دراسة طبية: نقصان الحديد يؤدي إلى تغير في شكل خلايا المخ

نقصان الحديد يؤثر على خلايا المخ والدراسات تنصح باكتسابه من المصادر الطبيعية بدلا عن الدواء
نقصان الحديد يؤثر على خلايا المخ والدراسات تنصح باكتسابه من المصادر الطبيعية بدلا عن الدواء

يعتبر تناول الأدوية التي تحتوي على الفيتامينات وخصوصا الحديد من الأمور المعتادة بالنسبة للأطفال والمراهقين حتى دون استشارة طبيب، حيث توجد قناعة لدى الكثير من الآباء بأن هذه الفيتامينات تساعد على النمو وتحسين الصحة، خصوصا إذا كان الطفل ضعيف البنية.
والحقيقة أن هذه القناعات ليست صحيحة تماما، والثابت علميا أن الدواء حتى لو كان فيتامينا أو بديلا لأملاح معدنية معينة مثل الحديد أو الكالسيوم أو غيرها يجب أن يتم تناوله تحت إشراف طبي لتحديد الجرعة المناسبة لكل عمر وظرف مرضي ولمدة محددة، وذلك لأن الجسم يستفيد من هذه الأملاح المعدنية أو الفيتامينات في تركيزات معينة وتوازن معين داخل الجسم.
ومثلما يمكن أن يمثل نقصها اعتلالا بالصحة، يمكن أن يحدث اعتلال أو خطورة طبية من الإفراط في تناولها، ولذلك يجب الاعتماد على المصادر الطبيعية لتوفير هذه العناصر بدلا من البديل الكيميائي (الدواء). 
الحديد والمخ 
في الدراسة الحديثة التي قام بها باحثون من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية، التي تم نشرها في النسخة الإلكترونية لشهر يناير (كانون الثاني) الحالي لدورية أعمال الأكاديمية الوطنية للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences)، رصد الباحثون أن نقص الحديد لا يؤدي فقط إلى ضعف التركيز والإدراك المعرفي للطفل (cognitive problems)، ولكنه يؤدي أيضا إلى تغير في شكل خلايا المخ. 
وكان باحثون في فريق بقيادة الدكتور بول تومسون، أستاذ طب الأعصاب بالجامعة، قد قاموا بقياس معدلات من بروتين معين يحمل الحديد في الجسم وخلايا المخ، يسمى ترانسفيرين (transferring)، واكتشفوا وجود علاقة وثيقة بين معدلات ترانسفيرين في الجسم والتغير في شكل المخ حينما يصل المراهقون إلى بداية المرحلة التي يصبحوا فيها بالغين.
وتوصل الباحثون أيضا إلى مجموعة مشتركة من الجينات التي تؤثر على كل من مستوى الترانسفيرين في الجسم وشكل المخ. وقد يلقي هذا الاكتشاف الضوء لاحقا على الآلية العصبية التي يكون للحديد من خلالها دور في زيادة أو نقص النمو الإدراكي. 
وقام فريق البحث بتجميع صور بجهاز الرنين المغناطيسي (MRI) من 615 شابا من الأصحاء من التوائم والأشقاء البالغ متوسط أعمارهم في حدود 23 عاما، وأيضا تم فحص 574 منهم بنوع معين من الرنين المغناطيسي يظهر تركيب الخلايا الداخلية للمخ ويظهر مدى قوة وكفاءة الغلاف الدهني الذي يغلف خلايا العصبية للمخ ويسمى المايلين (Myelin Sheath)، وهو ضروري لتوصيل النبضات العصبية. ويلعب الحديد دورا كبيرا في تكوين هذا الغلاف. 
وقام الباحثون قبل إجراء هذه الأشعة بقياس معدلات الترانسفيرين بالدم لهؤلاء المراهقين في فترات 12 و14 و16 عاما من أعمارهم، وتبين وجود صلة وثيقة بين توافر الحديد وكفاءة المخ، حيث وجد أن الأشخاص الذين يوجد مستوى عال من بروتين الترانسفيرين بدمائهم، وبالتالي نقص الحديد، حيث يعمل الجسم على تعويض النقص بزيادة نقل الحديد، هؤلاء يوجد لديهم تغيرات في شكل المخ تجعلهم أكثر عرضة للتغيرات السلبية في خلايا المخ. 
وبالنسبة للتوائم تبين أيضا وجود مجموعة مشتركة من الجينات تؤثر على مستوى الترانسفيرين، وشكل خلايا المخ، ومنها جين يسمى «HFE»، الذي يؤثر بالسلب على الألياف العصبية للمخ، ويقلل من كفاءتها على الرغم من أن الأشخاص الذين يحملون هذا الجين لم يظهر عليهم حتى الآن أية أعراض لضعف المستوى الإدراكي. 
وتعتبر هذه الدراسة اكتشافا مهما، حيث إن معظمنا لا يعتقد أن الحديد الذي نتناوله في طعامنا في الطفولة والمراهقة سوف يؤثر على وظائف المخ في البلوغ هذا التأثير البالغ الأهمية، ويؤكد على أهمية اتباع نظام غذائي متوازن في سنوات المراهقة، وهي السنوات التي تنضج فيها مراكز المخ العصبية بشكل كبير، وهذه الدراسة سوف تشجع دراسات مستقبلية لدراسة الروابط بين نقل الحديد في الجسم وتأثيره على خلايا المخ. 
وظائف الحديد 
من المعروف أن الحديد من الأملاح المعدنية الضرورية جدا لجسم الإنسان، حيث يدخل في تركيب الجزء المسؤول عن حمل الأكسجين في كريات الدم الحمراء وهو الهيموغلوبين، وله دور أيضا في صناعة الكثير من الخلايا، وفضلا عن دور الحديد فإن البروتين الذي ينقله الترانسفيرين له دور بالغ الأهمية في وظائف المخ.
ومن المعروف أيضا أن نقص الحديد هو النقص الغذائي الأشهر على مستوى العالم الذي يسبب نقص النمو الإدراكي وضعف التحصيل الدراسي للأطفال في سنوات الدراسة. 
وهناك دراسات توضح أنه في وقت لاحق في الحياة قد تؤدي الزيادة الكبيرة في الحديد إلى تلف في خلايا المخ، وهو الأمر الذي يفسر وجود زيادة في معدلات تركيز الحديد في مرضى الشلل الرعاش وألزهايمر. 
وحيث إن كلا من النقص أو الزيادة في معدل الحديد يمكن أن تؤثر سلبا على الجسم، ولذلك فإن عملية تنظيم نقل الحديد في الجسم هي عملية بالغة الحساسية، وعند نقص الحديد يقوم الكبد بزيادة إفراز بروتين الترانسفيرين لزيادة نقل الحديد، وهو الأمر الذي حاول الباحثون اكتشاف إذا كان شكل خلايا المخ في البالغين يعتمد أيضا على مستوى بروتين الترانسفيرين.
وقد وجدوا أن خلايا المخ التي تعمل بشكل جيد وصحي في البالغين، تعتمد بشكل كبير على مستوى الحديد في فترة المراهقة، فضلا عن وجود جين مسؤول عن هذا الارتباط، وهو الأمر الذي شكل مفاجأة لفريق البحث، حيث وجد أن الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الإدراكي لم يعانوا سابقا من نقص الحديد. 
مصادر الحديد 
يوجد الحديد في الكثير من العناصر الغذائية المختلفة مثل البيض، وخصوصا الصفار، والكبدة والدواجن واللحوم الحمراء، وأيضا في أسماك السلمون والتونة وسمك المحار والخضراوات والسبانخ والشوفان، وأيضا الفواكه المجففة مثل البلح والتين والمشمش والفاصوليا الجافة والفول وفول الصويا، والمكسرات مثل الجوز والزبيب واللوز والشوفان، ويستحسن تناول فيتامين «سي» مع المأكولات التي تحتوي على الحديد؛ حيث يساعد في زيادة امتصاصها، ويستحسن أيضا عدم تناول الشاي مباشرة بعد تناول هذه الوجبات، حيث إن حمض «التانيك» الموجود في الشاي يقلل من امتصاص الحديد. 
ويحتاج الرجل البالغ والسيدة بعد انقطاع الدورة الشهرية إلى نحو 10 مليغرامات يوميا كحد أدنى، أما بالنسبة للسيدات قبل انقطاع الدورة فإنهن يحتجن إلى 18 ملغم يوميا كحد أدنى، وبالنسبة للأطفال من سبعة شهور حتى سن سنة يحتاجون إلى نحو 11 ملغم يوميا، ومن سن سنة وحتى 8 سنوات يحتاجون إلى متوسط من 7 إلى 10 ملغم يوميا، ومن سن 9 سنوات وحتى 18 سنة يحتاج الأطفال الذكور إلى متوسط من 8 إلى 11 ملغم يوميا، وبالنسبة للإناث في نفس الفئة العمرية يحتجن إلى متوسط من 8 إلى 15 ملغم يوميا. 
مخاطر نقص الحديد 
بجانب المخاطر المتعلقة بنقص الحديد التي وردت في الدراسة، هناك أيضا أنيميا نقص الحديد (Iron Deficiency Anemi)، التي تعتبر أشهر مخاطر نقص الحديد، وتسبب الضعف وفقدان الطاقة والصداع، وعدم القدرة على التركيز.
والمعروف أن الأطفال والرضع معرضون لنقص الحديد إذا لم يتناولوا الطعام المناسب، وبالنسبة للرضع حتى 6 شهور يكون لبن الأم مصدرا كافيا للحصول على الحديد بجانب مخزون الحديد الموجود في أجسادهم، وبالنسبة للأطفال الذين لا يرضعون رضاعة طبيعية يجب تناولهم أنواع معينة من الألبان مزودة بالحديد.
وبالنسبة للأطفال والمراهقين ونظرا للنمو السريع يحتاجون إلى كميات إضافية من الحديد، ويجب عدم الاعتماد على شرب الألبان فقط، حيث إن اللبن يعتبر مصدرا فقيرا للحديد، ولذلك يجب حثهم على الإكثار من الأطعمة الغنية بالحديد.