معارض العالم ومصممو الأزياء يحتفلون بالرسم المائي

العالم يتنفس فنا .. وكذلك أزياؤك وفي الصورة تصميمات لنينا ريتشي وستيفان رولان
العالم يتنفس فنا .. وكذلك أزياؤك وفي الصورة تصميمات لنينا ريتشي وستيفان رولان

هناك رائحة غريبة في الهواء، ليست رائحة الأزهار المتفتحة أو الفواكه الطازجة، بل رائحة الفن. فسواء كنا من عشاقه أم لا، إلا أننا نتنفسه بشكل أو بآخر. فهو في المحلات، في ديكورات بيوتنا، في أزيائنا، وفي المتاحف والمعارض، لأنه بكل بساطة أصبح موضة العصر.


وليس أدل على هذا من انتعاش المزادات بفضل إقبال الأثرياء على اقتناء لوحات وتحف لتزيين بيوتهم من جهة، وللاستثمار فيها من جهة ثانية، من دون أن ننسى الأزياء التي تحولت منذ بضع سنوات إلى تحف فنية متحركة، والمقصود هنا ليس الـ«هوت كوتير» فحسب، بل أيضا جانب الأزياء الجاهزة. فالمصممون يغرفون من دون هوادة من الفنون بكل أشكالها، الانطباعية والسريالية والعصرية والبوب آرت وغيرها.

لهذا استعدي لمعانقته في موضة ربيع وصيف 2011 بعد أن قدمه لك الكثير من المصممين بألوان باستيلية وأخرى صارخة لكن كلها بنقشات ناعمة ورقيقة، تبدو كأنها لوحات من مونيه أو جي إم دبليو تيرنر أو أنيش كابور وغيرهم. وهذا يعني بلغة الفن تقنية الرسم بالألوان المائية، وهي أقدم تقنية استعملها الإنسان، منذ أن كان يخلط الفوة وهي نبات صبغي مع الماء لطلي جدران كونه. كما أن هذه التقنية تعتبر أول وآخر ما يقوم به الرسام. لكن رغم سذاجته وعفويته أو بساطته، فإنه جذب اهتمام مصممين من أمثال بول سميث، إيلي صعب، بيتر بيلوتو وكريستوفر دي فوس، الثنائي وراء ماركة «بيتر بيلوتو»، دار «نينا ريتشي»، «شانيل»، «دريز فان نوتن» وهلم جرا، ممن ارتأوا أن يرسموا لوحات فنية على فساتين تسر العين والقلب.

ورغم أن الأوروبيين أكثر من غرف من هذا النبع وأسهب فيه، فإن تأثيره من رادارات عواصم عالمية أخرى، بما في ذلك نيودلهي. فخلال أسبوعها المعروف بلاكمي، كانت لمصمميها جولات في المتاحف ورغبة في الجنوح إلى الفنية، مثل مانيش أرورا ونانديتا باسو اللذين استلهما من فن البوب آرت الكثير، في حين استقت ساتيا بول تشكيلتها من لوحات بابلو بيكاسو والبلجيكي رينيه ماغريت. وهذا يشير إلى أنه بغض النظر عن العاصمة والبيئة، فإن فن الرسم يلهم العالم حاليا ويدفعه لمعانقة تقنياته وألوانه مع اختلاف الأسلوب ودرجات الألوان، بما في ذلك الرسم بالألوان المائية، التي كان ينظر إليه في فترة من الفترات على أنه فن للمبتدئين. فهذا الأسلوب يعرف نهضة قوية سواء في المتاحف أو على منصات عروض الأزياء وفي المحلات.

جولة في «التايت غاليري» بلندن هذه الأيام ستأخذ الزائر في رحلة تمتد منذ 800 عام إلى اليوم تحكي فيها بداية هذه التقنية، وكيف تطورت وتشعبت طرقها في التعبير عن الطبيعة والحياة. فقد بدأ هذا الفن كوسيلة عملية للتعبير عن جمال الطبيعة، قبل أن يتحول مع الوقت إلى فن قائم بذاته، يحكي ألف قصة وقصة. الفنان المستكشف جورج كاتلين، مثلا، استعمله في حكي قصص رحلاته الأميركية ما بين 1796 - 1870. كما استخدم لرسم مشاهد من الحرب الأهلية الأميركية.

ويبقى أكثر من أتقن هذا الفن، البريطانيون، ربما لأنهم يعيشون في جزيرة وكان عليهم التحليق بخيالهم إلى ما هو أبعد من حدودهم الجغرافية، وبالتالي لم يقتصروا على رسم الأزهار المتفتحة والمناظر الطبيعة الخلابة، بل استعملوه كوسيلة فانتازية لتوثيق تجارب خاصة أو للغوص في أعماق اللاوعي. لكن شكلها الطبيعي والعفوي الخفيف هو الذي عانقته أوساط الموضة للربيع والصيف.

فالجيل الجديد من المصممين، يرى نفسه ندا للرسامين والنحاتين، ويعمل كل ما في جهده لإثبات أن التصميم لا يقل عن باقي الفنون إبداعا وابتكارا. لكن السبب الآخر الذي شجعه على الغوص في هذا الفن أكثر، انتعاش سوق المزادات خصوصا والفنون عموما، وقناعته بأن الموضة هي الأخرى وسيلة تعكس ميولنا وشخصياتنا وأذواقنا، كما أنها وسيلة نعبر بها عما يختلج بداخلنا أو فقط ما نريد أن نخلفه من انطباع لدى الآخر. والنتيجة أن أزياء هذا الموسم ليست مجرد احتفال بهويتنا الفنية ورغبتنا في الانعتاق من العادي إلى غير العادي، بل هي استعراض لقدراتهم الفنية ورغبتهم الدفينة في الارتقاء بموضة الأزياء الجاهزة إلى موضة فنية، لا سيما أنها تخدمهم وتمنحهم حرية أكبر للتعبير عن قدراتهم.

ولحسن حظ المرأة الأنيقة أن هذا التزاوج بين فن الرسم والتصميم أنتج ثورة إبداعية تصب في صالحها، سواء كان المنبع الذي يستقون منه فنا تجريديا أو سرياليا أو انطباعيا أو حداثيا، كما هو الحال بالنسبة لمصممين شباب ممن عانقوا مدرسة الرسم بالألوان المائية الهادئة إلى حد كبير، فيما يعتبر عوما ضد التيار، بحكم أن موضة الموسمين الحاليين أقرب إلى البوب آرت بألوانها الصارخة والمتوهجة منها إلى الفن الهادئ.

تجدر الإشارة إلى أن علاقة الموضة بالفن ليست جديدة، بل بدأت في بداية العشرينات، وقوي عودها على يد مصممين وفنانين لم يروا فرقا بين رسم لوحة فنية والرسم على القماش أو تصميم قطعة أزياء فريدة من نوعها. وليس أدل على هذا من المصمم الفرنسي بول بواريه الذي كان يدور في فلك الفنانين المعاصرين في تلك الحقبة، يصاحبهم، يقتني لوحاتهم ويستقي منهم أفكاره. ورغم أن معظم الأعمال التي كان يقتنيها كانت من الفن الانطباعي، الذي كان فنا جديدا حينذاك، فإنه كان يقدر كل ما هو حديث ويتذوق بحسه أنه سيكون بداية مدرسة جديدة ومؤثرة .. وقد صرح في إحدى المرات قائلا: «لقد أحببت دائما الرسامين، ويبدو لي أننا نقوم بنفس العمل، وبالتالي يمكن القول إنهم زملائي في المهنة».

لكن بواريه لم يكن وحده المهتم بالفن في بداية العشرينات، وإن كان أكثر من ارتبط اسمه به، ففي بداية العشرينات اهتم الكثير منهم باقتناء اللوحات الفنية والتعاون مع رسامين مثل إلسا شياباريلي التي تعاونت مع جون كوكتو وحولت عدة قطع أزياء إلى تحف قائمة بذاتها، وفي منتصف القرن الماضي كريستيان ديور ثم إيف سان لوران بعده.

ما قام به الجيل الجديد أنه استغل التقدم التقني في مجال الرسم على القماش لصالحه، وتبنى مدارس لم يتم التطرق إليها من قبل من الرسم بالألوان المائية، كما قد يكون الأمر مجرد تأثر بالمعرض الذي أقيم في «لوغران باليه» بباريس عن هذا الفن والمعرض الحالي «ووتر كولور» في متحف التايت للفنون العصرية اللندني، الذي افتتح في 19 من فبراير (شباط) الماضي، وسيمتد إلى شهر أغسطس (آب) القادم.

كيف تلبسين هذه اللوحات المائية من دون أن تغرقي فيها أو في مطباتها؟
- رغم أن الأزياء المطبوعة بهذا الأسلوب سواء كانت على شكل فستان أو قميص أو بنطلون، ستؤكد مواكبتك للموضة والجانب الفني من شخصيتك، فإن البساطة عنصر مهم في التنسيق هنا. فالمظهر العام لا يجب أن يكون متكلفا أو مبالغا فيه، وإلا أعطى نتيجة عكسية.

- الإكسسوارات المطبوعة بهذا الأسلوب مرغوب فيها فقط إذا كانت أزياؤك بسيطة وبألوان أحادية حتى لا تتضارب مع بعضها.

- رغم أن الألوان المستعملة متنوعة ومتداخلة، بعضها هادئ وبعضها الآخر بدرجات أكثر عمقا، لكن كلها قد تغريك بأن تضربي بالحكمة عرض الحائط، فإنه عليك التركيز على الدرجات التي تناسبك وتضفي على بشرتك ألقا. فمهما كان الزي فنيا، فهو لن يخدمك إذا لم يتناغم مع بشرتك.

- امزجي قطعا مرسومة بهذا الأسلوب بألوان أحادية لكن واضحة لمظهر درامي. بنطلون أو تنورة باللون النيلي مثلا مع قميصول منقوش أو العكس.

- مع فستان ناعم البسي جاكتا من الجلد للحصول على مظهر عصري تعكسين من خلاله جمال النقشات والألوان بشكل حيوي.

- لكي تستغلي فستانا استعملته في النهار بتحويله إلى قطعة تناسب المساء حين تتلقين دعوة سهر وسمر لم تكن في الحسبان، ما عليك إلا إضافة حزام لتحديد خصرك وحذاء بكعب عال، وإذا كان الجو باردا لا بأس من جاكت