«استأجر البكاء» من البكاؤون المحترفون .. مهنة جديدة تغزو بريطانيا

يستطيع البريطاني، الذي يتوقع الرحيل - أو يفقد عزيزًا عليه - ويخشى ألا يُشيّع إلى مثواه الأخير كما ينبغي، أن يتنفس الصعداء. فقد نهضت شركات تتولى إمداده بـ«بكّائين» يرفعون عدد السائرين في جنازته والمعزّين في وفاته لقاء بعض المال.
فالمكانة الاجتماعية أحد الهواجس التي تشغل الناس أينما كانوا. والبريطانيون ليسوا استثناء من ذلك وحسب، بل إن الأمر ربما كان من أولويات الناس الرئيسة وهمومهم الكبرى.
وليس أشق على عائلة بريطانية من أن تودع فقيدا لها من دون مشيّعين أو بعدد قليل منهم. ولهذا بدأ تيّار جديد يشتد تدفقا هذه الأيام، وهو اتجاه الأسر لاستئجار «بكّائين محترفين» - مقابل 45 جنيها (70 دولارا) للبكّاء الواحد - عبارة عن ممثلين يمشون في ركب الجنازة ويحضرون مراسم الدفن ويظهرون حزنا قد يصل إلى مرحلة ذرف الدمع السخين على الفقيد الغالي.
ووفقا لصحيفة «ديلي ميل» التي أوردت النبأ، فإن هذه العادة تجد أصولها في الصين وبعض دول الشرق الأخرى، لكن تدفق التيارات الثقافية عبر الحدود العالمية أتى بها إلى بريطانيا أخيرا.
وتقول مراجع عدة على الإنترنت إن البكاء لقاء المال - أو تحت التهديد - بدأ في الأصل لدى قدماء المصريين وكان شائعا في مجتمعاتهم وانتقل منهم إلى الإغريق ثم إلى مختلف الأماكن عبر العصور.
وعُرف هذا التقليد في فرنسا أيضا فظهر في رواية بلزاك «الأب جوريو» الذي حضرت جنازته بكّاءتان محترفتان بدلا من ابنتيه. ويسمى «البكاء المحترف» في الانكليزية moirologist «مويرولوجيست»، ويقابله الـ claqe «كلاك» وهو الشخص الذي كانت مسارح باريس تستأجره للتصفيق والتهليل وعرف فيها باسم claqeur «كلاكير» (المصفّق». وصار هذا المصفق شائعا في العصر الحديث لأغراض سياسية بالدرجة الأولى وإن كان الأمر لا يقتصر على السياسة وحدها.
والتطور الجديد في بريطانيا الآن أن بعض أنحاء البلاد بدأت تشهد نهوض شركات متخصصة في خدمات البكائين. والتقت الصحيفة بإيان روبرتسون، مؤسس إحدى هذه الشركات في برينتري، مقاطعة إيسيكس، فقال إن طاقم شركته من البكائين المحترفين يبلغ 20 الآن. لكنه قال إنها بصدد توظيف المزيد منهم «بسبب ارتفاع الطلب عليهم بشكل مضطرد، وإن كان المفهوم نفسه جديدا على البريطانيين».
وقال: «استلهمنا الفكرة من السرعة الفائقة التي يتنامى بها هذا النشاط في الصين بشكل خاص. العادة موجودة أيضا في بعض بلاد الشرق الأوسط وتتعلق بنساء ينحن ويولولن على الميت. لكننا في بريطانيا نعتبر هذا مغالاة مرفوضة ونركن إلى أن يتم الأمر بشيء من الوقار».
وأضاف قوله: «الحجوزات ارتفعت بنسبة 50 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبالطبع فإن العاملين لدينا يلتقون أهل الفقيد ويتلقون منهم المعلومات الأساسية عنه من عادات ونجاحات وإخفاقات أيضا ويتفقون معهم على كل التفاصيل. بل إن بوسع «البكّاء» ملاقاة الشخص الذي يتوقع الرحيل في وقت قريب والتعرف إليه شخصيا بحيث يصبح «الرابط الاجتماعي» حقيقيا قدر الممكن».
ويقول روبرتسون الذي يسمي شركته Rent A Mourner «استأجر بكّاءً» إن مهام العاملين لديه تقع في إطار رفع عدد المشيّعين والمعزين في حال كان أهل الفقيد يخشون أن يكون هذا العدد صغيرا أو غير موجود أصلا. وتتعدد الأسباب لهذا الأمر مثل أن يكون الفقيد لا يتمتع بالروابط الاجتماعية، أو أنه جديد في المنطقة - وربما البلاد بأكملها - ولا يعرف أهلها.
وتقول جازمين بيرتلز، مؤسسة شركة «موني ماغباي» للاستشارات المالية الشخصية، إن هذه العادة «قد تبدو غريبة للعديد من البريطانيين لأنها تتعلق بشخص يبدي حزنه على آخر غريب تماما عليه. لكنها منتشرة في مختلف رقاع الشرق وأتت الينا مع المهاجرين من تلك المناطق. واليقين هو أنها - مثل كل شيء آخر يبدأ غريبا - ستصبح بمرور الزمن تجارة مألوفة لا تثير دهشة أحد».