القصص الأخلاقية .. ما تأثيرها على سلوك الأطفال؟

نماذج الصدق والأمانة تغرس لديهم القيم الإنسانية أكثر
نماذج الصدق والأمانة تغرس لديهم القيم الإنسانية أكثر

تعد قصص الأطفال تراثا إنسانيا تتشارك فيه جميع شعوب الأرض، ودائما ما يتابع الأطفال هذه القصص بشغف واهتمام كبيرين سواء إذا جرى عرضها بالشكل التقليدي وهو السرد، أو بطرق أخرى حسب تطور الزمان، وسواء كانت مقروءة أو من خلال قصص مصورة أو من خلال التلفزيون، وأخيرا الكومبيوتر.
 
وقد تناول الكثير من الدراسات العلمية الآثار المختلفة المترتبة على مثل هذه الحكايات، سواء من الجانب النفسي أو الاجتماعي أو التعليمي من غرس قيم إنسانية في نفوس الأطفال وإغناء مداركهم وتنمية الخيال لديهم ورسم نماذج عليا يحرص الأطفال على التمثل بها.
 
وكان من الطبيعي أن تنال هذه الظاهرة الإنسانية اهتمام علماء الطب النفسي، إذ توالت الدراسات حولها. وناقشت أحدث دراسة نشرت في منتصف شهر يونيو (حزيران) من العام الحالي في مجلة رابطة العلوم النفسية journal of the Association for Psychological Science أثر القصص الأخلاقية ذات المنحى الإيجابي على الأطفال.
 
قيم إنسانية
أوضحت الدراسة أن إعلاء القيم مثل الأمانة والصدق في قصة معينة يكون أكثر تأثيرا من عرض النماذج السيئة أو التي يمكن أن يحقق فيها البطل انتصارات عن طريق الكذب أو التحايل أو غيرها من القيم السلبية. وأشار الدكتور كانغ لي Kang Lee رئيس فريق البحث من جامعة تورنتو الكندية، إلي أن الآباء يجب ألا يعتمدوا كلية على مسألة أن القصص الأخلاقية فقط سوف تحسن سلوك الأطفال، بل يجب عليهم متابعة ذلك السلوك ومعرفة إذا كانت هذه القصص قد حققت الأثر المرجو منها من عدمه.
 
وكان الباحثون الذين قاموا بإجراء الدراسة على 268 طفلا تتراوح أعمارهم بين الثالثة والسابعة الذين جرى اختيارهم من أماكن مختلفة من أرجاء كندا (من المعروف أن كندا دولة مهجر، بها الكثير من الثقافات والأعراق). 
 
وكانت التجربة الأولي تعتمد على التخمين حول ماهية لعبة معينة، وأمروا الأطفال أن يجلسوا في وضع معين معطين ظهرهم لمنضدة ويكون الباحث الذي يجري التجربة جالسا على الجانب الآخر من المنضدة ويقوم بوضع لعبة عليها من دون أن يراها الأطفال ويجري التعرف على اللعبة من خلال صوت تصدره في حالة الضغط على زر يعطي صوتا مميزا لماهية اللعبة (على سبيل المثال في حالة أن تكون اللعبة على شكل قطة تقوم بإصدار صوت يشبه مواء القطط، وهكذا). وكان المطلوب من الطفل أن يتعرف على اللعبة من دون أن يستدير ويراها فقط من خلال الصوت.
 
وقامت إحدى الباحثات بترك الغرفة لمدة دقيقة وتظاهرت بأنها في طريقها لاختيار أحد الكتب وتركت الغرفة خالية أمام الطفل من دون مراقبين وأمرت الطفل بعدم اختلاس النظر إلي اللعبة الموجودة على المنضدة لعدم التعرف عليها بشكل مباشر من دون سماع الصوت التي تصدره.
 
وبطبيعة الحال عند معظم الأطفال كان ترك الغرفة من دون مراقب مع الفضول لمعرفة اللعبة يمثل إغراء كبيرا يصعب عليهم مقاومته وكانت هناك كاميرا خفية في الغرفة تقوم برصد فعل الطفل عند خروج الباحث أو الباحثة.
 
قصص الصدق والأمانة
وعندما عادت الباحثة إلى الغرفة قامت بقراءة نوعيتين من القصص، الأولى تركز على سلبيات عدم الأمانة وعدم الصدق وأضرار الكذب وعلى سبيل المثال (قصة الطفل الذي اعتاد الكذب حول ظهور ذئب في القرية لمجرد المزاح، وفي وقت ظهور الذئب بشكل حقيقي لم يصدقه أحد لأنه اعتاد الكذب)، ونوعية أخرى من القصص ركزت على إيجابيات الصدق أكثر من عيوب الكذب، وعلى سبيل المثال حينما مثل قصة تخيلية عن طفولة جورج واشنطن (أول رئيس أميركي.
 
ولكن القصة تعتمد على أحداث تخيلية غير الحقائق التاريخية) جرى التركيز على قيمة الأمانة وكيف أن والده كافأه عند ذكر الحقيقة أنه اقتلع ثمار شجرة الكرز بدلا من معاقبته جزاء عدم كذبه وكيف أن الأمانة كانت السبيل لنجاحه في الحياة بدلا من ذكر عيوب عدم الأمانة. واستكمالا للتجربة قامت الباحثة بتغيير النهاية بشكل أقرب للشكل السلبي وهو الإفراط في ذكر تفصيلات عن عيوب عدم الأمانة.
 
ثم قامت الباحثة بعد ذلك بسؤال الطفل عما إذا كان أحدهم قد اختلس النظر إلى اللعبة الموجودة على المنضدة من عدمه وطلبت منه ذكر الصدق وعدم الكذب، وذكرت أن الطفل يجب ألا يكذب مثل ذلك النموذج السيئ في القصة (قصة الطفل والذئب).
 
وخلافا لتوقع الباحثة فإن القصص الشهيرة والمتعارف عليها التي تظهر سلبيات عدم الأمانة والصدق لم تكن ذات جدوى في حث الأطفال على الفضيلة وتشجيعهم على قول الصدق، بعكس الأطفال الذين سمعوا القصص التي تظهر مزايا الصدق والأمانة الذين استجابوا ثلاث مرات أكثر من أقرانهم الآخرين الذين سمعوا القصص التي تبرز السلبيات، لقول الصدق واعترفوا بأنهم اختلسوا النظر أثناء خروج الباحثة خارج الغرفة. 
 
والمثير في الأمر أن الباحثة حينما قامت بتغيير النهاية بحيث تأخذ الشكل السلبي، كان الأطفال غير حريصين على ذكر الصدق حول اختلاس النظر، وهو ما يعني عدم تأثرهم بالقصة. ويعكف الفريق حاليا على معرفة إذا بإمكان هذه القصص أن تؤدي إلي سلوك إيجابي مستقبلا في الحياة من عدمه.