وفاة فيدال ساسون .. العصامي الذي غير وجه مهنة تصفيف الشعر إلى الأبد

حلم بأن يصبح مهندسا .. ومن مدرسة الباوهاوس استلهم قصات شعر مبتكرة- الشعر القصير حالة ذهنية ونفسية ولا علاقة له بالعمر
حلم بأن يصبح مهندسا .. ومن مدرسة الباوهاوس استلهم قصات شعر مبتكرة- الشعر القصير حالة ذهنية ونفسية ولا علاقة له بالعمر

عن سن يناهز الـ84 عاما، توفي فيدال ساسون، أشهر مصفف شعر عرفه هذا القرن. مثل كوكو شانيل التي حررت المرأة من الأزياء المقيدة بدءا من الكورسيهات إلى التنورات الطويلة في العشرينات من القرن الماضي، جاء ساسون في الخمسينات والستينات ليحرر المرأة من تسريحات الشعر المنمقة والمرفوعة على شكل شينيون أو خلية نحل، متسببا في إفلاس صناع لفافات الشعر وغيرها بعد أن جعلها موضة قديمة.
بالنسبة له كانت هذه الأساليب تأخذ حيزا كبيرا من وقت المرأة وهي لا تحتاج سوى إلى قصات شعر قصيرة وجد مبتكرة، قد تكون هندسية وأحيانا قاسية، لكن ميزتها هي «غسل الشعر والخروج به مباشرة من دون حاجة إلى أي جهد». 
كانت فكرته ثورية وبالنسبة للبعض رائدة، بحيث شبهه البعض بكريستوفر كولومبس، على أساس أنه أيضا اكتشف كيف يخاطب العالم من خلال قصاته، وبلغة موضة يفهمها الناس بسهولة. لهذا ليس غريبا أن يلهم الكثير من الشباب الذين امتهنوا تصفيف الشعر بعد أن رأوا ما حققه من نجاحات فنية وتجارية. 
فبعده لم تعد حلاقة الشعر عادية يعمل فيها كل من أراد عملا يقتات منه، بل العكس أصبحت مجالا للإبداع يفتح لصاحبه آفاقا كبيرة ما دامت لديه الموهبة والرغبة في النجاح. وهذه كلها ميزات امتلكها الراحل، الذي كانت رغبته في تحقيق ذاته قوية ورؤيته واضحة، عدا أن التوقيت كان في صالحه، مما سرع في بزوغ نجمه، لا سيما بعد أن تبنت نجمات من مثيلات ميا فارو، العارضة تويغي، وغيرهما تسريحاته. 
من دون أن ننسى أن الكثير من محررات الموضة وقعن في غرام كل ما يبدعه مقصه، مما جعله يصبح الحاضر الدائم على صفحات المجلات ومنها إلى شوارع لندن. لم تمر إلا سنوات حتى انتقل فيدال ساسون الشاب من شقة صغيرة في شرق لندن إلى بيت فخم في بيفرلي هيلز، وأصبح في عداد الأثرياء بعد أن توسعت إمبراطوريته من مجرد صالون للحلاقة إلى شركة لبيع مستحضرات عناية بالشعر وجدت لها منافذ في كل أنحاء العالم تقريبا.
ما يحسب له أنه ليس مبتكرا أو رائدا عبد الطريق للكثير من مصففي الشعر العالميين فحسب، بل أيضا عصامي حقق نجاحه من الصفر. فقد ولد في منطقة «وايت تشابل» شرق لندن لأب كان يبيع السجاد وهجر بيته وعائلته وفيدال لم يتعد الخامسة من عمره. 
وكانت النتيجة أنه عاش وأخوه الأصغر، إيفور، في ميتم لست سنوات قبل أن يعود للعيش مع والدته بعد زواجها الثاني. ومع ذلك، كانت الأسرة تعيش حالة فقر لم تساعده على إكمال دراسته، لهذا غادر كراسي المدرسة وهو في الـ14 من عمره ليعمل كبائع شامبوهات في صالون «كوهين للتجميل والحلاقة» لمدة عامين. 
في الـ17 من عمره غادر إلى إسرائيل للالتحاق بالجيش، وهناك أراد الالتحاق بمعهد لدراسة الهندسة لكنه اضطر إلى العودة إلى لندن لإعالة عائلته الفقيرة. عندما عبر لوالدته عن رغبته في أن يصبح لاعب كرة قدم، رفضت وقالت له إنه يجب أن يكون حلاق شعر، بحكم أنها المهنة التي كان يعرفها ويحصل منها على قوته. لم يتمرد على رغبتها، لكن طموحه كان أكبر من أن يبقى مجرد صبي حلاق. في المساء، وبعد العمل، كان يزور المسارح، كما انخرط في مدرسة لتعلم النطق الصحيح للتخلص من لكنته التي تشي بانتمائه للطبقة العاملة. 
كان واضحا أنه لم يكن راضيا عن وضعه وأنه كان يشعر بأن بداخله طاقة يريد تفجيرها في شكل من أشكال الإبداع. وكانت البداية هي الاستقلال، بافتتاحه أول صالون له وهو في الـ26 من العمر، في «بوند ستريت». كان المحل صغيرا إلى حد أن الزبونات كن يضطررن لانتظار دورهن على السلالم. لم يمانعن في ذلك، فقد كانت المكافأة كبيرة وهي الحصول على لمسته التي أصبحت معروفة في كل أنحاء لندن. 
في عام 1958، انتقل إلى مكان أكبر وابتكر ما أصبح يعرف بـ«شايب» أو الشكل، ماركته المسجلة، الذي استلهمه من مدرسة الباوهاوس التي درسها وتأثر بها، وهو عبارة عن قصة قصيرة بغرة مبتكرة تبدو فيها المرأة وكأنها صبي. 
في لقاء أجرته معه «لوس أنجليس تايمز» في عام 1993 قال: «كانت فكرتي أن أقص أشكالا، وأن أتعامل مع الشعر كما يتعامل المصمم مع القماش، والتخلص من أي شيء زائد ولا حاجة له. كانت المرأة بدأت تخرج للعمل، وتكتسب قوة، ولهذا لم يكن لها الوقت لكي تجلس تحت مجفف الشعر لساعات». 
في عام 1963 أعاد صياغة تسريحة الـ«بوب» أو الـ«كاريه» كما تعرف باللغة الفرنسية بطريقته. ويعود الفضل في عودته إلى هذه التسريحة إلى تعامله مع المصممة ماري كوانت، التي كانت في الستينات، القوة المحركة لموضة الشارع في لندن والعالم ككل. بعد تعامله معها، أصابته العدوى، ولحق بها كقوة محركة في مجال الشعر. 
لم تكن كوانت المصممة الوحيدة التي تعاون معها، فقد كانت له مساهمات في الكثير من عروض الأزياء والأفلام السينمائية، مما ساعد على فتح الكثير من الأبواب في وجهه. ففي عام 1966، وفي عرض المصمم إيمانويل أونغارو، مثلا، أدهش العالم بتسريحة مجعدة مستوحاة من فيلم «كلارا باو» في العشرينات، وفي عام 1968 أثار الكثير من الجدل عندما استعانت به استوديوهات هوليوود لابتكار تسريحة ميا فارو في فيلم «روزماريز بايبي»، وكلف سفره حينها الاستوديوهات 5000 دولار، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت. 
كان دائما يصرح بأن الستينات كانت الحقبة التي يدين لها بالنجاح، ففيها بدأت المرأة تعيش حريتها وتتخلص من قيودها الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي انعكس على الأزياء القصيرة والفساتين الناعمة التي تخاصم الخصر إلى حد ما، وتسريحات الشعر القصيرة وماكياج العيون الواضح. وكان شارع «كارنبي» القريب من «أكسفورد ستريت» و«ريجنت ستريت» القلب النابض للندن في تلك الحقبة، لأنه كان المكان الذي يتسوق منه نجوم الموسيقى ويستلهم منه صناع الموضة أفكارهم ويسوقونها للعالم. 
لكن ساسون، لم يكن قانعا بما حققه في لندن وبدأ يصوب أنظاره نحو العالمية، وهذا ما قام به في عام 1964 بافتتاحه أول محل له في نيويورك. لم تمر سوى خمس سنوات، حتى افتتح محلات أخرى في كل من تورونتو وبيفرلي هيلز، ومدرسة في لندن في عام 1973 تلتها ثلاث مدارس أخرى في أميركا وكندا وألمانيا بالإضافة إلى إطلاقه مستحضرات خاصة بالصالونات في منتصف السبعينات. بعد ذلك، خفف من عمله ولم يعد يقص الشعر إلا في حالات نادرة جدا، ووجه اهتمامه إلى التلفزيون والدعاية لمستحضراته. 
حياته الشخصية كانت صاخبة ومثيرة مثل حياته العملية، فقد تزوج أربع مرات، وفي كل مرة كان زواجه يعكس حالته الاجتماعية إلى حد ما. في عام 1956، تزوج من إلين وود، التي كانت عاملة استقبال في صالونه وانتهى الزواج بالطلاق في عام 1963، بعد أربع سنوات تزوج من الممثلة الكندية، بيفرلي آدمز، وأثمر الزواج أربع أولاد. وعندما انتقلا إلى لوس أنجليس في السبعينات، دخلا في عدة مشاريع تجارية مع بعض منها نشر كتب عن الصحة والجمال، كما جرب تقديم برنامج تلفزيوني عن تحسين الحالة الصحية والجمالية. 
زواجه الثالث كان في عام 1983 من جانيت هارتفورد ديفيز. وتزامن هذا الزواج مع بعيه أسهم شركته لـ«بروكتر آند غامبل» الأمر الذي ندم عليه فيما بعد. في عام 1992 تزوج من روني هولبروك، وهي مصممة عمل معها على تجديد بيتهما في بيفرلي هيلز ليحقق حلما طالما راوده بأن يصبح مهندسا معماريا، وساعدته ثروته والوقت لكي يحقق هذا الحلم الذي راوغه في صباه وشبابه. 
مات فيدال ساسون بعد معاناة مع مرض اللوكيميا لكن ما من شك أنه خلف إرثا لن تنساه المرأة ولا شك ستعود إليه في يوم الأيام، سواء كان قصة الـ«بوب» أو قصة «الآلهة الإغريقية» تلك القصة القصيرة المجعدة، التي استلهمها كما قال من نساء أفريقيات أثرن انتباهه في منطقة هارلم بنيويورك. 
قيل عنه:
- مصفف الشعر فريدريك فكاي المعروف، قال إن ساسون كان رجلا غير عادي: «لقد كان فنانا بكل معنى الكلمة ويتمتع برؤية مستقبلية.. لقد عبد الطريق لأسلوب حداثي وأثر على الموضة وعالم التجميل». 
من أقواله: 
- «سواء كان الشعر طويلا أو قصيرا، فإنه يجب أن يكون منحوتا على شكل وجه المرأة».