روسانو فيريتي .. صاحب أغلى قصة شعر في العالم

فى العاشر من مايو الحالي 2012 استيقظ العالم على خبر وفاة مهندس الشعر، وصاحب المقص الذي غير العالم في الستينات، المبدع فيدال ساسون، وشاءت الصدفة أيضا أن تكون جريدة «الشرق الأوسط» على موعد في صباح نفس التاريخ مع روسانو فيريتي مهندس آخر للشعر، قال عنه الراحل ساسون في آخر مقابلة أجراها منذ شهرين في إحدى الصحف الأميركية إنه سيكون خلفا له في عالم تصفيف الشعر.
افتتح روسانو فيريتي صالونه الأول في لندن منذ شهرين، في منطقة مايفير التي تعتبر من أرقى المناطق اللندنية، وليزيد العنوان أناقة يقع الصالون على مقربة من دار مزادات «سوذبيز»، تصل إليه لتفاجأ بأنه لا يشبه صالونات تصفيف الشعر، لدرجة أنك قد تشكك في العنوان.
الصالون يشغل مساحة المبنى المؤلف من 4 طوابق بالكامل، مدخل أنيق يغلب عليه اللونان الأبيض والأسود، سلم حلزوني يكسوه السجاد الأسود، جدران مطلية باللون الأبيض، ليس عليها ما يدل على أنك في صالون، لا صور عارضات ولا صور قصات شعر.
المبنى فيكتوري قديم، أسقفه عالية جدا تتوسطها ثريات «مورانو» من تصميم فابيرجيه باللون الأسود، تصعد إلى الطابق الأول حيث يكون باستقبالك أحد مدراء الصالون، وتطالعك طاولة مستديرة من الخشب تحل مكان مكتب الاستقبال، أرضية من الخشب الداكن ونفس نمط الديكور البسيط الأسود والأبيض يتسلل إلى باقي طبقات المبنى.
والأهم من هذا كله وحتى الآن أن لا شيء يشبه صالون تصفيف شعر النساء، حيث لا تسمع صوت مجفف الشعر، ولا أصوات النساء تنافس صوت المجفف، وجود المرايا قليل جدا يقتصر فقط على وجود مرآة مقابل كراسي تصفيف الشعر، في حين تم تصميم واحة خاصة لتلوين الشعر عن طريق وضع طاولة مستطيلة طويلة مع أجهزة «آي باد» من دون وجود مرايا، وبالنسبة للمساحة المخصصة لغسل الشعر فهي مخفية وراء باب من الخشب ولا تتسع لأكثر من 3 مقاعد تقابل نافذة عملاقة تسرق الضوء الذي يتسرب من أحد صباحات ربيع لندن الأشبه بشتائها.
ولكن أهم ما يزين أحد جدران الصالون صورة بالأبيض والأسود لوالدة روسانو فيريتي في صالونها في بارما أثناء العمل، وفي زاوية الصالون وضع فيريتي ماكينة قديمة لتجعيد الشعر كانت تستعملها جدته، وتوضع المستحضرات في حافظات خشبية غالبا ما تجدها في المطابخ الإيطالية القديمة لحفظ الأكل والصحون، قام روسانو بجلبها بنفسه من إيطاليا وحولها إلى حاويات جميلة وأنيقة. 
وفي مستهل اللقاء مع روسانو فيريتي الذي يعتبر من أهم مصممي ومصففي الشعر في العالم كان لا بد من التعليق على ديكور الصالون، ابتسم فيريتي وقال بلكنته الإيطالية التي تجعلك تستسلم لمقصه: «المجيء إلى صالوني هو ليس لقص وتلوين الشعر فقط بل هو تجربة فريدة»، مشددا على موضوع الخصوصية التامة التي تحمي جميع زبائنه من نساء ورجال. 
واللافت في الصالون أيضا هو عدم تعدي عدد المقاعد الاثنين في الطابق الواحد، ويعلل ذلك فيريتي بالقول بأنه من  المهم جدا الشعور بالأهمية في صالونه، فهو يصفف شعر المشاهير أمثال ليدي غاغا ومادونا وسلمى حايك وليندا إيفانجيلستا..
 ولكنه يعامل جميع زبائنه بنفس الأسلوب وهذا الأسلوب يعرف بـ «ميتودو» روسانو فيريتي، مما يعني الطريقة    والأسلوب المتبع في جميع صالونات فيريتي المنتشرة في بارما في إيطاليا الفرع الأول والأساسي امتدادا إلى    ميلانو  ووصولا إلى الهند وقريبا في جزر المالديف في فندق «الفورسيزونز» وفي موسكو والصين. 
 عندما تسمع عن نجاحات فيريتي وأسماء الفنانات الذي يتولى تصفيف شعرهن، إضافة إلى توليه تصفيف شعر  أهم  عارضات أزياء في العالم في عروض «فيرساتشي» و«أرماني» وغيرهما من أهم عروض الأزياء يخيل  إليك بأنه  سيكون متعجرفا ومن الصعب التكلم معه، ولكن في الواقع لم يتخل فيريتي (52 عاما) عن التواضع  وروح الدعابة التي  يشتهر بها أبناء وطنه، هندامه أنيق وبنفس الوقت عصري جدا، حليق الشعر، وهذا الأمر لا  يزعجه، على الرغم من أنه  يتعامل مع شعر الآخرين بصفة يومية.
بدأت قصة فيريتي في مسقط رأسه في مدينه بارما الإيطالية الصغيرة، فوالدته كانت تملك صالونا لتصفيف الشعر، وبحسب ما قاله كانت مبدعة في مجال تلوين الشعر تأثر بها كثيرا وتأثر أيضا بجده الذي كان هو الآخر يملك محلا صغيرا للحلاقة الرجالية.
ومنذ أن كان فيريتي في سن الرابعة عشرة كان يميل إلى هذه المهنة وكان يوجد كثيرا في المحل مع والدته، وفي يوم من الأيام نصحه جده بالالتحاق بمعهد تعليم مهنة الحلاقة وتصفيف الشعر قائلا له: «يدك خفيفة على الشعر ولديك قدرات هائلة في هذا المجال»، وسمع كلام جده والتحق بالمعهد، وكان سعيدا جدا، خصوصا أنه كان الصبي الوحيد بين 17 فتاة وهذا حلم كل شاب في مقتبل العمر. وكان يجرب القصات وتصفيفات الشعر على صديقاته. 
طموحات فيريتي كانت تتعدى مساحة بيئته الصغيرة فهو يقول إن عدد الخرفان في بارما في الماضي كان يتعدى عدد سكانها من البشر، فكان لا بد من تركها لتوسيع آفاقه، فتوجه إلى لندن، ولم يكن في جيبه أكثر من مصروف أسبوع واحد، التحق بمعهد فيدال ساسون وتتلمذ على يده. 
افتتح أول صالون له في بارما وشاركته والدته العمل فيه، ولكنها سرعان ما اعتذرت عن المهمة التي استمرت 6 أشهر واصفة إياها بالصعبة وتفرغت للعناية بوالده المريض، ويقول هنا فيريتي إن والدته وجدت العمل معه مضنيا فهو حيوي جدا ولا يقبل بالقليل. 
شاءت الصدفة أن يلتقي فيريتي بمصمم الأزياء جورجيو أرماني وعمل معه على عدد من عروض الأزياء والتقى الكثير من الشخصيات المهمة، وعمل أيضا على عروض «فيرساتشي»، ويعترف فيريتي بأنه كثيرا ما عرف بأنه سوف يصبح مهما في يوم من الأيام. 
تعلم فيريتي الكثير من فيدال ساسون في مجال قص الشعر واستهلم الكثير من الأفكار أيضا من أمه، ولكنه لم يكن ممتنا، وكان يعتبر أن هناك حلقة ضائعة في طريقة قص الشعر، وفي مرة من المرات كان موجودا مع فريق التصوير في مالطا، وفي تمام الساعة الخامسة صباحا استيقظ برؤية جديدة لقص الشعر، اتصل بالعارضة الأساسية ليطلب منها لقاءه لقص شعرها فاعتبرته مجنونا، ولم تصدق طلبه فألح مجددا، فالتقته مقابل الشاطئ وبدأ يقص شعرها بالطريقة التي حلم بها، وراح يتراقص حول رأس العارضة لدرجة أنه لم يعد يرى المقص وهذا ما أراده، واكتفى بتتبع ثنيات الشعر الطبيعية وقصه بأسلوب يريحه ويجعله يبدو خفيفا وسهل التصفيف من دون مجفف شعر. 
إلى جانب الصالونات التي يملكها فيريتي حول العالم، هناك المعهد الخاص بتدريب المنتسبين للعمل معه فقط في بارما، وتديره شقيقته الوحيدة لورينزا، وهي إحدى ممثلات شركة «لوريال» العالمية، وهي تقوم بعملية التدريب لمدة عام كامل ويتم بعده توظيف المتدربين في أحد صالونات فيريتي. 
ويقول فيريتي إن هناك شريحة كبرى من الرجال الذين يزورون صالوناته، وللدقة فإن مردود صالونه المادي في الهند يعتمد على نسبة 30 في المائة من الرجال، وهذه النسبة عالية جدا وآخذة في الزيادة. 
وعن اختيار القصة للمرأة وقصته المفضلة، يقول فيريتي إنه لا توجد قصة واحدة يحبذها، ولكن من المهم جدا قص الشعر بحسب تقاسيم وجه المرأة التي يعتبرها ملهمته. ومن المهم أيضا التعرف على شخصية السيدة قبل قص شعرها أو حتى تلوينه، أسلوبها في اللبس يعطي دلالات مهمة عن شخصيتها وما يليق بها. 
قصة الشعر على يد روسانو فيريتي تكلف 1000 دولار أميركي، وهذا الرقم يعتبر الأعلى، وعن هذا الموضوع يقول فيريتي إنه لا يرى سعره عاليا، فأسعاره توضع بحسب جغرافية الصالون، ويقول الصالونات العالمية أسعارها عالية، كما أنه لا يستقبل أكثر من 8 زبائن في اليوم، فهو ضد العمل بصيغة الجمع والعدد، ويعتبر أنه يملك صالونا وليس سوبر ماركت. 
وبالعودة إلى الحديث عن قصات الشعر، يقول فيريتي إنه سعيد جدا في صالونه في مومباي، لأنه استطاع إقناع الهنديات من سيدات مجتمع وممثلات بوليوود بالتخلي عن الشعر الطويل المنسدل والتعرف إلى قصات جميلة، ويعتبر صالونه في الهند من أنجح صالوناته وهو محجوز بالكامل يوميا. 
وعن العربيات يقول فيريتي إنه من أشد المعجبين بذوق السيدات العربيات ويجد أنهن يملكن شعرا رائعا ولديه الكثير من الزبونات العربيات والأميرات العربيات أيضا، ويقول إن لديهن ذوقا رفيعا، وبسؤاله عما إذا كان يخطط لافتتاح فرع جديد في دبي، قال فيريتي إنه يأمل ذلك ويتمنى لو أنه يجد شريكا في الإمارات، ففي رأي فيريتي من المهم أن يكون هناك شريك يفهم اللغة ويعرف أسلوب الحياة في المدينة. 
وعن الفرق بينه وبين فيدال ساسون يقول فيريتي إن ساسون - رحمه الله - ركز أكثر على مدارسه التدريبية، إنما هو يركز أكثر على صالوناته التي لا يمكن إدراك مفهومها إلا من خلال تجربتها وزيارتها.