«الترويقة» اللبنانية مائدة غنية وشهية

يعتبر الفطور أو «الترويقة» كما هي معروفة في لبنان إحدى أهم الوجبات اليومية التي يجب تناولها بانتظام للتمتع بنظام غذائي صحي ومتوازن.


وينصح الاطباء عادة ان يتضمن الفطور نوعية معينة من الطعام تتألف من البروتين والمعادن والكالسيوم والفيتامينات فتكون وجبة كاملة وركيزة اساسية ليوم عمل طويل. وتحتل «الترويقة» في برنامج الغذاء اليومي لدى اللبناني مساحة لا يستهان بها من اسلوب حياته، مما جعلها ضرورة يحتاجها صباحاً للتحلي بذهن صافٍ وعملي.

وتأتي كلمة «ترويقة» من تعبير معروف في لبنان وهو «الرواق» اي الهدوء، فهي إحدى الوجبات التي باستطاعة الشخص ان يعطيها الوقت الكافي لتحضيرها وتناولها، واحياناً تتم العزومة عليها كما على فنجان القهوة، فيسألك احدهم «تروقت»؟ واذا جاء ردك سلباً اصرّ على ان تشاركه الطعام دون مقدمات لان المثل اللبناني يقول: «تروَّق وتفوق ولو بكلمتين» (اي اعط ذهنك الوقت الكافي لتنشيطه).

وتتألف الترويقة اللبنانية من لائحة طويلة منوعة وغنية بالاطباق اللذيذة الخفيفة والدسمة بالامكان جمعها كلّها على مائدة واحدة او تذوقها بالتقسيط، اي توزيعها على مختلف ايام الاسبوع حسب القابلية والوقت اللذين يسنحان للشخص تحديد اختياراته.

وتأتي المنقوشة بالزعتر في مقدمة اصناف الفطور المشهورة في لبنان، فرائحتها الشهية التي قد تتسلل الى الانف من احد الافران الشعبية او المطاعم المتخصصة في تقديمها لا يستطيع مقاومتها عامل مصنع، طالب جامعة، مدير مؤسسة او رجل اعمال.

والمنقوشة التي تطورت صناعتها مع الوقت فأصبح خبزها يتم في فرن غاز بعد ان كان في الماضي يقتصر على الصاج والتنّور والطابونة (انواع افران قديمة تشتعل بالحطب) اصبحت اليوم رمزاً من رموز السياحة اللبنانية بعدما انتشرت الاكشاك الخشبية التي تقدمها في جميع المناطق، كما في جبيل وبيت الدين وصيدا وصور وحريصا وجونيه وغيرها من المدن اللبنانية.

ولم تعد مكوناتها تقتصر على الزعتر والسمسم المخلوطين بالزيت بل ايضاً على الجبنة واللبنة وغيرهما من الانواع التي صارت تعرف باسمها. اما سعرها فلا يتجاوز الالف وخمسمائة ليرة لبنانية اي ما يعادل دولاراً اميركياً واحداً.

ويترافق تناول المنقوشة مع الخضراوات كالنعناع والبندورة او الخيار والزيتون، إضافة الى كوب شاي.

وعادة ما تتضمن مائدة الفطور اللبنانية إضافة الى المناقيش والاجبان والالبان المحلية والمستوردة على انواعها كالعكاوي والبلدي والبلغاري و«الدوبل كريم» والقشقوان، طبق البيض المقلي الذي تتفنن ربة المنزل في تقديمه مع القاورما (اللحم المطبوخ مع الدهن على نار هادئة)، او على الطريقة الاوروبية الاومليت اي «العجة» كما هي معروفة في لبنان.

اما البيض «برِشْتْ» فهو الذي يكون طازجاً ويقدّم بعد طهوه لدقائق قليلة فيتم تناوله لزجاً ممزوجاً مع الملح والبهار.

اما طبق «الكشك» فهو احد اقدم الاطباق المعروفة والمعتمدة في وجبة الترويقة اللبنانية ويتألف الكشك من (لبن الماعز او البقر المجفف بطريقة خاصة معروفة في مناطق الجبل) والمطبوخ مع الثوم او مع اللحم والثوم معاً، ويقدّم ساخناً وهو شبيه الى حد ما بطبق الحساء.

ويندرج طبق «الكشك» في تقاليد الترويقة اللبنانية العريقة تماماً كخبز المرقوق الذي يخبز على الصاج ويأخذ شكلاً دائرياً ويكون رقيقاً، إضافة الى «المشطاح» وهو كناية عن رغيف من العجين يتم مدّه بشكل مستطيل يخبز ايضاً على الصاج ويتناوله اهل القرى مع اللبنة والنعناع والثوم او مع الزبد والسكر.

اما طبق الفول المدمس الذي يتألف من الفول السوداني المطبوخ المضاف اليه توابل عدة كالثوم والليمون الحامض والكمون وزيت الزيتون، فهو ايضاً يزين مائدة الفطور ويقدّم مع الخضار كالفجل والنعناع والبصل الابيض او مع المخللات على انواعها.

واحياناً كثيرة يقدّم هذا الطبق مع زميله «البليلة»، اي حَبّ الحمص المطهو والمضاف اليه الكمون وزيت الزيتون والثوم.

ولا تكتمل الترويقة او اي وجبة اخرى في لبنان دون «شيخ المائدة» كما هو معروف لدى اللبنانيين ألا وهو الزيتون.

ويقدّم الاخضر والمكبوس بالزيت في اشكال عدة كالمسبّح والمشرّح والحار او المرصوص، وذلك حسب الطريقة التي حضّر بها. اما الزيتون الاسود فيقدم فقط مكبوساً بالزيت.

ويستبدل البعض كل هذه الاطباق المالحة بطبق واحد من الحلويات اللبنانية، وأهمها الكنافة التي تشمل نوعين: الكنافة بالجبن والكنافة بالقشدة.

وفي كلتا الحالتين يتألف من عجينة خاصة بالكنافة والجبن او القشدة، ويتم تحضيره بدقة ويقدّم ساخناً بعد ان يغطى بالقطر. ويؤكل مع خبز خاص به يعرف بكعك الكنافة يحتوي على كمية كبيرة من السمسم.

أما من يرغب في تناول الاطباق المالحة المندرجة ضمن قائمة وجبة الترويقة، فباستطاعته ان يختتم طعامه بالمربيات اللبنانية على انواعها والتي ينصح بتناولها صباحاً لأن السعرات الحرارية الموجودة فيها يتم حرقها خلال مزاولة العمل.

واشهر هذه المربيات مربى المشمش والسفرجل والتفاح والفريز والتين، إضافة الى الدبس وهو كناية عن مادة لزجة تستخرج من الخرنوب ويتم خلطها مع الطحينة للتخفيف من طعم السكر الطاغي عليها