هندي يتوصل إلى طريقة لتجفيف الطعام وشحنه إلى أي مكان في العالم

لاليت ميشيري في غرفة التجفيف تلبية لمطالب مواطني بلده في الخارج
لاليت ميشيري في غرفة التجفيف تلبية لمطالب مواطني بلده في الخارج

تسعى الأمهات في الهند، اللاتي يشعرن بالقلق على أبنائهن الذين يدرسون بعيدا عن أوطانهم والمحرومين من الوجبات الشهية المطهية في المنزل، وراء رجل يحول الطعام الذي يطهونه إلى وجبات جاهزة مغلفة. كل ما على المرء فعله هو فتح العبوة وتسخينها في الماء لتصبح جاهزة للأكل.
 
من يستطيع القيام بذلك هو لاليت ميشيري، خريج المعهد الهندي للتكنولوجيا بجامعة مومباي. وكانت رغبته في الاستفادة من الهندسة الكيميائية التي تعلمها في المعهد منذ أربعة عقود بطريقة تدرّ عليه الأرباح هي ما جعلت لاليت واحدا من مشاهير صناعة الطعام والزراعة في العالم اليوم. 
 
ويتولى لاليت منصب الرئيس التنفيذي لشركة «تيك نو كونسالتانتس» التي يملكها. ويعد الوحيد في الهند، وربما في العالم، الذي يجفف الطعام المطهي في المنزل بطريقة لا تستطيع أي شركة استخدامها، على الرغم من سيل الطعام سريع التحضير الهائل المنتشر في السوق. 
 
بعد عمله في الكثير من الشركات الكبرى، كانت آخرها «ويبرو إنديا» للتكنولوجيا التي غادرها في الثمانينات، أسس ميشيري شركة «ريسيرش آند ديفلوبمنت» لتحويل الطعام الذي تنتهي صلاحيته إلى طعام لا يفسد، أو ولا تنتهي صلاحيته.
 
وتشعر راشنا جين، النباتية الملتزمة باتباع النظام الغذائي النباتي، بالسعادة من أن ابنها، الطالب الذي يدرس في الولايات المتحدة الذي كان معتادا تناول الطعام الذي تطهوه له كل يوم، أصبح في إمكانه تناول تلك الوجبات مرة أخرى؛ أهذا سحر؟ لا، بل تقنية. 
 
وتعطي راشنا الطعام الذي يفضله ابنها من دون ثوم أو بصل إلى لاليت، الذي يعالجه ويحوله إلى عبوات تحتوي على وجبات سريعة التحضير. كل ما على أبنائها القيام به هو وضع هذا الطعام في ماء مغلي، ليصبح طعاما شهيا بنكهة الطعام الساخن الذي تطهوه له أمهم. 
 
كان وزن الطعام نحو 12 كغم عندما أرسلته راشنا إلى ميشيري، لكن وزنه أصبح 3 كغم بعد المعالجة، وبات من السهل إرساله عن طريق الجو. وباتت هذه المعجزة في متناول مئات الأمهات مثل راشنا من مختلف أنحاء العالم. وما يميز المنتجات التي يقدمها ميشيري عن تلك التي تقدمها الشركات الأخرى هي احتفاظ الطعام بقيمته الغذائية ونكهته الطبيعية وخلوه من أي مواد حافظة.
 
وتناسب الخدمة مختلف العملاء، حيث كثيرا ما يطلب ميشيري من الأمهات توضيح الشكل الذي يفضل أبناؤهم عليه الطعام، بحيث يستطيع إعداد عبوات تحتوي على طعام يناسب ذوقهم، حتى لا يتخلصوا منه في سلة القمامة. 
 
رغم أن طريقة ميشيري سرية، من الجيد ذكر أن التكنولوجيا التي يستخدمها ميشيري حاصلة على موافقة أكبر معاهد الغذاء والزراعة حول العالم. قضى لاليت 15 عاما من حياته ليحصل على موافقة جميع الجهات حول العالم على طريقته، ولا يعتزم لاليت التحدث بالتفصيل عن هذه الطريقة، لكن وثقت هيئة من الأطباء من مستشفى ساوث هامبتون في المملكة المتحدة مزاعمه باحتفاظ الطعام الذي يقدمه بقيمته الغذائية. واعتبرت منظمة «إندوس أنتربرنيير» غير الهادفة للربح في جنوب آسيا أن طريقته «تكنولوجيا تجفيف موثوق بها».
 
ورغم إدراكه أن هذه الطريقة يمكن أن تدرّ عليه أرباحا كثيرة، من خلال تحويلها إلى عمل تجاري، لا يطلب لاليت الكثير مقابل ما يقدمه من خدمة.
 
ويقول لاليت بصراحة: «الأمنيات الطيبة التي تتلقاها من شخص مكنته من تناول وجبة طعام مثل تلك المعدة في المنزل أهم من المال. إضافة إلى ذلك، أريد أن أنقح فكرتي، وهو ما لن أتمكن منه إذا بعتها»، مشيرا إلى أنه يجني مالا يكفي لاستمرار العمل. 
 
وقد أسس مصنعين تابعين لشركته «تيك نو كونسالتانتس»، أحدهما يتيح تصنيع طعام وزنه 7 كيلو بأربع تنويعات، بينما يتيح الآخر تصنيع طعام وزنه 8 كغم بأنواع مختلفة.
 
ويتم تحويل نحو 10 كغم من الطعام إلى 2.5 كغم. ويبلغ سعر الطعام الذي يبلغ وزنه 7 كغم 45 دولارا، والذي يبلغ وزنه 8 كغم 55 دولارا ويشمل السعر التجفيف والتغليف. ويظل الطعام المجفف سليما على الأقل لمدة عام، لكن ربما يختلف وقت المعالجة من صنف لآخر.
 
ويكره لاليت الشهرة والأضواء، لكنه على الرغم من ذلك شهير في عالم الغذاء والزراعة. ويتذكر عميلته الأولى، وهي صديقة ذهبت ابنتها إلى الولايات المتحدة لاستكمال الدراسات العليا ومرضت خلال الستة أشهر الأولى وخسرت 6 كيلوغرامات من وزنها.
 
ويقول: «اتصلت بي صديقتي، وأخبرتني بتدهور صحة ابنتها، بسبب عدم تناولها الطعام الجيد، على الرغم من أن الفتاة كانت تعرف طهي الطعام بسبب انشغالها بدراستها. ورأيت أنه من المهم أن يحصل أبناؤنا على الغذاء الكافي الجيد عندما يدرسون. طلبت منها أن تمنحني فرصة مساعدتها، وقد فعلت طريقتي العجائب لابنتها».
 
وكان هذه هي لحظة ولادة «الوجبة المعبأة». ومنذ ذلك الحين، يجفف لاليت كل الأصناف على اختلافها، ومنها الكتشيدي والبرياني، فضلا عن أطباق الخضراوات الشهيرة، مثل «غاجار كاهلوا» (الجزر المبشور المطهي في اللبن والزبد)، و«إيدلي» (الأرز المتخمر المطهي على البخار)، وخبز الشباتي الهندي، والراجما المكونة من اللوبيا الحمراء. وشهر أغسطس (آب) يعد من أكثر الشهور انشغالا بالنسبة لميشيري، حيث يسبق بدء فصل الخريف الدراسي. 
 
وأوضح: «من مزايا التكنولوجيا أن تحول دون حرمان أطفالنا أو أزواجنا من الاستمتاع بمذاق الطعام الذي تعودوا عليه، على الرغم من بعد مطابخ أمهاتهم مئات الأميال».
 
وأضاف أنه لا يرحب بمعالجة الطعام غير النباتي بسبب معتقداته الدينية، حيث لم يذق طعاما غير نباتي منذ مولده، لكنه لم يستبعد معالجته للطعام غير النباتي في المستقبل.
 
إن العمل على ابتكار وسائل جديدة في هذا المجال يمنحه شعورا بالرضا، لكنه لم يحولها إلى مشروع تجاري. مع ذلك يقول إنه على استعداد للمغامرة مع الناس الذين يستخدمون أفكاره للخير لا فقط من أجل أغراض تجارية.
 
بدأ ميشيري بالفاكهة والخضراوات الموسمية لأنه «أراد الحد من احتمالات فساد الطعام أثناء نقله من القرى، وكذلك خفض تكاليف النقل من خلال تقليل كمية المحصول المنقول».
 
ويزعم أن عملية تجفيف الطعام في درجة حرارة الغرفة يساعد على احتفاظه بقيمته الغذائية مهما كانت صغيرة، على عكس طرق التجفيف الأخرى التي تعتمد على الحرارة.
 
وأشار إلى بعض الأمثلة المثيرة للاهتمام على وصول طعام خاص إلى بنات وزوجات أبناء في مرحلة الحمل يقمن في مناطق بعيدة، ويتقن إلى تناول هذا الطعام.
 
وقال: «أخبرني رجل مؤخرا أن أخته اشتهت بافبهاجي (قرصا ومزيجا من الخضراوات المطهية بالصلصة الخاصة)، المعد في المنزل، فطلبت منه إحضار الكمية التي تريد تناولها من هذا الصنف، وجففت الكمية كلها، بحيث تتمكن من تناوله في أي وقت تشتهيه». 
 
ويبقى الاختبار الحقيقي بالنسبة لميشيري، الذين يتناولون الطعام الذي قاموا بطهيه بعد معالجته له، على سبيل المثال العائلات التي لديها مشاريع في الهند. ويروي ميشيري اختبار العشاء الذي واجهه، حيث يقول: «لقد أرسلوا إلي أطباقا من (سواتي سناكس) لتجفيفها، واستخدموا عبوة تحتوي على الطعام المعالج لتقديمها في منازلهم.
 
وطلبت عائلة بيرال من ضيوفها تقييم الطعام، وحصل أكثره على درجة 10 من 10، بينما حصل جزء صغير منه على درجة 9.8». ومن أكثر الطلبات التي فاجأت ميشيري كانت تجفيف 150 كغم من الطعام.
 
ويوضح قائلا: «كانت عائلة بيرال متوجهة إلى إسبانيا لقضاء عطلة، وأرادوا أن يتناولوا طعاما مثل الذي اعتادوا تناوله في المنزل». فضلا عن هذا، من عملائه عائلات شهيرة ثرية، مثل العائلة التي تمتلك شركة «آشيان بينتس» و«باجاجيست». 
 
ويصطف الكثير من عملائه الملتزمين دينيا، مثل رجال أعمال «جين»، للحصول على وجبات معبأة لتناولها خلال العطلات ورحلات العمل، خاصة الذين يذهبون إلى دول في جنوب شرقي آسيا، مثل اليابان وتايوان وفيتنام والصين، ويقولون له: «من فضلك أعد لنا الطعام، فنحن لن نستطيع أن نتناول مثله هناك».