شقة ناصعة البياض لا تعترف بالأوساخ والأتربة .. صاحبتها تمتلك شركة تنظيف

عند رؤية صور الشقة ناصعة البياض لملكة تنظيف المنازل، باربارا روكي فيرمان، فإنها تجعل أفكارا غريبة تدور في رأس أي محقق صحافي. تبدو الشقة خالية تماما من الغبار والأتربة والبقع، وتظهر كما لو أن لا أحد من البشر يمكن أن يكون قد عاش أو يعيش فيها.


لهذا كان لا بد من الذهاب لرؤية شقة مدام فيرمان، التي تدير شركة «ليتيل إلفيس» وهي شركة لخدمات التنظيف مقرها نيويورك ويتعامل معها بعض من أبرع مصممي مدينة نيويورك والأشخاص المشاهير.

شقتها تتسم بالبساطة وبكون غرفها ضيقة بشكل مدهش، تتميز بأصداء من ماضي المبنى، فأقصى اتساع لغرفة المعيشة، مثلا، يبلغ 10 أقدام فقط.

والشقة المصممة على يد أوسكار توريس بيضاء تماما، لا تلبي الحد الأدنى من مقومات السكن المطلوبة، فهي تبدو مثل بيت شخص أعزب كان قد انفصل عن شريكه للتو، وقرر العيش بما هو ضروري فقط مع شعوره بالسعادة في رؤية المساحات الفارغة، وكأن زمن الفن والشموع الكبيرة التي جلبها المصمم منذ فترة طويلة قد ولى إلى غير رجعة.

في غرفة المعيشة يبدو الرفان الصغيران فارغين، وتبدو أرفف المطبخ أكثر فراغا من الأرفف الكاملة. كما لا يوجد موقد في مطبخها المجدد. وعندما تطبخ فيرمان لنفسها، تستخدم شواية جورج فورمان القديمة أو جهاز الميكرويف. فهي لم تعد تطبخ ولائم لمجموعات من الأفراد. تقول فيرمان، التي تبلغ من العمر حاليا 72 عاما: «قمت بذلك لمدة 30 عاما، عندما ربيت أبنائي.

والآن كل شيء يخصني ويتعلق بي»، وغالبا ما تقوم شركتها بعمليات الديكور والتنظيف للبيوت والشقق التي تم تجديدها والتي تتكلف عدة ملايين من الدولارات. فقائمة عملائها تضم مصممين مشهورين في مجال التصميمات الداخلية مثل فيكتوريا هاغان وجيفري بيهوبر وكولداغ وتوم فيليسيا وغيرهم.

توضح فيرمان: «نحن لسنا منظفي منازل.. إن عملنا مختلف تماما. منظف المنازل ينظف حوض الاستحمام والأحواض، ولا يمتلك الوقت اللازم لإفراغ خزانة الأدوية، وتنظيف الخزانة وتنظيف زجاجة الدواء التي لم تستخدمها لمدة ستة إلى ثمانية أشهر، وأصبحت غير صالحة للاستخدام، بينما نقدم نحن خدمات ما بعد التجديد، بحيث نفكك كل الخزانات الجديدة في المطبخ والحمام وننقل طاولات الزينة وننظف السجادات على الدرَج»، هل إزالة التراب من فوق السجادات الموجودة على الدرج مختلفة بشكل كبير على عملية التنظيف العادية؟

ترد فيرمان: «ربما لا يحدث هذا فارقا كبيرا. ولكن عملاءنا لا يشترون أغراضهم من شركة (هوم ديبوت) يمكن لأي أحد تركيبها، بل تم تركيب خزاناتهم بواسطة شركات كبيرة ومتخصصة، وصممت من قبل أشخاص مثل ليندا لندن وغيرها. ويمكن أن تباع هذه الخزانات بسعر 20000 دولار أميركي، لهذا يجب أن يكون التنظيف مثاليا».

ولم تكن فيرمان تقصد الخزانات، حيث صححت السيدة لندن هذا الوصف في ما بعد، حيث ذكرت بأنها غرف تبديل الملابس. فالمساحات يمكن أن تصنع من أخشاب الماهوجني، ويتم تشطيبها بجلد الظبي الفاخر، علما بأنها يمكن أن تحمل 300 زوج من الأحذية، كما حدث في إحدى الحالات، ويكون السعر دائما أكثر من 20000 دولار.

هذا العالم الباهر ليس هو العالم الذي نشأت فيه فيرمان. فقد كان والدها تاجرا بحريا، وقضت طفولتها في حي فقير بمنطقة ساوث برونكس إلى أن انتقلت أسرتها إلى حي أميتيفيل على جزيرة لونغ آيلاند، حين افتتح والدها مطعما.

واتبعت فيرمان المسار التقليدي في عقد الخمسينات من القرن الماضي، حيث أصبحت مدرسة في مدرسة ابتدائية وتزوجت محاميا في الثانية والعشرين من عمرها، ورزقت بابن وابنة وعاشت حياة مريحة على نمط حياة الطبقة الوسطى اشتملت على مساعدة (شغالة) ولم تكن تقوم بعملها المنزلي بنفسها.

وفي عام 1974، وبعد 14 عاما، انفصلت فيرمان عن زوجها، وانتقلت مع طفليها الصغيرين إلى قرية غرينيش، وهي ضاحية ربطتها فيرمان بالحياة الرومانسية غير التقليدية. وكانت تحب كونها امرأة عزباء في مدينة مانهاتن خلال هذه السنوات، التي عملت فيها موظفة في مكتب سفريات. رحلتها مع مهنة التنظيف بدأت كعمل إضافي، مع خادمتها، فانس باكستر فوغيل، ومع الوقت تطور الأمر وأسميا شركتهما «باكستر ليتيل إلفيس».

في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1985، وبعد عودتها من عطلة قضتها في المكسيك مع صديقها الثري وابنتها في الطائرة التي كان يقودها، تحطمت الطائرة في مدينة دنفر، وجرحت ابنتها بينما كادت تفقد هي قدمها تقريبا، إلى جانب جروح شديدة في البطن. علاجها استغرق مدة عام ونصف العام، كما شمل الخضوع لجراحة تجميل مع أجل التعامل مع الإصابات والأضرار التي لحقت بها.

بعد ذلك، قاضت فيرمان كل شخص كان متورطا في هذا الحادث، واستخدمت الأموال التي ربحتها من القضية لشراء شقتين صغيرتين في قرية غرينيش.

وانشغلت في تنفيذ بعض التصميمات الجذرية فيهما. بعد ذلك انتقلت إلى قرية وودستوك، جنوب مدينة نيويورك، حيث قامت بالتدريس في المدارس العامة وفي أحد السجون. وبحلول بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، شعرت بأنها كانت تفتقر إلى حياة المدينة، لذا عادت إلى نيويورك واشترت قائمة عملاء شركة «باكستر ليتيل إلفيس» وأسست شركتها الخاصة.

وانتقلت فيرمان إلى الشقة التي استأجرتها بسعر 1200 دولار شهريا، منذ 10 سنوات. في البداية، كانت تنوي استخدامها كمكتب، ولكن الحاجز الذي أقامه الجيران في الشارع في الظهيرة ذكرها بمنطقة برونكس، وقررت أن تجعله منزلها، حيث جددته وشطبته تماما بنحو 30000 دولار أميركي.

من بين التغييرات التي أجرتها عليه، التخلص من الموقد القديم، وتركيب حوض عميق في الحمام، وسرير معلق مثل الأسرة التي رأتها في المكسيك، وأنفقت 1100 دولار لشراء طاولة مصنوعة من خشب نبات «التوليب» من موقع «bauhaus2yourhouse.com» اشترت أيضا أريكة من طراز تشيلسي بمبلغ 1900 من متجر «روم آند بورد» للأثاث الحديث.

وعثر مصمم الشقة أوسكار توريس، على كرسي «إيمس» أعاد تغطيته وتنجيده بجلد أبيض وصباغته بتكلفة 3000 دولار على حساب فيرمان. ولكن لماذا تم تطبيق مخطط اللون الأبيض في كامل الشقة والتفاصيل؟

تقول فيرمان: «أردت الاكتفاء بلون محايد خفيف. كان لدي في يوم من الأيام غرفة اعتدت على القراءة فيها، وفي كل يوم كنت أدخل فيه إليها، كان يغمرني اللون الأحمر الذي يطغى عليها، فكرت مليا وقلت لنفسي: لم لا اللون الأحمر؟ نعم.. أنا أحب اللون الأحمر. ولكن الأمر تطلب بعض التفكير وغيرت رأيي لأنني كنت أريد لونا هادئا لا يقتحم العين».

السؤال الملح أيضا علاقة اللون الأبيض بالأطفال، بما أن لدى فيرمان حفيدة عمرها 6 سنوات ونصف السنة، فهل تجعلها الديكورات البيضاء عرضة للاتساخ بسرعة وهل يثير الأمر عصبيتها؟

ترد فيرمان: «في المرة الأولى التي قفزت خلالها على الأريكة، فقدت أعصابي. وبعدها قلت: من المفترض أن الأطفال يقفزون على الأريكة، المهم أن يخلعوا أحذيتهم».

وتعود فيرمان بالحديث إلى عملها قائلة: «ما أظن أنني تعلمته من حادثة تصادم الطائرة، ومن بعض عملائي الذين يهتمون جدا بأغراضهم هو أن طريقة حياتهم تصبح سخيفة.

قمنا، مثلا، في يوم من الأيام بعملية تنظيف لأن المقاول في شقة مجاورة بمنطقة بارك أفينيو تسبب في اتساخها بالتراب. وعندما فتحت صاحبتها الباب لنا، حيتنا بعبارة: (كل شيء في هذه الشقة تم تصويره، وصولا إلى زجاجات الكوكاكولا).

وكانت بهذا تقول لعمالي بشكل أساسي: (لا تتجرأوا على مجرد التفكير في سرقة أي شيء). لقد كانت حريصة جدا على أغراضها، وخائفة جدا إلى حد تقليل مدة التنظيف».

واليوم تساعد صابرينا، ابنة السيدة فريمان، أمها في إدارة أعمالها. وقد استحدثت هذه الأخيرة أيضا حياة جديدة في مدينة سايوليتا، وهي مدينة مكسيكية ليست بعيدة عن مدينة بورتو فالارتا، حيث كانت تشتري وتدير العقارات المستأجرة. تقول: «عندما تعيش في مجتمع صغير وتحاول أن تحقق تغييرا، يمكنك بالفعل أن ترى أثر ذلك على عملك وحياتك».

ومساهمتها الخيرية تتمثل في شراء رابطات عنق للكلاب الضالة. تعلق: «لقد استغرق الأمر سنوات لكي أدرك أن هناك أشياء لا تستحق القلق بخصوصها. الناس الذين يفعلون أشياء جيدة على هذه الأرض، يجعلون العالم مكانا أفضل. ولا يهم ما الذي تفعله، حتى وإن كان ما تفعله للقطط، فهذا أمر جيد.

أما إذا كنت تفعله من أجل أوغندا، فهذا أمر رائع، وإذا كنت تفعله للأشجار، فسوف يكون الأمر بالمثل. المهم أن كل فرد مدين لهذا العالم بأن يجعله أفضل قليلا».