رغم التطور الطبي .. التأخر في تشخيص السرطان لدى الأطفال يهدد حياتهم

ثمة مشكلة إنسانية وطبية وأخلاقية، على درجة عالية من الأهمية، لم يجد لا الأطباء ولا غيرهم حلاً عملياً لها، ألا وهي مشكلة التأخر في تشخيص إصابات الأطفال بأي من أنواع الأورام السرطانية. وهي مشكلة عالمية، تقع حتى في أكثر دول العالم تقدماً في مجال أنظمة ووسائل العلاج الطبي.


صحيح أن نمو وتكاثر الخلايا في الأورام السرطانية أسرع لدى الأطفال مقارنة بما هو الحال لدى البالغين، والمعلوم أيضاً أن الإصابات السرطانية بشكل عام نادرة بين الأطفال في كافة أنحاء العالم. ومع ذلك وبالرغم من التطور الكبير في وسائل وطرق المعالجة، إلا أن الأمر لدى الأطفال يظل أشد خطورة مقارنة بالأورام لدى البالغين.

وهذا ما يعني بداهة أن الأمر يتطلب توفر القدرة على اكتشاف هذه الاورام السرطانية في وقت مبكر جداً من بدء ظهورها، وأيضاً سرعة عالية في البدء بالمعالجة الصحيحة، لأن أي تأخير لن تكون عواقبه سليمة.

 تأخر التشخيص
إلا أن الباحثين من كندا تحدثوا مؤخراً وبشكل مركز عن العوامل المؤثرة بشكل بالغ على نجاح التوصل إلى التشخيص في وقت مبكر. وما حاول الأطباء قوله في بداية دراستهم، بكل صراحة وواقعية، هو أن بعضاً من حالات الأورام لدى الأطفال يحصل فيها نوع من التأخير والغفلة، ولمدة طويلة، قبل أن يتمكن الأطباء من تشخيص وجود تلك الإصابات السرطانية لديهم.

وأن نتيجة هذا التأخير، بغض النظر عمن تسبب فيه، ستكون لا محالة قاسية على صحة الأطفال هؤلاء وآمالهم في الشفاء التام. الإشكالية ليست في كل ما تقدم بقدر ما هي في ما اضافه الباحثون بالقول إن على الرغم من أهمية هذا الجانب إلا أنه لم يتم البحث فيه بالشكل الواجب من قبل.

 ولذا حينما حاولوا مراجعة مجمل الدراسات التي بحثت في العوامل المتسببة بتأخير التشخيص، وتأثيرات كل عامل على حدة، في نوعية نتائج المعالجات للحالات السرطانية لدى الأطفال، فإنهم وجدوا 23 دراسة فقط تطرقت إلى هذا الموضوع.

وكان غالبها بحوث لم تصل إلى نتائج حاسمة لا في توضيح الصورة للأطباء ولا في إقناع الآباء والأمهات بأي أسباب منطقية في معاناة تأخير تشخيص إصابات فلذات أكبادهم.

والإشكالية الأزمة لخصها الدكتور إدواردو فرانكو، البروفسور في قسم الأورام بجامعة ماك غيل في مونتريال والباحث المشارك في الدراسة، بالقول إن نتائج الدراسات حول هذا الأمر أعطت تفسيرات متناقضة حول ما الذي له تأثير أكبر على النتائج العلاجية.

والبحوث تحتاج إلى أن تكون مركزة في النقاط التي يتم دراستها. وبهذه العبارات المملة والممجوجة، لا يعلم الأطباء ولا الآباء والأمهات إلى أين رمى الباحثون الكرة ولا في ملعب منْ قذفوا بها! وإن كنت أنا كواحدة من الأطباء أملّت، منذ أن سمعت عن قرب صدورها، كثيراً في هذه الدراسة الطبية أن تُعطي شيئاً من الإجابات على هذه المشكلة الإنسانية والطبية والأخلاقية.

وللحقيقة فإن الدراسة الكندية هذه تُعتبر الأولى في مراجعة جوانب عدة من موضوع أسباب تأخير تشخيص إصابات الأطفال بالسرطان، وفي محاولة تبيان مدى تأثير ذلك على مستقبل سلامة حياتهم وصحتهم.

أورام سرطانية
وعلى الرغم من عدم وضوح الأسباب بشكل تام، إلا أن الباحثين لاحظوا أن الأطباء يتأخرون عادة في تشخيص أورام الدماغ أو العينين.

وعلى الرغم من أنهما يُعتبران نادرين وأنهما في منطقة مغلقة من الجسم مقارنة بالجلد أو البطن، إلا أن معظم الدراسات ركزت عليهما. وهذا ما يجعل من الصعب اعتمادهما في المقارنة مع أنواع أخرى أكثر شيوعاً وفي مناطق من الجسم أكثر سهولة في تشخيص وجود نمو ورم فيها.

ومن جانب آخر لاحظ الباحثون أن الدراسات الطبية السابقة تتحدث عن أن الأطباء، كمجموعة، عادة ما يتأخرون في تشخيص الإصابات بالأورام مقارنة بالوالدين أو أحد أفراد الأسرة، كمجموعة أخرى.

والسبب هو أن أفراد الأسرة حينما يكونون لصيقين بأطفالهم ومتابعين لأي تغيرات تطرأ عليهم، سيكونون عادة أقدر على ملاحظة أي تغيرات تطال أجسام وصحة أطفالهم.

لكن الباحثين لاحظوا أن أسباب تأخير التشخيص قد تكون نتيجة لآليات الأنظمة الصحية في تقديم الرعاية، وخاصة تلك التي لا تُسهل وصول المريض وعرض حالته على المتخصصين إلا بعد المرور بمحطات عدة. مثل المستوصفات ومراكز الرعاية الأولية وغيرها.

وتمثل التحدي للباحثين في وضع تصور عن مدى التأخير في التشخيص الذي تتسبب به هذه العمليات الطبيعية في ملاحظة أي تغيرات في الأطفال، وكذلك يتسبب به اتباع مراحل الأنظمة الصحية المعتادة في الوصول إلى الخدمة الطبية للمتخصصين.

ملاحظة الأعراض
وتناقش الاطباء حول أي مستوى يُمكن فيه الاعتماد على الوالدين أو بقية أفراد الأسرة في المساعدة على الكشف المبكر، خصوصاً أن كثيراً من أنواع الأورام السرطانية لا تُعلن بدء نشوئها، بل تأتي "تصريحات" الأورام تلك حينما يتقدم المرض عبر أعراض مرضية مبهمة غالباً، كفقد الشهية للأكل أو هزال الجسم أو ارتفاع درجة حرارة الجسم وغيرها.

وهذه الأعراض تشترك فيها مع الأورام، عدة أمراض أخرى. ولذلك لا يتوقع أحياناً الأطباء ناهيك عن الآباء أو الأمهات أنها تعنى أن ثمة ورم ما في الجسم.

وحتى حينما حاول الباحثون معرفة تأثيرات الفحص الدقيق للأطفال حينما يأتون العيادات للمراجعات المعتادة، فإنهم لم يجدوا تأثيراً واضحاً إلا في بعض أنواع الأورام، مثل العينين والدماغ. وهي بالأصل أورام نادرة.

المشكلة أنه لا يُوجد نظام برنامج فحص دوري للأطفال أسوة بما هو للبالغين، إذْ لدى البالغين هناك برامج معروفة لتحاليل الدم وتخطيط القلب ومناظير الأمعاء وفحوصات عنق الرحم والثدي وغيرها. يجعل اتباعها من الممكن اكتشاف الأورام في أوقات مبكرة.

والمشكلة الأخرى أن عوامل خطورة الإصابة بالأورام ليست معروفة بشكل واضح للناس وللأطباء كذلك، كما هو الحال لدى البالغين.

لأن البالغين يعلمون أن التدخين سيتسبب بكذا وكذا وأن مرض السكري سيتسبب بكذا وكذا. لكن في حال الأطفال لا نعلم حتى اليوم لِمَ يُصابون بسرطان اللوكيميا أو الغدد الليمفاوية أو العقد العصبية أو غيرها.