«الترومب لوي» .. فن تجميل العيوب

قد يتحول الفن أحيانا إلى خدعة بصرية تلمسها عن قرب لو جلست في أحد الأماكن ولفت انتباهك عبر النافذة منظر للطبيعة الخلابة ذات الألوان الزاهية والطيور المغردة على الأغصان، لكن ما إن تقترب لتنعم بجمال هذا المنظر وتتنفس هواءه وعبيره، حتى تكتشف أنك وقعت في فخ جميل، وأن ما بهر عينيك ليس إلا خدعة بصرية عبر لوحة ثلاثية الأبعاد رسمتها ببراعة ريشة فنان ماهر. وتجدر الإشارة إلى أن هذا فن قائم بحد ذاته له أصول فرنسية ويعرف فيها بفن «الترومب لوي -trompe l'oeil».


هذا النوع من الفن بدأ في عصر النهضة الإيطالية مع بداية القرن الرابع عشر ووصل ذروته في أوروبا خلال القرن السادس عشر. وكان المحرك الأساسي له الاهتمام المتجدد بالأدب والفن الكلاسيكي القديم، وهناك اثنين من الرسامين تنافسا في مسابقة للرسم بهدف إظهار موهبتيهما وكان التنافس على قدرة كل منهما على رسم لوحة تحاكي الطبيعة وتخلق جوا من الخداع البصري لا يستطيع المشاهد معه الجزم إذا ما كانت هذه اللوحة مرسومة بريشة فنان أم أنها شيء حقيقي ملموس.

«زوزيس» كان الرسام الأول والثاني هو «باهرهايزيوس»، حيث قام الأول برسم عنقود عنب ووصلت براعته في محاكاة الطبيعة والتصوير ثلاثي الأبعاد إلى درجة أن الطيور هبطت إلى اللوحة في محاولة التقاط بعض حبات العنب.

ولكن عندما جاء الدور على الرسام الثاني «باهرهايزيوس» أحضر لوحته مغطاة بقطعة من القماش وعندما مد «زوزيس» يده لنزع اللثام عن لوحة منافسه أدرك خسارته للمنافسة حيث اكتشف أن ما ظنه قماشا لم يكن إلا مجرد لوحة منافسه.

ومن أشهر رواد هذا الفن منذ القرن السابع عشر الفنان «صامويل فان»، و«هوجستراتين» و«تشارلز ويلسونبيلي»، و«ويليام هارنت»، و«جون فريدريك بيتو».

أما الرسامون العرب فتعرفوا على هذا الفن في بداية القرن العشرين واستخدموه كأحد العناصر الهامة في إثراء ديكورات الشقق والبيوت والمقاهي على الحوائط والأسقف إلى جانب الكاتدرائيات. في هذه الأخيرة، كان الاتجاه رسم الموضوعات التي تتناول بعض القصص والمواعظ الدينية. ومؤخرا بدأ هذا الفن يأخذ أشكال مواضيع مختلفة تنافس الفنانون على خلق خدع بصرية تعطي بعدا للمساحات الضيقة وانفتاحا وضوءا للأركان المغلقة والمظلمة.

وهذا الفن يستعمل في الغالب للتمويه على عيوب هندسية كوجود عمود خرسانة في وسط الغرفة، أو انخفاض الأسقف والاختلافات في بعض مقاسات الحوائط، أو عدم وجود نوافذ، ووجود بعض الفراغات التي لا حاجة لها، بالإضافة إلى صغر أو كبر مساحات الغرف.

في هذه الحالة يتم رسم ما يوحي للمقيمين والزوار بوجود بعد آخر داخل الغرفة، إذ يمكن رسم نافذة أو باب ومن خلفه منظر طبيعي مع مراعاة لتحديد الزاوية الأكثر مشاهدة عند الرسم.

وقبل الشروع في وضع الفكرة والتخطيط المبدئي للعمل لا بد من التعرف على طبيعة البناء الهندسي والطراز المعماري بحيث تكون روحا واحدة وجزءا مكملا للأجزاء الأخرى من المكان، فلا يظهر الرسم وكأنه نشاز في التصميم.

الجميل في هذا الفن أنه يساعد على منح الجدران الجامدة والصامتة حيوية فتبدو وكأنها تدعونا لكي نحلم ويعيش مفرداتها المستوحاة من الطبيعة في الغالب.

وهنا تبرز أهمية التنسيق بين المهندس المتخصص وبين صاحب المنزل لترجمة أحلامه إلى عمل فني يمكن أن يعالج ويضفي مشاعر كثيرة للمكان ولمن يعيشون فيه.

لكن، متى نستطيع استخدام «الترومب لوي» ليكون بمثابة التعويذة السحرية في إخفاء عيوب البناء والديكور؟

نلخص طرق الاستخدام في التالي:- إذا كانت الردهات المؤدية للحجرات ضيقة،يمكن رسم تكعيبة عنب لمعالجة السقف وفتح منظور جديد برسم سحب وسماء خلف التكعيبة. أما كيف نطبق هذا فبأن نجعل شجرة العنب تخرج من أسفل وتتسلق الحائط إلى السقف، وتلتف على خشب التكعيبة، فيما نجعل السقف مفتوحا مع رسم بعض السحب واختيار ألوان وإضاءة تساعد على أعطاء الإحساس بالاتساع والخروج من فكرة العيش بين جدران صماء.

- للتغلب على مشكلة الغرف الضيقة، يمكن تطبيق نفس الفكرة بأن نرسم زخارف في السقف على أن يتم التنسيق بينها وبين ألوان الفرش والستائر وذلك باختيار ألوان فاتحة.

- عند وجود أعمدة خرسانية أو حوائط في أماكن تخدم تدعيم البناء لكن لا تخدم الشكل الجمالي يمكن التغلب عليها برسم منظر طبيعي أو زخارف نباتية أو رسم نصفها والإيحاء بتكسير بعض من أجزائها وهنا يصبح التعامل معها كعامل فني مستقل عن عناصر الديكور.

- أكثر ما يميز لوحة «الترومب لوي» عن اللوحة العادية،أن الأولى تكون بغرض الخداع في الغالب، فيما تكون الثانية للزينة والاستمتاع، ومع ذلك فإن الأولى تجسد قدرة الفنان على الإبداع والتعامل مع المشاكل، باستخدام الفن لغرض عملي وتزييني في الوقت ذاته. فبإمكانه أن يجعل الناظر يعتقد أن الأسطح المرسومة ليست مسطحة، والحائط الجامد متحرك.

- الألوان في هذه الرسومات في أهمية الأشكال، لهذا ينصح باختيارها وفقا للمكان مع الأخذ بعين الاعتبار رمزيتها وتأثيراتها النفسية. فالأحمر، مثلا، يرمز إلى الطموح الذاتي والحب لكنه يناسب المساحات الشاسعة أكثر.

في غرف المعيشة وغرف الأطفال ينصح خبراء الديكور باللون الأصفر، فهو رمز الشمس والضوء وبالتالي يحفز على النشاط. كما ينصح باستخدام اللون الأخضر، لأنه رمز الخصوبة والنمو، ويعطي إحساسا بالطمأنينة والسعادة، ويمكن استخدامه في أماكن مختلفة من الشقة، كذلك اللون الأزرق، الذي يدل أيضا على الإخلاص والبراءة وينصح باستخدامه في الأسقف.