ظاهرة الرؤية المسبقة .. ما هو تفسيرها ؟

يري الباحثون أنه يتم تخزين الأحداث في ذاكرتنا ومن ثم تترجم إلى إشارات بين الخلايا العصبية في أجزاء معينة من القشرة الدماغية
يري الباحثون أنه يتم تخزين الأحداث في ذاكرتنا ومن ثم تترجم إلى إشارات بين الخلايا العصبية في أجزاء معينة من القشرة الدماغية

هل سبق لك أن دخلت إلي حجرة أو منزل واعتقدت أنك رأيت ذلك المكان من قبل؟ هل رأيت شخصا وظننت أنك رأيته وتحدثت معه من قبل؟ هل تعرضت لحدث أو حديث واعتقدت أنه قد مر عليك مسبقا؟ هل كنت تسير في أحد الشوارع للمرة الأولي ثم طرأ شيء فجأة في عقلك وأخبرك أنك سرت في هذا الدرب من قبل؟ 
 
ربما تكون أيضا جالسا علي مائدة مع عدة أشخاص وتقول فجأة "لقد عشت ذلك  المشهد من قبل"، بل ربما تكون قادرا على أن تستشعر ما سيقال أو ما سيحدث! في الواقع.. قد تبدو الكلمات والإيماءات التي تحدث مألوفة لك ! بالطبع لقد تعرض الجميع لتلك الظاهرة الغريبة.
 
تُعرف هذه الظاهرة بمصطلح  "déjà-vu" أو الرؤية المسبقة.. وقد استُخدم هذا المصطلح لأول مرة من قبل الطبيب الفرنسي "أميل بواريك" في 1876، ثم استُخدم بعد ذلك في جميع اللغات، واستخدم الأطباء أيضا هذا المصطلح فضلا عن مصطلح " déjà vécu " أو "المعايشة المسبقة". 
 
تفسيرات مختلفة لظاهرة الرؤية المسبقة:
يعتقد باحثون أمركيون أنهم عثروا على تفسير لهذه الظاهرة.. "إنها ذاكرتنا التي تترجم ذكري أخري مشابهة" .. وظهرت العديد من النظريات التي تفسر الشعور بالمشاهدة المسبقة.. "إنها عبارة عن صورة خاطئة تلك التي نراها، أو "علة" في الخلايا العصبية، ولكن لا علاقة لهذا الأمر بالأحلام".
 
والآن يعتقد باحثون أمريكيون أن هذا الأمر يرجع إلي ظاهرة تعرف بـ "ذاكرة التعرف"، وهي  التي تجعلنا نتعرف علي صديق في الشارع أو أغنية فى الراديو علي سبيل المثال، ويري العلماء أن هذه الذاكرة  تسمح بالجمع بين أسماء الأشياء أو حتى الأصوات. 
 
للتأكد من أن هذه الذاكرة هي المسئولة، أجرى الباحثون تجارب عديدة وأعطوا للمتطوعين قائمة أسماء مشهورة، ثم أظهروا لهم صور النجوم التي كان بعضها واردا في القائمة، والغريب أنه عندما لم يتعرف المتطوعون علي الأشخاص الذين كان اسمهم في القائمة، ولكن كانت أسماؤهم مألوفة بالنسبة لهم، وحصل العلماء علي نفس النتيجة مع أسماء وصور الآثار (ستونهنج، تاج محل...). 
 
لذلك عندما يكون لديك شعور بالمشاهدة المسبقة، فإن ذلك يُفسر في الواقع بأنك قد  "قرأت من قبل" وصفا مشابها أو "سمعت من قبل " حديثا عن مكان قريب، ويقوم الدماغ بعمل التقريب، أو إذا شاهدت من قبل بنية هندسية مشابهة (مائدة مستديرة على اليسار، لوحة مستطيلة الشكل على اليمين.. إلخ) فيخبرك عقلك أنك تعرف هذا الوضع من قبل.
 
ويري الباحثون أنه يتم تخزين الأحداث في ذاكرتنا ومن ثم تترجم إلى إشارات بين الخلايا العصبية في أجزاء معينة من القشرة الدماغية، بالتالي يمر العنصر الأول على الفور في الذاكرة التي تسمح بتكرار كلمة سمعناها للتو، ثم تنقل إلى الذاكرة العاملة التي تسمح بتذكر بداية المحادثة، ثم يمر العنصر في الذاكرة على المدى القصير، والتي تسمح بتذكر ما فعلناه خلال الأسبوع، ثم أخيرا في الذاكرة طويلة المدى، والتي تسمح بتذكر تواريخ الميلاد على سبيل المثال، هذه التقسيمات هي مجرد إجراءات عرضية إلى حد ما وليست واضحة المعالم. 
 
إذن في المرة القادمة حين تواجه هذا الشعور بالرؤية المسبقة، لا تبحث في ذكرياتك البصرية، ولكن اكتشف حالات أخرى في ذاكرتك. 
 
 ومع ذلك عندما يدخل أحيانا عنصر جديد إلي هذه الدورة، فإنه يقوم بالعودة إلي الخلف قليلا، ويمكن للدماغ أن يقوم بتأريخ ذكري من خلال جمعها مع ذكريات أخري، وإنما هنا يتعلق الأمر بذكري جديدة لا علاقة لها بسابقاتها، فمن اليقين وجود عنصر مخزن بالفعل في مكان ما دون إدراك أنه قد تم اكتسابه في الواقع في جزء من الثانية من قبل.
 
وكما هو معروف أن الدماغ عبارة عن آلة هائلة، وإننا بالفعل بمنأي عن كشف كل أسراره، هذا الجهاز يتعامل فى كل ثانية مع الآلاف من المعلومات (أصوات، رؤى، روائح واتصالات،...) لذا فمن الطبيعي من وقت لآخر أن يتعرض لبعض الخلل، والواقع أنه قد يحدث أحيانا فقدان لبعض المعلومات ويتم التعامل معها على أنها "ذكري". 
 
لذا في هذا التوقيت يكون لدينا الانطباع بالمشاهدة المسبقة، وفي الواقع فإن المشهد يكون جديدا بالنسبة لنا، ولكن تتم معالجته من قبل الدماغ كما لو أنه قد سبقت معايشته من قبل.
 
هذه الظاهرة تحدث في الواقع نتيجة لخلل في الذاكرة يتصل بالتصور على مرحلتين زمنيتين إلي حد قريب مثل فيلم تتناقل فيه الصور والصوت، وتحدث الرؤية المسبقة بسبب وجود فجوة صغيرة بين الترميز العاطفي واللاوعي، بشكل فائق السرعة، لما نراه وبين استعادة الوعي والوصول إلي تصور واع للأداة أو الموقف. 
 
ويري البعض أن هذا الانطباع بالرؤية المسبقة أو المعايشة المسبقة لموقف حاضر لا ينطوي على أي ذاكرة قد تفسره وبالرغم من ذلك لانزال مقتنعين أنه حقيقي. 
 
هذا الاكتشاف تم بفضل العمل على أشخاص مصابين بالصرع في الفص الصدغي الداخلي، ولكن هذا الخلل العصبي قد يحدث لدي الجميع وليس من أعراض الصرع .