زراعة الكبد .. تقدم العمر ليس حائلا دون إجرائها

يلجأ الأطباء إلى زراعة الكبد كحل علاجي لفشله عن أداء وظائفه في حال عدم تمكن وسائل العلاج الأخرى من مساندته في تحقيق ذلك.
يلجأ الأطباء إلى زراعة الكبد كحل علاجي لفشله عن أداء وظائفه في حال عدم تمكن وسائل العلاج الأخرى من مساندته في تحقيق ذلك.

نتائج دراسة حالات منْ هم في السبعينات أو الثمانينات، ممن تم لهم إجراء عمليات زراعة الكبد، تشير إلى أن بإمكان الأطباء والمرضى عدم اعتبار التقدم في العمر حائلاً دون اللجوء إليها كخيار علاجي فاعل في إنقاذ حياة كثير من المرضى.

وفي ما يبدو هنا، أن الأمر أشبه بتلك الدراسات الطبية التي قيمت مدى تأثير التقدم في العمر، حتى في سن ما فوق تسعين عاماً، على سلامة منْ يتم لهم إجراء عمليات في القلب.

والواقع أن الطب يعتمد اليوم بشكل أكبر على التقييم الوظيفي والحيوي للجسم قبل إجراء العمليات الجراحية من دون الاعتماد بشكل أعمى على مجرد أرقام تُمثل العمر الزمني لحياة الإنسان، خاصة مع تفاوت الناس اليوم في اهتمامهم بصحتهم وفي تبنيهم اتباع السلوكيات الصحية في نمط عيش الحياة.

 وهو ما نجد أن بعضاً من صغار السن أو متوسطي العمر لا يأبهون به، في حين يهتم بعناية شديدة به مجموعات من المتقدمين في العمر.

ويُساعد الكبد في مكافحة الجسم للميكروبات وتنظيف الدم من السموم وبقايا الأدوية وغيرها من المواد الكيميائية. كما أنه يُسهم في عملية الهضم وتخزين الطاقة من الأطعمة المتناولة.

وهو أحد الأعضاء المهمة في الجسم، والتي لا يُمكن للمرء الحياة دون عمله بشكل كاف. ويلجأ الأطباء إلى زراعة الكبد كحل علاجي لفشله عن أداء وظائفه في حال عدم تمكن وسائل العلاج الأخرى من مساندته في تحقيق ذلك.

ويُعتبر تليف أو تشمع الكبد أحد الاسباب الشائعة لإجراء زراعة كبد جديد للبالغين. في حين أن انسدادأوعية سائل المرارة في الكبد، أهمها في حال الأطفال المحتاجين إلى زراعة.

وعملية زراعة الكبد إحدى العمليات الكبيرة وفق التصنيف الجراحي لأنواع العمليات. وهي تتطلب أن يتناول المريض أدوية لخفض مناعة الجسم، لبقية حياته بعد إجرائها، كي يُمنع حصول حالة رفض الجسم للعضو المزروع.

العمر وزراعة الكبد
ووفق ما تم عرضه في عدد أغسطس من مجلة "أرشيفات الجراحة" فإن هؤلاء المرضى الكبار في السن يُبلون بلاءً حسناً بعد خضوعهم لزراعة الكبد، طالما تمت مراعاة الأطباء لتأثير عوامل الخطورة المُصاحبة عبر التعرف عليها بوضوح والتعامل معها بكفاءة طبية.

صورة ارشفية من عام 1999 لأم اميركية في تينيسي، وهبت 60 في المائة من حجم كبدها لزراعته في جسم ابنتها، في عملية جراحية اعتبرت خطيرة في وقتها اجريت في مستشفى جامعة بنسلفانيا الاميركيةوقال الدكتور رونالد بيسيتي، الباحث الرئيس في الدراسة من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، إن المتغيرات البيولوجية الحيوية والفسيولوجية الوظيفية تلعب دوراً أكبر أهمية من عامل التقدم في العمر في توقع ضعف احتمالات البقاء بعد إجراء عملية زراعة الكبد.

وخلص الباحثون إلى هذه النتيجة بعد متابعتهم المعلومات المتعلقة بحصيلة خضوع أكثر من 60 شخصا لتلك الزراعة، ممن هم فوق سن السبعين عاماً. وقارنوها بتلك المعلومات عن حصيلة خضوع أكثر من 860 شخصا، ممن هم في الخمسينات من العمر، لنفس عملية زراعة الكبد. وكانت لجميعهم عملية زراعة الكبد هي الأولى التي تُجرى لهم، وفي الفترة ما بين عام 1988 وعام 2005.

ولم يجد الباحثون أي فرق مهم في نسبة البقاء والحياة، بعد العملية، بين أفراد المجموعتين، إذْ في مجموعة المُسنين كانت نسبة من بقي على قيد الحياة منهم بعد سنة من إجراء العملية هي 73%، وبعد خمس سنوات 47% وبعد عشر سنوات 40%. وفي مجموعة متوسطي العمر كانت نسبة من بقي حياً بالمقارنة مع نفس المدد الزمنية هي 79%، و 65%، و 45%. أي أنها متقاربة إلى حد كبير في أفراد كل من المجموعتين، ولا تشير إلى أي أفضلية معتبرة لصغر السن أو ضرر مُؤثر من التقدم في العمر عند اتخاذ قرار الخضوع للعملية.

وحينما حاول الباحثون التدقيق في معرفة ما هي عوامل الخطورة التي تُؤدي إلى ارتفاع الوفيات بين منْ أُجريت لهم زراعة الكبد، فإنهم لم يجدوا أن التقدم في العمر، فوق سن السبعين، بذاته عامل معتبر بين تلك العوامل. بل وجدوا أن وجود التهاب الكبد الفيروسي من نوع سي أو حصول فشل الكبد نتيجة لشرب الكحول أو استدعاء الحالة الصحية للكبد ضرورة تكرار الدخول إلى المستشفى للمعالجة قبل إجراء العملية، هي العوامل الحقيقية المُؤثرة على احتمالات الحياة خلال سنوات ما بعد عملية زراعة الكبد.

وقال الباحثون إن وسائل تقييم عمر المريض يجب أن تُبنى على الحالة البدنية الصحية له، وليس المقدار الزمني لعدد سنوات العمر. كذلك الحال عند تقييم عوامل خطورة الإصابة بالمضاعفات بعد العملية. وأكدوا صراحة على أن العمر الزمني بذاته ليس "مُؤشر تنبؤ مستقلا" لتوقع حصيلة البقاء على قيد الحياة بعد العملية.

مقطع عرضي يوضح أجزاء معدة الأنسان ومن بينها الكبدعملية زراعة الكبد
وتتم في عملية زراعة الكبد إزالة الكبد القديم ووضع إما كبد كامل، أو وضع جزء من كبد، مكانه، لأنه متى ما تمت زراعة حتى جزء من كبد، فإنه سينمو حتى يُصبح كبداً كامل الحجم. والمصدر المعتاد لزراعة كبد كامل هو أخذه من جثة متبرع متوفى. أما زراعة جزء من الكبد، والتي بدأت عملياتها بالانتشار، فيُمكن أخذه من كبد أحد الأقرباء كمتبرع حي. وتستغرق العملية ما بين 6 إلى 12 ساعة، ويبقى غالب المرضى حوالي 3 أسابيع في المستشفى بعد إتمام إجرائها.

وخلال أكثر من ستة عشر عاماً مضت، أخذت عمليات زراعة الكبد بالتوسع والتطور في جوانب متعددة من كيفية إجرائها وأساليب العناية بالمرضى في المراحل التالية من العمر لها. وتشير نشرات مؤسسة زراعة الكبد بالولايات المتحدة الى أنه تم في عام 2005 فقط إجراء أكثر من 6500 عملية زراعة كبد في الولايات المتحدة وحدها. وأن حوالي 17 ألف أميركي ينتظرون أن يحين الموعد وتُجرى العملية كحل علاجي لمن يُعانون من حالات فشل الكبد.

والمعلوم أن ثمة عدة أمراض تتسبب بحصول الفشل في الكبد عن أداء وظائفه، وأهمها وأكثرها شيوعاً نشوء حالة تليف أو تشمع الكبد. وهي حالة تنتج عن الإصابة بأحد أمراض الكبد المزمنة وتتسبب بحصول تليف أو تشمع في بنية الكبد وموت خلايا الكبد. ومنها الإصابة بالالتهابات الفيروسية المزمنة أو كنتيجة لتناول الكحول وغيرها.

وتعتبر حالة فشل الكبد نتيجة الإصابة بفيروس التهاب الكبد من نوع سي أكثر أسباب الحاجة إلى زراعة الكبد، أو تشمع الكبد نتيجة تناول الكحول، أو أمراض قنوات سائل المرارة المؤدية للانسداد فيها، أو الأمراض الوراثية المتسببة باضطرابات تعامل الجسم مع النحاس أو الحديد.

كما أن وجود سرطان في الكبد وحده، نشأ في أنسجة الكبد كمكان أولي له ولم ينتشر في أي جزء آخر من الجسم، يُعتبر أحد دواعي إزالة الكبد المريض وزراعة آخر مكانه.

ولا تُجرى عملية زراعة الكبد لمن لديهم سرطان في أحد أجزاء الجسم الأخرى، أو من لديهم أمراض مؤثرة بعمق في القلب أو الرئتين، أو منْ يستمرون في تناول الكحول أو أي من أنواع المخدرات، أو من لديهم عدوى ميكروبية نشطة في الجسم، أو لا يستطيعون أو لا يتجاوبون في اتباع تعليمات الأطباء.

رفض الجسم للكبد المزروع .. اتباع التعليمات الطبية وقاية أساسية
تحصل حالة رفض الجسم للعضو المزروع، أياً كان، حينما تقوم أنظمة أجهزة مناعة الجسم الطبيعية بمهاجمة أنسجة وخلايا العضو المزروع. ما يُؤدي إلى تلف ذلك العضو وفشله بالتالي عن أداء ما هو مطلوب منه.

 وجهاز المناعة مُكلف بمهاجمة أي أنسجة أو أجسام غريبة تدخل إلى جسم الإنسان، والعضو المزروع هو كذلك في حقيقة الأمر بالنسبة لجهاز المناعة، أي أسوة بالبكتيريا أو الفيروسات أو غيرها.

ولمنع الجسم وأجهزة مناعته من إتلاف هذا العضو المزروع، كالكبد مثلاً، فإن على الأطباء أن يضعوا مرضاهم آنذاك على أدوية تحبط جهود جهاز المناعة.

وهي أدوية مثبطة للمناعة ومُضعفة لها. وتشمل أدوية مثل الستيرويد أو سايكلوسبورين أو غيرهما. والتطورات الطبية في جانب متابعة حالات زراعة الكبد، في أهم جوانبها، هي في إنتاج أدوية فاعلة جداً في هذا المضمار من دون التسبب بآثار جانبية أو تفاعلات عكسية سيئة جداً على الجسم.

وهو ما يعني أن على المريض تناولها بانتظام دون أي نوع من أنواع الإهمال، ومتابعة ذلك مع الأطباء، والتنبه لأي أعراض قد تبدو على المريض إما في ناحية تأثر جهاز المناعة أو بدء عملية رفض الجسم للعضو المزروع أو أي من الآثار الجانبية أو التفاعلات العكسية لتلك الأدوية.

 وتشمل علامات رفض الجسم للكبد المزروع ارتفاع نسبة أنزيمات الكبد عند تحليل الدم لها، أو الشعور بالغثيان أو الألم في منطقة زراعة الكبد أو ارتفاع حرارة الجسم أو ظهور حالة اليرقان أو الصفار في بياض العينين وجلد الجسم.

وهو ما يتطلب ربما أخذ عينة من الكبد بالإبرة عبر الجلد لفحصها والتأكد من عدم انتشار مهاجمة خلايا جهاز المناعة لأنسجة وخلايا الكبد المزروع.

كما تمثل عودة المشكلة الصحية الأساسية المتسببة بمرض الكبد الأصلي مشكلة يجب منع حصولها إن أمكن، مثل تضرر الكبد الجديد من تناول الكحول أو مهاجمة بقايا فيروسات سي للكبد الجديد.

كما أن حصول انسداد في الأوعية الدموية أو القنوات المرارية التي تم توصيلها أثناء العملية أمر ممكن ويتسبب بفشل الكبد.

وبالمتابعة السليمة فإن لدى حوالي 90% من الحالات يُمكن أن يستمر نجاح الكبد المزروع في أداء وظائف الكبد الطبيعية خلال العام الأول بعد الزراعة.