لون حبة الدواء .. هل له تأثيرات نفسية؟

لون حبة الدواء يولّد حالة من التفاعل والتوقعات والخبرات الحسية
لون حبة الدواء يولّد حالة من التفاعل والتوقعات والخبرات الحسية

لو أن أحد المرضى قُدم له قرص دواء بلون وردي وآخر بلون أصفر، ما الذي يُفضل تناوله منهما؟ وعند تناول قرص دواء بلون برتقالي، ماذا يمكن أن يتوقع البعض أن يكون طعمه؟ وهل اللون الأحمر يعني أن قرص الدواء أقوى في المفعول؟


تشير دراسة جديدة إلى أن لون الدواء يتمتع بأهمية أخرى في نظر المرضى، تطال توقعاتهم لفاعلية تأثيره العلاجي واستجابتهم لتناوله وفق إرشادات أطبائهم، وحتى لطعمه في الفم، وهو ما يستحق التأمل.

إن اختلاف ألوان أقراص الدواء له أهمية، وإلا لكانت أقراص الأدوية المتناولة عبر الفم كلها ذات لون واحد، كما هو الحال مع اللون المائي الشفاف لغالبية أنواع محاليل الأدوية التي تُعطى بالحقن في الوريد أو العضل أو تحت الجلد. وهذه الأهمية تختلف لدى المريض والطبيب والصيدلي عن تلك لدى الشركة المنتجة للدواء.

وبداية فإن أي عقار جديد يدخل إلى عالم معالجة المرضى تكون وراءه شركة صرفت الأموال الكثيرة في أبحاث اختراعه وإجراء دراسات التأكد من فاعليته وسلامته.

ولذا تنال امتياز إنتاجه وتسويقه لسنوات محددة، لا يشاركها فيه أي شركة دوائية أخرى، كي تستعيد الأموال التي أنفقتها وتغطي نفقات الإنتاج والتوزيع والدعاية الطبية، وأيضا لتحقق الربح المادي كذلك.

والأهم هو أن يتم ضمان توفير الدواء للمرضى وفق معايير إنتاجية عالية، لأن الشركة الأم يهمها إضافة إلى الربح المادي سمعة اختراعها ونجاحه.

والشركة التي تخترع الدواء، والتي تنال امتياز إنتاجه وتسويقه لسنوات، تضع مواصفات «النسخة الأصلية» لشكل وحجم ولون قرص الدواء، أو كبسولة الدواء، أو شراب الدواء، أو غيرها من هيئات العقار التي تُقدم للمريض.

ولذا تختار، للقرص مثلا، شكلا ولونا وحجما معينا، لا يتطابق مع مواصفات هيئة أي قرص دوائي سابق، كي يصبح «ماركة تجارية» خاصة بهذا العقار. وبعد سنوات، وحينما تنتهي فترة الامتياز الحصري ويُسمح للشركات التجارية الأخرى بإنتاج هذا العقار، يبقى لون وشكل وحجم قرص الدواء خاصا بالشركة الأصلية. وعلى الشركات التجارية الأخرى وضع لون وشكل وحجم مغاير لنفس قرص دواء العقار ذاك.

من ناحية الطبيب، الأمر مهم لجهة التأكد من سهولة إمساك المريض بقرص الدواء وسهولة بلعه، والتأكد من تناوله بدقة عبر سهولة تمييز المريض له والتعرف عليه كي لا يختلط بالأدوية الأخرى. وكذلك الأمر بالنسبة للمريض، إذ لون الدواء وشكله وحجمه مهم لنفس الأسباب والدواعي لدى الطبيب.

وفي الدراسة الهندية الجديدة، للباحثين في جامعة بومباي بمدينة نيو مومباي الهندية، التي نشرت في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) من مجلة «إنترناشونال جورنال أوف بايوتيكنولوجي» (International Journal of Biotechnology) المعنية بالأبحاث الدولية حول التكنولوجيا الحيوية، قام الدكتور سرفاستافا وزملاؤه بإجراء دراسة ميدانية شملت أكثر من 600 شخص حول نظرتهم إلى اختلاف ألوان الأدوية وتأثيرات ذلك عليهم، وتحديدا أقراص الأدوية التي تتوفر في الصيدليات ويمكن الحصول عليها دون الحاجة إلى وصفة طبية (OTC).

ولاحظ الباحثون أن الغالبية تفضل القرص الدوائي ذا اللون الأحمر أو الوردي، مقارنة ببقية الألوان، وأن لون قرص الدواء كان لدى ثلاثة أرباعهم وسيلة لتذكر الدواء وضمان الاستمرار في تناوله.

ولكن العلاقة بين لون الدواء وطعمه كانت لافتة للنظر، ذلك أن 14% منهم يتوقعون أن الدواء الوردي أحلى في الطعم من الدواء الأحمر، وأن الدواء الأصفر يكون ذا طعم مالح. كما يعتقد 11% منهم أن الدواء الأزرق أو الأبيض يكون مُرا، ويعتقد 10% منهم أن الدواء البرتقالي طعمه حامض. وهذه التوقعات كلها مبنية على اللون فقط، بغض النظر عن مكونات القرص الدوائي أو طعمه الحقيقي أو غاية تناوله.

ولاحظ الباحثون كذلك أن ثمة «جاذبية» للون الأحمر، ذلك أن غالبية متوسطي العمر والشباب، وخصوصا الإناث منهم، ذكروا أنهم يفضلون الدواء ذا اللون الأحمر عند الاختيار بين الألوان المختلفة لأقراص عقار واحد تنتجه عدة شركات.

وأفاد الباحثون أنه في كل مرة يتناول المريض فيها قرص دواء تحدث حالة من التفاعل النفسي الذي يتضمن توقعات وخبرات حسية حول شكل ولون الدواء، ما قد يكون له تأثيرات قوية على نظرة المريض لقوة وفاعلية تأثيرات الدواء العلاجية.

وطالبوا بتوظيف هذه المعلومات لأن مما يُلاحظ أن الوسط الصيدلاني لا يُعير مسألة اللون أهمية في جانب التأثيرات النفسية العلاجية، أي في إشارة منهم إلى أن الأوساط الطبية يهمها اللون بالدرجة الأولى لتمييز دواء معين عن بقية الأدوية منعا لحصول أخطاء في تناول الأدوية أو خلط بعضها بالبعض الآخر.