الجراثيم .. هل تساهم في علاج الحساسية للرضع؟

التعرض للأتربة والميكروبات المنزلية يساعد في الوقاية منها
التعرض للأتربة والميكروبات المنزلية يساعد في الوقاية منها

يميل معظم الآباء بالفطرة والمنطق إلى حماية أطفالهم الرضع من أي نوع من الميكروبات ويحيطون الرضيع باهتمام بالغ ومحاولات دائمة لحمايته ووضع الرضيع في غرفة بعيدة عن الأتربة والحشرات مخافة أن يؤثر ذلك على صحته، ويكون سببا في انتقال الجراثيم إليه وبالتالي إصابته بالعدوى.
 
وترسخت هذه المفاهيم في الأذهان منذ عقود طويلة نظرا لأنها تحمل منطقا طبيا سليما. ولكن الحقيقة أن أحدث الدراسات التي نشرت في مجلة الحساسية والمناعة الإكلينيكية journal Allergy and Clinical Immunology التي أجراها باحثون من مستشفى جونز هوبكنز للأطفال في الولايات المتحدة الأميركية وهي أهم مستشفى للأطفال على مستوى العالم، أشارت إلى عكس ذلك تماما وأوضحت أن التعرض للأتربة والميكروبات بالمنزل يمكن أن تساعد في الوقاية من الحساسية.
 
مسببات الحساسية
تتبع الباحثون 467 رضيعا من الأحياء الفقيرة في مدينة بلتيمور لمدة تزيد على ثلاث سنوات وقاموا بزيارة المنازل التي يعيش فيها هؤلاء الرضع لرصد كمية المواد والأشياء التي يمكن أن تكون مسببة للحساسية allergens وقاموا بفحوص مختبرية سواء من عينات الدم أو الاختبار عن طريق الجلد (يتم حقن الجلد بالمادة التي يعتقد أنها مسببة للحساسية ولكن بشكل مخفف وسرعان ما يتم تجاوب الجلد عن طريق الاحمرار إذا كانت هذه المادة تسبب الحساسية فعلا).
 
وكذلك قام الأطباء بالكشف الإكلينيكي على الرضع لسماع صوت الصفير المميز لضيق الشعب الهوائية وأيضا قاموا بتجميع كميات البكتيريا الموجودة في عينات الأتربة من منازل 104 من الأطفال.
 
وكانت النتيجة أنه وبمقارنة الأطفال الذين عاشوا في المنازل الفقيرة التي يوجد بها حشرات مثل الصراصير والحيوانات الأليفة مثل القطط والفئران، بأقرانهم الذين يعيشون في منازل نظيفة في السنة الأولى من عمرهم، ظهر أنهم عانوا من الأزمة بشكل أقل عند بلوغهم عمر الثالثة. 
 
والمثير في الأمر أنه كلما زاد تعرض الطفل لعدد أكبر من مسببات الحساسية كلما زادت فرص حمايته من التعرض للأزمة الصدرية. والطفل الذي تعرض لمسبب واحد من الثلاثة كان أقل من الذين تعرضوا لاثنين أو الثلاثة وكانت نسبة الصفير في الأطفال الذين لم يتعرضوا لتلك المسببات للحساسية ثلاثة أضعاف أقرانهم الآخرين الذين تعرضوا لتلك المسببات.
 
وقام الباحثون بدراسة التأثير التراكمي لكل من البكتيريا والمسببات الثلاثة (القطط والفئران والصراصير) ووجدوا أن الأطفال الذين لا يعانون من حساسية الصدر في عمر الثالثة نشأوا في منازل كانت تحتوي على عدد كبير من الميكروبات ومسببات الحساسية وكانت نسبة هؤلاء الأطفال تبلغ 41 في المائة وكانت نسبة الأطفال الذين عانوا من الحساسية والصفير ويعيشون في تلك المنازل غير النظيفة لا تتعدى نسبة 8 في المائة وهو ما يعد مفاجئة للجميع، حيث إن التصور أنه كلما زادت نظافة المكان قلت احتماليات الإصابة بالحساسية.
 
وتشير هذه التجربة إلى أن التعرض بشكل مستمر لمسبب الحساسية يمكن أن يقي من الإصابة بها وهي نفس النظرية التي تستخدم في علاج المرضى بالحساسية الصدرية حيث يجري حقنهم تحت الجلد على مدار شهور بمواد متعددة يمكن أن تتسبب في إصابتهم بهذه الحساسية.
 
الحساسية الصدرية
ومن المعروف أن الحساسية الصدرية للأطفال تعد من أهم المشكلات الصحية بالولايات المتحدة والعالم كله وحسب مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها (CDC) فإنه يوجد ما يقرب من 7 ملايين طفل يعاني من حساسية الصدر/ ما يكلف الولايات المتحدة كل عام نحو 56 مليار دولار. 
 
في بعض الدول خاصة دول العالم الأول يمكن أن تصل نسبة الحساسية إلى 20 في المائة من السكان، وقد يكون السبب في ذلك أن هذه الدول يرتفع بها مستوى النظافة عن دول العالم الثالث على سبيل المثال وهو الأمر الذي يؤكد نتائج هذه الدراسة وغيرها من الدراسات.
 
وفي نفس السياق، أظهرت دراسة سابقة أجريت في الدنمارك أن هناك علاقة وثيقة بين عدد الميكروبات الموجودة في المستقيم (نهاية القناة الهضمية) للأطفال وبين احتمالية إصابتهم بالأزمة الصدرية. وكلما زاد تنوع الميكروبات في الأمعاء قل معدل الخطورة للإصابة بحساسية الصدر في عمر المدرسة والعكس صحيح. 
 
وينطبق هذا الكلام على الكثير من الحالات التي تلعب فيها الحساسية دورا بارزا مثل حمى القش بل وحتى بعض الأمراض الأخرى التي ليس للحساسية دور فيها مثل الإصابة بمرض السكري التي تلعب البكتيريا الموجودة بالأمعاء دورا وقائيا في عدم الإصابة بها.
 
يتضح من هذه الدراسات أنه خلافا لاعتقادنا جميعا أنه كلما زادت النظافة زادت احتمالية الإصابة بالأمراض المناعية حيث إن جهاز المناعة يحتاج إلى ما يشبه التدريب والاعتياد على الميكروبات والأتربة ليقوم بعمله في الدفاع عن الجسم. وفي وجود البيئة النظيفة تماما يمكن أن نصف جهاز المناعة بأنه غير مبرمج للتعامل مع مثل هذه الجراثيم. 
 
وبطبيعة الحال لا يعني هذا الكلام أن نترك الأطفال في بيئة غير صحية أو مليئة بالميكروبات والجراثيم أو عدم مراعاة الصحة العامة في التعامل مع الطفل، ولكن يعني الاعتدال في حماية الطفل بالشكل الطبيعي.