طارق الشناوي: فيلم "بابا" اغتاله صُناعه عندما أحالوه إلى نكتة

لم تعد الأفلام المصرية تنفرد فقط بالزبون في دور العرض خلال أيام العيد وذلك طبقاً لقرار وزاري ظل معمولاً به ونافذاً لعدة سنوات متتالية لقد تم اختراق هذا القرار في الأعوام الأخيرة ورغم ذلك كنا دائماً نتابع الفيلم الأجنبي في العيد باعتباره "كمالة عدد" يملأ به صاحب دار العرض عدد من الشاشات الفارغة.. ولكن ما حدث في أفلام العيد الأخيرة وخاصة تلك التي لعب بطولتها نجوم الشباك محمد هنيدى "تيته رهيبة" وأحمد السقا "بابا" وحمادة هلال "مستر أند مسز عويس".. الذي حدث هو أن الفيلم الأجنبي حقق إيرادات لها صدى في الشباك قائلاً للفيلم المصري بصوت مسموع "نحن هنا".


الحالة هذا العيد لم تكن مرضية تماماً ولم تأت على قدر الترقب ولا هي حتى كانت متوافقة مع أسماء النجوم وجاذبيتهم.

وكما قال الشاعر "عيد بأي حال عدت يا عيد" نقولها مرة أخرى "بأي أفلام عدت يا عيد".

هذه المرة ألتقي معكم بفيلم "بابا" لأحمد السقا.. أمسكت الكاتبة "زينب عزيز" بفكرة تمتلئ جاذبية ونسجتها في قالب كوميدي لا يخلو من ومضات إنسانية حيث إننا مع طبيب نساء وولادة عاشق للأطفال ويتزوج و يتوق لطفل من صلبه ولكن تأخر الإنجاب.

الطبيب المتخصص في النساء والتوليد وعلم الخصوبة والحقن المجهري وهو امتداد للعملية الشهيرة باسم "أطفال الأنابيب" هذا الطبيب الذي يستمع إلى الصرخة الأولى للأطفال يحلم بأن تتردد في أذنه صرخة طفل تخصه وحده وعندما يتعذر الحمل بالطريقة التقليدية يقرر الطبيب اللجوء للحقن المجهري.

 الفيلم يمتلك العديد من مقومات صناعة عمل فني به قدر من المغامرة الإبداعية حيث يتناول حالة علمية لم تتطرق إليها السينما المصرية من قبل وفي نفس الوقت فإنه يحيطها بتفاصيل نعيشها في الحياة الاجتماعية.. أسند المخرج الدور إلى "السقا" لكي يمثل هذه المرة ولا يعتمد فقط على لياقته الجسدية في الضرب والقفز بعد أن أصبح يمارس فن التمثيل على طريقة المطرب الذي يشارك في بطولة فيلم.. الجمهور ينتظر منه أن يقدم لهم أغنيات بينما "السقا" عقد اتفاق مع الجمهور يقضي بأنهم ينتظرون منه "شوية" مطاردات وقفزات وضربات خاصة وأن "السقا" يحرص على ألا يستعين بدوبلير في العديد من تلك المشاهد الخطيرة فصار جمهوره يتابعه في الموقف المثير وهو يضع يده على قلبه خوفاً على البطل بأن يصيبه مكروه.. كان ينبغي لأحمد السقا أن يقفز هذه المرة بعيداً عن تلك الأسوار التقليدية التي صارت تحيطه من كل جانب وجاء دوره في "بابا" كطوق نجاه يخرجه من تلك المصيدة الدرامية.. يقدم الفيلم بدون إقحام طبيعة العلاقة بين المسلمين والأقباط متجسدة في حالة الصداقة بين المسلم والمسيحي وذهاب "السقا" للاحتفال بزفاف "إدوارد" في الكنيسة وتبدأ مشاعر "السقا" تتوجه ناحية "دُرة" عندما يراها في الكنيسة ويتقدم للزواج منها ويتوقف الفيلم أمام عملية الحقن المجهري كثيراً وبدلاً من أن يخلص للمنطق العلمي الذي يحيل مثل هذه الأمور التي تتم في إطار طبي محدد وفق قواعد متعارف عليها فإنه يعتقد أن الموقف يُقدم باعتباره نكتة حيث أن السائل المنوي يتم استخلاصه طبقاً للسيناريو بعد الإثارة الجنسية.. وكأنه أراد أن يغتال السيناريو من أجل ضحكة ليست بالضرورة قابلة للتحقق بل أحياناً كانت تؤدي إلى الإحساس بالتقزز.

لا أدري كيف أن الكاتبة "زينب عزيز" والمخرج "على إدريس" يضحيان بالفيلم الذي كان  ينبئ بحالة إبداعية خاصة عندما يتعاملان معه على أساس أنه مجرد إيفيه ونكتة ولم يكتف بتقديمها مرة واحدة شاهدناها في عدة تنويعات نرى فيها المتشدد دينياً الذي أدى دوره "خالد سرحان" يرفض أن يرى أحد زوجته حتى الطبيب ونتابع الثري الخليجي أدى دوره "لطفى لبيب" الذي يصطحب معه أربع زوجات بدلاً من أربعة سابقات قام بالتخلص منهن بسبب عدم قدرتهن على الحمل.. الإيفيه قائم على أن الحيوانات المنوية يتم الحصول عليها بعد الإثارة الجنسية للزوج بأي طريقه وعليه أن يملأ وعاء ضخم بالسائل المنوي.

توقف حبل الأفكار وانقطع التتابع الدرامي فقررت الكاتبة أن تضيف خطين ثانويين من أجل ملأ المساحة الزمنية الفارغة ليمتد الشريط السينمائي إلى ساعتين.. الزوجة تذهب إلى صديقتها تمضي معها إجازتها فتكتشف أن صديقتها المطلقة على علاقة برجل ولا تهتم بمرض طفلها وهي التي ترعاه حتى تنتهي الأم من ممارسة الرزيلة.. بينما "السقا" يسافر خارج الحدود ويكتشف أن صديقة سابقة أدت دورها "نيكول سابا" ربطتهما علاقة جنسية قبل بضع سنوات تستضيفه في منزلها ثم تتركه مع طفل تؤكد له أنه أبيه من علاقتهما القديمة ولا تجهد الكاتبة نفسها كثيراً فهي تنهي كل ذلك بأن كل ما شاهدناه لم يحدث وأن الطفل الذي ادعت أنه طفله ليس طفله وهي لم تعد تحبه فقط أرادت أن تلقنه درساً لأنه تركها بعد علاقة حميمة بينهما بدون حتى أن يسأل عنها بل هي التي تٌصلحه على زوجته "درة" وتقول لها أن هذا طفل لقيط تبنته وليس ابنها.. وتعود "درة" وتحمل طبيعياً وتنجب توأم وتوتة توتة.

الفيلم يقدم بدون مباشرة حالة التعايش بين المسلم والمسيحي مثل تلك اللقطة التي تجمع بين ابن "خالد سرحان" المتطرف دينياً و "إدوارد" وهما يشاهدان من وراء حاجز زجاجى شفاف طفليهما ويقول "صلاح عبد الله" لهما هل احد يستطع أن يعرف من هو ابنه!!

صناع الفيلم اغتالوا أفكاره بيدهم ومع سبق الإصرار والإضرار لأنهم أرادوا أن يتحول إلى نكتة وهكذا لعبوا على موقف واحد لم يتمكنوا من تجاوزه حتى أنك في لحظات تعتقد أنهم يقدمون دعاية لمستشفى متخصص في الحقن المجهري أو لعله قد اتفق مع أكثر من مستشفى أن يقدم دعاية من خلال الفيلم ليمهد الطريق للناس للإقبال على التعامل مع هذه التقنية الجديدة في الإنجاب.

ولم ينس الفيلم كالعادة أن يدعم الموقف بالممرضة التي تفتقر إلى الجمال وتبحث عن عريس وهكذا قدم "إيمان السيد" التي تؤدي دائماً دور العامل المساعد في تعبئة الضحك بأي إيفيه تلقيه بدون منطق فني ولكن مجرد الإمساك بنكتة ولا أتصورها حققت نجاحاً حتى في هذا الشأن.. وهو ما وقع فيه أيضاً المخضرم "صلاح عبد الله" الذي كان تواجده هامشياً من أجل مزيد من الضحك.

"دُرة" تؤدي دورها بقدر من البساطة والاقتصاد في التعبير و"أحمد السقا" كان موفقاً وهو يختار هذا الدور الذي يعتمد على أداء ممثل وليس لياقته البدنية.. "خالد سرحان" كعادته يحيل مشاهده القليلة في أي عمل فني إلى مساحة لا تُنسى فهو يؤديها بخفة دم وتفهم لأبعاد الشخصية ولهذا نكتشف أننا نضحك لصدقه في التقمص فهو لا يقدم نكتة بل دوراً كما أنه يكسر دائماً حالة التنميط التي صارت تسيطر مثلاً على "إدوارد" من فرط تسكينه الدائم في دور صديق البطل بالمعنى التقليدي للكلمة حيث أنه بلا ملامح درامية خاصة فصار هو أيضاً يؤدي أدواراً تتشابه في كل تفاصيلها ويختلط عليك الأمر فلا تدري هو هذه المرة صديق لمن لأحمد السقا مثلاً أم لحمادة هلال.

"بابا" فكرة لم تكتمل وبروفة لعرض كان لا يزال في حاجة إلى الكثير من البروفات ولكنهم فتحو الستار وهو لم يكتمل.. إنه أقرب إلى جنين في شهره الخامس وبدلاً من الانتظار حتى التاسع ولد مبتسراً!!