مصممة الأزياء رايتشل كوتير .. قصة نجاح عائلية

عندما أمرتها والدتها بالالتحاق بمدرسة لتعلم التصميم والخياطة وهي صبية في مقتبل العمر، لم تكن رايتشل إلبيز تعرف أنها ستعشق هذه المهنة وتصبح مصممة معروفة. فكل ما كان يجول ببالها آنذاك انه عليها ان تطيع والدتها وتمشي على خطاها، حيث كانت تمتلك معملا للخياطة في مدينة الدار البيضاء بالمغرب قبل انتقال الأسرة إلى باريس وعمرها لا يتعدى الخمس سنوات.


لم يكن ينتظر من رايتشل الإدلاء برأيها في موضوع اختيار نوع الدراسة التي ستتبعها، المهم بالنسبة للأسرة ان تحافظ على التقاليد، التي كانت تتلخص في مهنة محترمة للإناث. في باريس درست التصميم والخياطة والتفصيل، واكتشفت ان لها فعلا موهبة كامنة لم تفهم أبعادها سوى والدتها بخبرتها ونظرتها الثاقبة. بعد تخرجها، التحقت بدار بيير بالمان، ثم بدار «ويل»، لكنها بعد عامين، قررت ان تؤسس دارا خاصة بها تعبّر من خلالها عن إمكاناتها وتجمع فيها ما ورثته من الوالدة، وما تعلمته في مقاعد الدراسة. بعد باريس كانت لندن هي المحطة التالية، حيث انتقلت إليها مع زوجها رينيه، الملاكم سابقا، الذي تحول أيضا إلى عالم التصميم والأناقة. هو الآخر من باب السير على تقاليد الاسرة، فهو يتحدر من عائلة أزاغوري المعروفة في عالم الجمال والأناقة، فسولانج أزاغوري مصممة مجوهرات هي ابنة أخيه، والمصمم جاك وجوزيف مصمم الأحذية، ابنا اخيه ايضا.

وهكذا شكل الزوجان ثنائيا ناجحا يصمم ازياء خاصة جدا عرفت طريقها إلى محلات «هارودز» وإلى أسواق اليابان والولايات المتحدة باسم «رايتشل آند رينيه كوتير». النتيجة الحتمية لنجاحهما كان افتتاح محل خاص قررا ان تكون واجهته رايتشل، على ان يكون رينيه قائد السفينة الخفي. منذ البداية توخت رايتشل ان يكون لها اسلوب متميز.

وكانت النتيجة المزاوجة بين الخياطة الباريسية الرفيعة والأسلوب الكلاسيكي، وهو الأمر الذي أكسبها زبونات مخلصات يتعاملن معها من أقاصي البقاع، أحيانا عن طريق الفاكس، أي يرسلن لها مقاييسهن وطلباتهن، لتفصل وتلبي. لكنها رغم الصيت الذي اكتسبته، غير راضية وتقول انها تنوي «تغيير الاتجاه عما قريب، حتى استطيع ان أكسب شريحة جديدة من الزبونات.. فأزيائي حاليا قد تكون متميزة، لكنها تحتاج إلى جرعة شبابية خفيفة، حتى تتماشى مع أجواء السوق حاليا». فالخريطة الشرائية لم تعد تقتصر على المرأة الناضجة، بل أصبحت في يد فتيات في عز الصبا والشباب يتمتعن بإمكانات عالية من المال والذوق، بعد دخولهن مجال المال والأعمال. بيد أن الزائر إلى محلها الواقع بمنطقة نايتسبريدج، يلاحظ انها بدأت فعلا بمزاوجة الكلاسيكي بالشبابي من خلال الألوان الفاتحة والأقمشة الخفيفة والتصميمات المنسابة.

أما المثير عند سؤالها عن التأثيرات التي تستوحي منها أفكارها، فهو جوابها الصريح والصادق، بأنها لا تذهب بعيدا إلى ثقافات الغير أو ظواهر معينة، بل تستوحيها من القماش نفسه «فهو الذي يحدد لي ما سينتهي إليه شكله النهائي، سواء كان ذلك من خلال ملمسه أو سمكه او شفافيته ولونه. لكني ايضا استمع إلى زبوناتي، فهن يردن قطعة متميزة تعكس شخصياتهن وأسلوبهن، وأكثر ما يتخوفن منه ان يحضرن مناسبة تكون فيها امرأة أخرى بنفس الفستان، كما حصل أخيرا في حفلة حضرتها إحداهن في الكويت. فقد كان الفستان لمصمم عالمي معروف، لن اذكر اسمه، وكان فعلا رائعا، لكن المشكلة انه كانت هناك ست نساء حاضرات بنفس الفستان وبنفس اللون!، الأمر الذي تسبب لهن في الكثير من الحرج»، وتتابع: «لكن رغم تعاطفي مع رغبتهن في التميز واستماتتي في تلبيتها، إلا اني أرفضها عندما تتحول إلى مبالغة تلغي إمكاناتي كمصممة. الفكرة هي ان أقدم لهن قطعة فريدة تعكس شخصياتهن وتحمل بصماتي في الوقت ذاته لا أن تلغيها».

بعد نجاح عرضها الأخير الذي اقامته في السفارة البلغارية بلندن، تعكف رايتشل حاليا على التحضير لعرضها المقبل، الذي ستشهده مدينة بيترسبورغ بروسيا، تمهيدا لافتتاح محل هناك. فروسيا حاليا تعتبر سوقا مهما لأي مصمم بوجه عام، ولها بوجه خاص، كون أسلوبها المائل إلى الفخامة يجد له صدى طيبا في اوساط الروسيات ونساء شرق أوروبا المقتدرات ماديا «فهن زبونات جيدات، من حيث تعطشهن لكل جديد ومتميز.

صحيح ان كبريات دور الأزياء تطرح أزياء رائعة هن قادرات على دفع أسعارها، لكن هناك دائما خوف من أن يحضرن مناسبة تكون فيها أخرى بنفس الزي، ولهذا يقدرن زيا خاصا لا يتكرر»، وتضيف رايتشل: «الزبونة الروسية حاليا تذكرني بالعربية في الثمانينات. الفرق الوحيد أن الأولى تميل إلى الكيف لا إلى الكم، بينما الثانية كانت تميل إلى شراء كميات كبيرة، لكن شتان بينها بالأمس واليوم. فالمرأة العربية الآن من أكثر نساء العالم أناقة ومعرفة بأمور الموضة عما كانت عليه في الثمانينات، بحكم اطلاعها وأسفارها، حتى ان معظم المصممين أصبحوا يضربون لها ألف حساب. فهي متسوقة محنكة، ولا تشتري سوى ما يناسبها بغض النظر عن اسم المصمم أو إملاءات الموضة. أما القاسم المشترك بينها والروسية، فإنهما عندما تجدان ما تريدان وما تعرفان أنه مناسب، لا تفكران سوى بالجودة».