعات ليست مجرد إكسسوارات لتبيان الوقت، كما لم تكن سيارات فيراري في تاريخها مجرد مركبة تنقل راكبها من مكان إلى آخر.

إنها تعبير عن مكانة وأسلوب حياة ونظرة إلى أولويات امتلاك لا تدخل الأثمان بالضرورة في حساباتها الدقيقة.

بكلام آخر هنا متعة اقتناء هذه الساعات توازي، بل تكمل، متعة امتلاك سيارة فيراري كلاسيكية وقيادتها بالسرعة المتوخاة فوق حلبة سريعة بلا منغص أو شرطي مرور يتربص بك عند ناصية الطريق. الحقيقة، تأتي هذه العلاقة المتميزة خطوة متقدمة في مسار تعاون وثيق بدأ منذ بعض الوقت بين صانعي السيارات وصانعي الساعات، والمعروف أن استراتيجيات التسويق تركز أكثر فأكثر هذه الأيام على علاقات الساعات الفاخرة بالسيارات الفخمة العالية الأداء وباتت مألوفة في الشريحة الأعلى من السوق خلال السنوات القليلة الفائتة.

غير أن علاقة بانيراي ـ أو بالأحرى «أوفيتشيني بانيراي» كما هو الاسم الكامل ـ بفيراري، استثنائية حقاً. ومع أن الفترة الزمنية للعلاقة ليست طويلة جداً، إذ كانت بانيراي قد صنعت أمجادها أساساً في عالم البحار والأعماق لا مضامير السرعة البرية، حيث مجال فيراري العظيم، إلا انه «زواج» ناجح بكل المقاييس. فما أن يذكر الاسم الأول حتى يتبادر إلى الذهن الاسم الثاني. بعبارة أخرى أصبحا وجهين لعملة واحدة، رغم ان كل واحدة من الشركتين ظلت مخلصة لجذورها وما تتقنه اكثر.

فمن جهة، رغم نقل بانيراي، بعد انضوائها تحت مظلة ريشمون، مشغلها ومركز أبحاثها إلى سويسرا، ما زالت تحرص على البقاء وفية لثقافتها الفلورنسية العريقة في صناعة الساعات بدءاً من التصميم إلى الاختبارات التقنية الجدية، مروراً بالخبرة العريضة مع البحرية والبحار.

فساعات بانيراي كانت الساعات الرسمية المعتمدة للبحرية الإيطالية في بداية القرن الماضي، وكما سبقت الإشارة، بنت سمعتها اساساً من هذه العلاقة مع الأعماق والمياه.

ومن جهة ثانية، عن مشروع فيراري ـ بانيراي، يقول أنجيلو بوناتي، الرئيس التنفيذي للدار إنه عندما صمّمت بانيراي تشكيلة فيراري للساعات استلهمت الكثير من الافكار من سيارات فيراري. وبما أن مفهوم «صنع في إيطاليا» مهم بالنسبة لمسؤولي الجانبين، كان لا بد ان تكون التصميمات الخاصة بفيراري متشبعة بثقافتها في مجال السيارات السريعة، وبالتالي تخاطب الرجل الذي يقود سيارة فخمة وعالية الأداء، ومختلفة عن تصميمات ساعات «بانيراي» الكلاسيكية أو البحرية حتى تبقى لكل واحدة منهما شخصيتها. وبالفعل فإن الطرازات الثلاثة التي طرحتها بانيراي لفيراري مختلفة ومتميزة وإن كانت تحمل بصمات بانيراي التقنية بداخلها ومن الخلف، حيث كتب عليها "صنع أوفيتشيني بانيراي".

الطرازات الثلاثة، الـ «غران توريزمو» والـ «سكوديريا» والـ «سبيشال إديشنز»، تتميز بالألوان الثلاثة التي اشتهرت بها هذه الشركة على حلبات السرعة أي الأحمر والأصفر والأسود، لكن العنصر الهندسي التقني المتصل بمنظومة الحركة وكل ما يتبعه من جزيئيات يحمل كل بصمات بانيراي وخبراتها التخصّصية.

أيضاً، لئن كان شعار فيراري الأشهر، ألا وهو الحصان الواثب يزين كل نسخ الطرازات الثلاثة، فإن شكل العلبة الخارجي شبه الرباعي هو الشكل المرتبط في أذهان عشاق بانيراي وزبائنها الأوفياء بإنتاج هذه الدار، التي تضم لائحة زبائنها اليوم أسماء كثيرة من بينها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون وحاكم ولاية كاليفورنيا الممثل السابق أرنولد شوارزنيغر ونجوم السينما بيرس بروزنان وسيلفستر ستالون وبراد بت و«السوبر موديل» الألمانية هايدي كلوم وغيرهم.

الـ «غران توريزمو» الرياضية الأنيقة مزودة بسوار من الجلد الأسود المدروز باطنه أحمر اللون، والـ «سكوديريا» الأكثر توثباً ورياضية بسوار من الجلد الأسود المدروز باطنه أصفر اللون، وطراز النسخ الخاصة أو الـ «سبيشال إديشنز» بسوار من الجلد الأسود المدروز باطنه أحمر اللون.

هذا ويتوفر طرازا الـ «غران توريزمو» والـ «سكوديريا» بعدد من النسخ التي تتراوح بين الساعة الأوتوماتيكية البسيطة والساعات المعقدة الوظائف، كما تتوفر للراغبين بالجمع بين الشخصية الرياضية والمعادن الثمينة قطع علبها من الذهب الوردي عيار 18 قيراطا. ولم تنس فيراري ولا بانيراي في سياق تصميمهما هذه الساعات الجنس اللطيف أو ذوي الأجسام والمعاصم النحيلة، فكانت الثمرة ساعتين كرونوغرافيتين بعلبة قطرها 40مم أي أنه أقل بـ 5مم من القطع الأخرى.