حمى الماركات العالمية تصيب كل الطبقات

اقتناء ملابس بتوقيع مصمم عالمي، أو قطع اكسسوار من ماركات مشهورة ظاهرة لم يعد من الممكن تجاهلها في لبنان أو في أي مكان من العالم. هذه الحمى التي كانت تقتصر في النصف الثاني من القرن الماضي على الطبقات المقتدرة، امتدت لتطال بشكل لافت اصحاب المداخيل المحدودة أيضا. فالسيدة التي تحمل حقيبة «لوي فيتون» مثلا، تختال بها بفخر وشعور بالزهو وكأنها مفتاحها لدخول عالم الموضة بغض النظر عما كانت امكاناتها تسمح لها بشرائها أم لا. كذلك الحال بالنسبة للشاب الذي يلبس قميصا موقعا من قبل «رالف لورن» او يضع نظارات «راي بان».


ولأن لوثة الملابس الموقعة بأسماء عالمية تستوجب دفع تكاليف باهظة يعجز اصحاب الدخل المحدود عن تأمينها، كان الحل لدى المحلات المتخصصة في بيع المنتجات المقلدة بطريقة متقنة، تستورد بضائعها من دول شرق آسيا. وهكذا تساوت «حمى الماركات الاصلية» بـ «هوس» آخر هو اقتناء الماركات المقلدة. وهنيئا لمن يمكنه ابتياع ساعة أو نظارات من «ديور» أو «شانيل» أو «ايف سان لوران» بسعر زهيد أو متوسط، لكن مقلد بطريقة متقنة تخلو من الشوائب. والمحلات التي تضمن هذه الدقة تستقطب مخلصين يقصدونها موسميا اذا لم نقل شهريا للاطلاع على أحدث تشكيلات الموسم.

لكن الحصول على قطعة أصلية يبقى دائما حلما يجري وراءه العديد من الناس، وهي حالة عالمية قبل ان تكون حالة لبنانية. فسوق المترف يتسع بسرعة كبيرة، بدليل فتح عدة بيوت ازياء عالمية محلات لها في الكثير من دول آسيا والشرق الأوسط، إلى جانب تنظيم عروض ازياء بشكل منتظم. ما ساعد على ترويج هذه الحمى، صور النجوم والنجمات وهم يحملون إما حقائب كبيرة تلفت النظر، أو يتألقون في قطع ملابس رائعة. بل إن العديد منهم لم يعودوا يكتفون بأدوارهم كوجه مروجة لماركات أو منتجات معينة بل صاروا متحمسين لدخول عالم التصميم والموضة ولصق اسمائهم على منتجات خاصة من ملابس وعطور واكسسوارات مختلفة.

هذا ما حصل مع المغنية والممثلة جنيفر لوبيز التي أصدرت مجموعة من العطور تحمل اسمها، كذلك فعل الممثل انطونيو بانديراس الذي قدم عطر «سبيريت» قبل اعوام، واللائحة تطول والمغني بي.دي.دي وكايلي مينوغ ومادونا وهلمجرا. والمعروف ان دور الازياء الراقية تعتمد سياسة البحث عن نجم مميز يقترن بمنتجاتها، وإن كانت هذه الظاهرة ليست جديدة، بل لها جذور تاريخية، نذكر ، على سبيل المثال لا الحصر ان الراحلة اودري هيبورن كانت أكبر مروج لدار جيفنشي، حيث ظهرت بتصميماتها في العديد من الأفلام مثل «افطار في تيفاني» و«سابرينا» وغيرها، كذلك النجمة وأميرة موناكو الراحلة غريس كايلي التي كانت ملهمة كريستيان ديور، كذلك الممثلة الفرنسية كاترين دونوف التي ارتبطت اناقتها بـ «ايف سان لوران».

وإذا كانت النساء معروفات بعشقهن شراء حقائب اليد والاحذية والاوشحة المطبوعة بماركة معينة، فالرجال لا يقلون عنهن اهتماما بالساعات وربطات العنق والولاعات وغيرها من التفاصيل. أما المراهقون فهوسهم يتمحور بشكل عام على الاحذية والملابس الرياضية، وكل ما يتبعها من اكسسوارات. بصرف النظر عما اذا أكانت هذه الظاهرة صحية أم لا، فهي تشكل واقعا يفرض نفسه في كل المجتمعات، وإن كان يزيد بعض الشيء في مجتمعاتنا العربية كونها مجتمعات استهلاكية بامتياز. وفيما تتعدد الاسباب تبقى النتيجة واحدة: هجمة واسعة على شراء الماركات. ما السبب؟ وما الغرض من ذلك؟ لم يستطع غالبية من تحدثت اليهم «الشرق الأوسط» اعطاء اجابة وافية. فكانت ردة الفعل الاولى صمتا ومحاولة لايجاد سبب مقنع. رنا أقرت بميلها الى شراء ملابس من ماركة معينة وذلك لجودتها. سهى وبعد تفكير مطوّل لم تجد اجابة مقنعة لشغفها بشراء ماركة معينة، فاكتفت بالقول «لارضاء ذاتي». شادي لا يقبل بشراء قمصان من ماركة عادية، فيما يولي وائل عناية خاصة بأحذيته الرياضية التي يجددها كل شهرين.

وتؤكد ريما التي تعمل في أحد المتاجر الفاخرة في بيروت ان النساء يسألن عن الماركة ويشترين على أساسها من دون النظر الى شكل النظارة او الحقيبة او اي قطعة ملابس. وهناك الكثير من السيدات المهووسات بشراء حقائب اليد، إلى درجة انهن يبدلنها شهريا بمجرد إعلاننا عن وصول تشكيلة جديدة. وكثيرات يهمهن أن تكون العلامة التجارية واضحة لكي يبدو ظاهرا ان القطعة التي يلبسنها باهظة الثمن.

أما المشاهير الذين قابلناهم، فرغم انهم يصرون على ضرورة أن يلبس الشخص ما يليق به بغض النظر عن الماركة. راغب علامة مثلا أقر بأنه يفضل ماركة ثياب معينة مفضلا عدم ذكرها وذلك لان «قصتها تلائمني اكثر من غيرها، كما ان قماشها ذو نوعية ممتازة. اما بالنسبة الى الساعات، فلديّ مجموعة يبدأ سعرها من 100 دولار ويصل الى مائة ألف». مقدمة البرامج التلفزيونية كارلا حداد، قالت: «احرص على تتبع الموضة واختيار ما يليق بي. تهمني الماركات العالمية لان قماشها يكون بنوعية افضل، لكنني لست متعلقة بها الى درجة الهوس». مضيفة: «علينا الاعتراف بأن المصممين العالميين هم من يصنعون الموضة.

وحين نرى في السوق تقليدا لتصاميمهم علينا اختيار الانسب والذي يتمتع بقصة جيدة». ماذا تقول منسقة الملابس في الافلام السينمائية والاعلانات اللبنانية، رولا عويضة عن هذا الموضوع وهي الخبيرة في انتقاء الثياب؟ تقول ان هذا العالم بالنسبة لها هو «فن للحصول على مظهر يوحي بالثقة والجاذبية.

وهذا يحتم اجادة الاختيار. اختيار القطعة المناسبة وارتدائها بطريقة تليق بالشخص». لكنها في المقابل، ترى ان «هناك تربية خاطئة نشأ عليها اجيال اليوم، تقوم على الاعتقاد بأن المقتنيات اهم من الاشخاص. وهذا ما ربط المنتجات الجميلة بالاسماء العالمية اللامعة، أي يستحيل على الغالبية ان يعترفوا بأن فستانا موقعا بماركة مشهورة هو فعلا قبيح، لانهم يربطون الجمال بالاسم. وهذا مفهوم خاطئ، اذ يمكن شراء ثياب او اكسسوارات جميلة جدا بسعر زهيد ومن دون ان تقترن بأية ماركة».

وعن حب اقتناء ماركات معينة، قالت: «واضح ان هناك ميولا لدى الناس لاظهار الشيء الجميل وذلك عبر اللجوء الى الماركات. فهم يعتقدون انهم بذلك يظهرون صورة أو يحيطون انفسهم بهالة معينة تكسبهم اهمية. طبعا نحن لا نطلق الاحكام، انما اعتقد ان هناك فرقا شاسعا بين السائد والصحيح. اذا يمكن اضافة تفاصيل صغيرة الى الملابس لتحدث الفرق المطلوب. مثلا وضع بروش صغير على الشال كفيل بتغيير اللوك». ولفتت الى ان الحديث عن «الهوس بالماركات ينطبق على الطبقات غير الميسورة التي ترغب في شراء ماركة، فتحرم نفسها من شراء الكثير من الأشياء، بغرض شراء قطعة واحدة موقعة باسم معروف. فيما الاغنياء لا يعانون اصلا من هذه المشكلة لانهم ببساطة لا يواجهون اية صعوبة في شراء الماركات».

وعزت توسع المحلات التي تبيع الماركات المقلدة الى «الرغبة العارمة لدى الناس في الحصول على المنتجات الممهورة بتواقيع عالمية. فهم لا يتوانون عن دفع 200 دولار لقاء ساعة أو نظارة أو حقيبة يد مقلدة». أضافت: «هناك مثل شائع في لبنان: لبس المكنسة تصير ست (سيدة) النساء. ربما يصح هذا القول، لكن يجدر الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، بدءا من تلميع الحذاء وتنسيق ألوان الثياب وما شابه من أمور للحصول على مظهر مرتب، إن صح القول. فالاناقة هي كلٌّ متكامل لا يقتصر على الماركة. انها كيف نلبس قطعة الثياب، ومتى نلبسها».

واعتبرت ان الرجل الذي «يجري وراء الاكسسوارات او الثياب ذات الماركات المشهورة يطمح الى اظهار قدراته المادية بغرض جذب النساء لانهن للأسف تغشهنّ المظاهر. فغالبية شبان اليوم مقتنعون بأن الفتاة لن تعجب بهم اذا لم يلبسوا قميصا أو بنطالا أو حذاء موقعا بماركة».

وعن المراهقين، قالت: «انهم مولعون بشراء الاحذية الرياضية التي باتت صيحة الموسم. فهناك ألوان مختلفة وانواع متعددة منها للركض ومنها للمشي وأخرى براقة وغيرها. وفي النهاية يضطر الاهل للرضوخ. اولادي مثلا، لا يقبلون بشراء حذاء رياضي بأقل من 200 دولار لكي يماشوا الجو السائد في المدرسة وحتى لا يكونوا أقل من اصدقائهم.

واللافت ان هذه الاحذية لا تتمتع بالجودة المطلوبة وتستهلك بسرعة. هذا الامر يشمل كل المنتجات في المجتمعات الاستهلاكية التي تتسم برمي الاغراض بعد فترة وجيزة من شرائها». واعتبرت ان «وسائل الاعلام وحملات التسويق العالمية التي تسلّط الضوء على ماركات معينة زادت هذا الهوس. ففي القنوات العربية تطل علينا مذيعات الاخبار بكامل اناقتهن حتى ان اسم المحل أو الماركة يمر في اسفل الشاشة. هذا الامر لا نراه في القنوات الاجنبية، حيث المذيعات لا يبالغن في التركيز على مظهرهن وجمالهن وماكياجهن».