هورشاتا .. المشروب المرطب الذي أهداه العرب للإسبان

يبدو فصل الصيف في ساحل البحر المتوسط الإسباني خانقا. تظل درجات الحرارة مرتفعة حتى الساعة السابعة أو الثامنة مساء ولا توجد وسيلة «لإطفاء» الظمأ. يظل الحلق جافا بشكل شبه دائم ولا تمنح المشروبات سوى شعور عابر بالراحة.
وربما يكون ذلك هو السبب وراء إدراك سكان فالنسيا أنه عندما أدخل العرب أثناء فتح إسبانيا حب العزيز، الفاكهة الأساسية التي يعد منها مشروب الهورشاتا، كانت في أذهانهم رغبة الآلهة في إطفاء العطش وتقديم الغذاء الجيد في تلك الأشهر الصيفية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كان عليهم خلطه بشيء يجعل طعمه لذيذا، وهو السكر والماء.
مثلما ذكرنا، فإن أساس مشروب الهورشاتا، وهو عبارة عن سائل أبيض أشبه بالحليب يقدم شبه مثلج من خلال عملية مزج عدة مكونات معا أهمها حب العزيز الذي كان يزرع في مصر منذ 3000 سنة. إضافة إلى ذلك، يمكن تناوله كشراب غير مثلج أيضا. في واقع الأمر، يمكنك شراؤه في إسبانيا من المتاجر الكبرى في زجاجات أو عبوات من الكرتون.
عندما وصل العرب إسبانيا، حاملين معهم حب العزيز أو حب الزلم كما يعرف في بعض الدول العربية، وآلاف الفواكه والخضراوات الجديدة، كانت فالنسيا أفضل منطقة لطرح هذا المنتج، والذي يتم تناوله كفاكهة أيضا بعد نقعه في الماء.
ومع ذلك، قاموا بهرسه وأضافوا إليه مزيج السكر والماء، ثم وضعوه على الثلج إلى أن أصبح مجمدا. بعدها، قاموا بتقشيره وتسببت الحرارة في جعل مشروب الهورشاتا يبقى في شكل ثلج مجروش منعش.
تقول إحدى الأساطير إن تسميته ترجع إلى أحد أوائل ملوك فالنسيا، وهو جاومي الأول. فعندما أتى إلى المدينة، استقبلته فتاة تحمل كأسا بها شراب أبيض حلو المذاق. وسأل عما إذا كان هذا الشراب لبنا، غير أنه أدرك فجأة أنه ليس لبنا، وقال: «أو (شاتا) /بمعنى امرأة شابة ذات بشرة بلون الذهب/»، واشتق الاسم الإسباني منه: «هورشاتا».
في الوقت الحالي، لهذا المنتج مكان منشأ في 16 قرية من قرى فالنسيا، حيث نظرا لمناخها، أصبحت المنطقة الوحيدة في إسبانيا التي تنمو فيها هذه الدرنة المميزة، مما جعل للنبات طعما حلوا مميزا ومذاقا قويا.
بالنسبة لهؤلاء الذين لم يشاهدوا هذه الفاكهة قط، يجب أن نضع في حسباننا أن فاكهة جوز النمر قد تكون مستديرة أو مستطيلة. ويكون لها قشرة بنية، تزيد أو تقل درجة قتامة لونها اعتمادا على وقت الحصاد. يتطلب هذا المنتج كمية مياه كبيرة وأن يتم جني المحصول في فصل الشتاء
بيد أنها فاكهة جافة وصلبة، مجعدة مثل الحمص. وعلى الرغم من ذلك، فإنها عندما تنقع، يتضخم حجمها ويصبح لونها أغمق وقوامها ألين، بحيث يصبح مذاقها طيبا وطازجا. وبالنسبة للبعض، يبدو تناول حب العزيز (tiger nuts) أشبه بتناول البذور.
يقول خبراء إن ثمة فوائد عديدة لهذا الشراب. في بعض الأحيان، يحل محل لبن الأبقار بالنسبة لهؤلاء الذين يعانون من عدم القدرة على هضم سكر اللاكتوز وليس هذا فقط لأن الهورشاتا يبدو مشابها جدا للبن، ولكن أيضا لأنه مدر للبول ومنشط.
وهو يعتبر مصدرا غنيا بالمواد المغذية، من بينها فيتامينا «ج» و«هـ» ومعادن مثل الفسفور والمغنسيوم والبوتاسيوم والكالسيوم والحديد، إضافة إلى النشا والدهون غير المشبعة والبروتينات والإنزيمات التي تساعد في عملية الهضم. ويقال إن هذا المشروب يحتوي على نسبة حديد ومغنسيوم وكربوهيدرات تفوق تلك التي يحتوي عليها اللبن نفسه
بالنسبة للشعب الإسباني، أصبح الهورشاتا أيضا أساسا لمشروبات صيفية أخرى، حيث يمكن تناول لبن جوز النمر مع ملعقة آيس كريم (تعتبر الفانيليا أو الكريمة أكثر الأنواع شيوعا، غير أنه بوسع كل مستهلك اختيار المذاق المفضل).
غير أنه يمكن أن يصبح أيضا قهوة الصيف، بتناوله ممزوجا مع قليل من القهوة المثلجة. ويعرف هنا بالمشروب «الأسود والأبيض».
ثمة أماكن حقيقية على شاطئ فالنسيا، تعرف باسم «هورشاتيريا»، نظرا لكونها متخصصة في إنتاج هذا المشروب. بل إنها تقدم طريقة خاصة لإعداد المشروب. وهي تنافس بعضها البعض في القول بأنها مكان تقليدي لاحتساء الهورشاتا وهي تفتخر بحق بوصفاتها السرية التي أحيانا ما تضم إضافة نكهات خاصة مثل القرفة أو الليمون أو البرتقال.
تتمثل الطريقة المثالية للاستمتاع بهذا المشروب في الجلوس في شرفة ببعض الشواطئ الإسبانية في مواجهة البحر وتحريك المشروب بشكل مستمر. ولكن يمكننا إعداده أيضا في المنزل.
تتمثل الطريقة الأساسية لإعداد شراب هورشاتا شهي في الإتيان بحبات العزيز جيدة والتحلي بالصبر لغسلها جيدا قبل استخدامها. فعليا، يجب أن نتركها منقوعة في الماء البارد لمدة 12 إلى 14 ساعة. وبعد انقضاء تلك المدة، علينا أن نقوم بغسلها مجددا وأن نقوم بتغيير الماء إلى أن يصبح نقيا تماما.
بعدها، يتعين علينا تجفيف فاكهة حب العزيز وعصرها في وعاء، مع صب قليل من الماء عند هرس الفاكهة لتجنب فقدان الزيت. ومع ذلك، يمكننا أيضا استخدام ماكينة الهرس التي تعتبر أسهل بكثير. في نهاية العملية، يتعين علينا إضافة الماء وقليل من القرفة إلى الخليط وتركه لمدة ساعتين في مكان بارد.
تتبقى فقط اللمسة الأخيرة: إضافة السكر والتقليب جيدا لإذابة المكونات بالكامل وتمرير المشروب عبر مصفاة شبكية معدنية باستخدام قطعة قماش ناعمة لإزالة المواد الصلبة التي ربما لا يكون قد تم سحقها. بهذه الطريقة، نحصل على شراب الهورشاتا الشبيه بالحليب.
يجب حفظه بالثلاجة لتقديمه باردا، مع الوضع في الاعتبار أن مخفوق اللبن الطبيعي تكون مدة صلاحيته يومين فقط.