المرأة العربية بين إغواء الموضة وولع الشراء والتسوق

لم يعد التسوق وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل أصبح ما يشغل بال المرأة وتفكر فيه أثناء يقظتها ونومها على حد سواء وربما أكثر من زوجها أيضاً.
لم يعد التسوق وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل أصبح ما يشغل بال المرأة وتفكر فيه أثناء يقظتها ونومها على حد سواء وربما أكثر من زوجها أيضاً.

لقد أضحى التفكير فى إغواء المرأة لشراء زوج من الأحذية ذي الكعب العالي أو حقائب اليد الجلدية، شغل مصممي الأزياء الشاغل، ولكن هل دفع ذلك النساء للسيطرة على ما يقومون بشرائه أم أنهن انجذبن إليه دون وعي أو إدراك؟هذا ما ستعرفينه معنا الآن:


مع وجود بحور من المتاجر والمولات فى بلادنا العربية، ظهر العديد من مصممي الأزياء والماركات العالمية التى أغرت النساء بالاندافع إليهم، ولم يعد التسوق وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل أصبح ما يشغل بال المرأة وتفكر فيه أثناء يقظتها ونومها على حد سواء وربما أكثر من زوجها أيضاً.

والسؤال هنا ما الذي يدفع النساء لإغداق الكثير من الأموال على مشترياتهن؟ وما الذي يجعلهن يتجهن إلى متجر معين دون الآخر؟ وكيف تعمل المحال والماركات التجارية على إغوائهن؟

تقول Eda Kuliglu المدير العام للتسويق بمحالHarvey Nichol: "إنه بحكم خبرتي فهناك عدد وفير من النساء العصريات اللواتي يردن البقاء على الموضة دائماً، ويكنّ أول من يظهرن بأحدث الأزياء والماركات".

وسواء قام الفرد بالشراء أم لم يقم به، فإنه لديه الكثير من ردود الأفعال تجاه السلع المرئية حيث إنها تعد من أهم العوامل لترويج المبيعات.وتضيفEda : "فالسلع يجب أن تتحدث عن نفسها، وكيف يمكن أن تجذب الآخرين لرؤيتها والإعجاب بها، ومن ثم شراؤها، وكذلك فالنظافة العامة والممرات الواضحة والسلع البسيطة والجودة والتقنية العالية تساعد التجار للتأثير على عقلية المشتري، وأخيرا اتخاذ قرار الشراء".

ولفهم المشتري أو الزبائن تلاحظ Eda أن التجار يقومون بعمل بحوث تسويقية، من خلال جمع العديد من السجلات وتحليل البيانات التى تركز على فهم ومعرفة سلوك واتجاهات الجمهور وما يفضلون شراؤه.

التسويق:
إن خلق الخبرة الشرائية لدى المستهلك عمل " Saatchi & Saatchi X" الرائدة فى مجال التسوق الشرائي، والتى تسعى لفهم دوافع المشتري وعواطفه، ومن ثم تنصح التجار بكيفية تنظيم متاجرهم، وكذلك إعلاناتهم من أجل ضمان الشراء.

ويذكر Richard Nicoll : "إن هذا يحدث عن طريق ملاحظة أنماط الشراء من خلال بيانات العملاء، وسؤال المتسوقيين لتدوين مشترياتهم، وكذلك تحليل البيانات الكمية من خلال كروت المشتريين المتكررة أو قاعدة البيانات الخاصة بالتاجر".

إذا فما الذي يدفعك لاختيار ماركةFendi  عن Chanel مثلاً؟
يؤكد Richard: "إننا جميعاً لدينا دوافع فردية حيال الشراء والتسوق، وتلك التى تعتمد على السن والنوع والحالة الأسرية وكذلك العرق والطبقة الاجتماعية والظروف المادية".

واستطرد Richard حديثه بأن تقسيم المتسوقيين إلى مجموعات على أساس سلوكهم الشرائي، يجعله قادرا على خلق استراتيجيات عالية ومكثفة تستهدف المتسوقين الأكثر ربحية.

الأهواء:
سواء كان حذاء Manolos هو ما يناسب أحد فساتين دولاب ملابسك أو تريدين شراء بنطال جينز Chloe الشهر القادم، فإن إغواء الموضة ليس لديه الكثير للعمل مع العقل والمنطق.

ويقر Richard بأن 85% من المشتريات تعتمد فى الأساس على العاطفة والأهواء وليس المنطق والإقناع، ولقد قامت X Saatchi & Saatchi بتحديد أربع دوافع عاطفية ونفسية لقرارات الإنسان الشرائية، تتضمن ما يلي:

1- الإشباع العاطفي:
وهو الذي يحصل عليه المشتري من خلال معرفته بأن ما يقوم بعمله هو من أفضل القرارات الشرائية الصائبة والجيدة.

2- الاتصال:
يذكر Richard: "إن المشتري يصبح سعيداً عندما يكون على اتصال عاطفي مع المتجر أو الماركة التجارية، وهذا يفسر كيف يمكن لمحال تصفيف الشعر المحلية أن تتمتع بولاء زبائنها لها، لأنها أصبحت جزءاً من المجتمع".

3- الأمن والحماية:
وهذا هو سبب وجود العديد من المنتجات التى تحمل اسم "مُعدّة اليوم" أو "ماركة مسجلة"، وذلك حتى تنجح فى إقناع العملاء بأن ما يقومون بشرائه منتج قانوني وشرعي أو آمن وطازج.

4- الرغبة التنافسية للشراء:
فمن منا لا يرغب في الحصول على متعة تملك تلك الحقيبة التى ظل ينتظرها ما يقرب من ثلاثة أشهر؟

النوع:
إن حبك أو شغفك للشراء يعتمد كثيرا على نوعك أو جنسك، وتوضح Eda ذلك قائلة: "أن الرجال يذهبون مباشرة إلى مقصدهم وشراء ما يريدون، على عكس النساء اللاتي تجول وتصول بين ذلك المتجر وذاك، مهدرة العديد من الأوقات حتى تصدر قرارها النهائي فى الشراء".

فكل امرأة لها دافعها فى الشراء والتسوق، وترى Eda: "أن الجودة والقيمة المادية هما من أهم العوامل التى تؤثر على المرأة أثناء التسوق، ونحن علينا أن نكون محددين ودقيقين فيما نود شراؤه".

وتحدثنا مصممة الأزياء Rohini Gehani (29 عاماً) أنها تعرف جيدا ما ترغب فى شرائه، فهى تدخل المتجر باتجاهات معينة ومحددة فى عقلها، فتقول:

"أنا أعرف أنني إذا أردت شيئاً ما فسوف أحصل عليه فى النهاية، كما إنه ببساطة إذا أعجبني منتج معين يكون من السهل جدا إيجاد السبيل للحصول عليه".

واستطردت قائلة: "إن التسوق نوع مختلف للسعادة بالنسبة لي، حيث إنني أحب كثيرا فكرة اقتناء الأشياء الجديدة".

أما عن عملها كمصممة أزياء، فإن Rohini لا تقوم مطلقاً بإخفاء ما اشترته سواء كان صغيرا أو كبيرا، فتقول:"أنا فخورة جدا بمشترياتي وعائلتي تعلم جيدا أنها فريدة من نوعها، لذا فأنا أعرض عليهم كل ما أقوم بشرائه".

وتضيف قائلة: "ولكن فى بعض الأحيان أقوم بإخفاء الفواتير، وهذا لأني لا أريد أن يحسب أحد كم أنفق من المال، وفى النهاية فإن قائمة مشترياتي تعتمد تماما على المنتج ذاته، وعما إذا كان مناسبا للاتجاهات التى وضعتها فى مفكرتي من عدمها".

الجماليات:
هل لاحظتِ تلك الجماليات التى تجعل من خبراتك الشرائية أكثر متعة وإثارة؟

إن بعض المحال التجارية تقوم بوضع الزهور الطبيعية فى بداية المدخل، والبعض الآخر قد يستخدم الروائح العطرة والشموع المضيئة لجذب المشتريين وتشجيعهم على الدخول.

ومع لحظة الدخول تلك يكون من السهل جدا أن يتم الشراء، حيث إن أول 10-20 قدم داخل المتجر تسمى بـ"منطقة الضغط" والتى يعد هدفها الوحيد هو ترغيبك فى الشراء.

وعند الدخول فإنكِ تميلين للاتجاه إلى اليمين، حيث إن معظمنا من أصحاب اليد اليمنى، وحيث أن معظمنا يقوم بذلك بصورة لا إرادية، فإن الـ 5-10 خطوات ناحية اليمين من المدخل تعد المنطقة القاتلة للمبيعات، وذلك لأن التجار يقومون بوضع أغلى وأفضل ما لديهم من سلع وبضائع.

كذلك فإن هناك الممرات الواسعة التى توفر مساحات كبيرة للزبائن وأيضا الممرات الضيقة التى تقل بها البضائع، وبتلك الطريقة تزيد البضائع بنسبة 30%.

المجمع التجاري"المول":
مع تزايد استخدام الإنترنت أصبح التجار يتساءلون: هل من الممكن للتسوق الإلكتروني أن يحل محل التسوق والشراء فى المجمعات التجارية؟

ربما لا، وهناك سبب واحد لذلك وهو أنكِ لا تستطيعين محاولة أو تجريب ما تريدين شراءه من ملابس.

وتتحدث Eda "أن التسوق خبرة، ولكن الشراء عبر الإنترنت يبدو غير شخصي للبعض، فالتسوق الإلكتروني لا شك أنه سريع ومقنع ولديه العديد من المميزات مقارنة بالمول التقليدي، وخاصة إذا أتى الأمر للأسعار التى تجذب العديد من الزبائن".

أما من الناحية الاجتماعية فتقول أن أغلبية المشتريين مازالوا يفضلون زيارة المولات، وذلك للاستمتاع بالديكورات والأثاث والعديد من الخصومات والعروض، أو ربما من أجل مقابلة الأصدقاء والجلوس فى المقاهي المختلفة، لذلك فهي تجربة شاملة،وليست شرائية بحتة.

وتؤكد Eda "أنه على عكس الشراء الإلكتروني، فإن العملاء يحصلون على نظرة واقعية عن مشترياتهم ومن ثم التأكد بأنهم قاموا بأخذ المنتج المناسب والأفضل إلى منزلهم".

فتنة الشراء والتسوق:
تخبرنا دكتورة "شيماء رشيد" أستاذ الطب النفسي للأطفال والمراهقين أن أكثر ما نحصل عليه من الخبرة التسويقية أو الشراء يمكن أن يتحول إلى تفاعل كيميائي داخل أجسامنا.

"فالمعالجة عن طريق التسوق قد تعمل على تحفيز الدوبامين، وهو هرمون الإندروفين الذي يفرز فى المخ استجابة لنشاط معين ويعمل على توليد الإحساس بالبهجة والسعادة التى يشعر بها المتسوقون، ومن خلال تحفيز ذلك الهرمون يتعزز الشعور بالرضا والإنجاز لدى المتسوقيين بعد الشراء، الأمر الذي يجعلهم يرغبون فى تكرار تلك التجربة مرة أخرى".

وفى حين أن معظمنا لديه القدرة فى السيطرة على تلك الرغبة أو عدم الاندافع نحو الشراء، هناك البعض الذين لا يستطيعون التحكم فيها مطلقا، وهم المشترون المتعسفون أو من يوصفون بـ"Oniomaniacs" وهو مصطلح نفسي يشير إلى مدمني الشراء والتسوق.

 ولكن إذا أتى الأمر إلى مدمني الشراء الحقيقيين، فإن دكتورة شيماء تقترح أن هؤلاء يحاولون سد فراغ داخلي قد نشأ فيما بينهم.

"فالعديد من النساء تعترفن بأنه بعد الطلاق أو الإنفصال، قد تنغمسن فى الشراء وذلك من أجل الحصول على إحساس الإنجاز الذي تشعرن به بعد ذلك".

وولع الشراء قد يرتبط أيضا بالحرمان العاطفي منذ الطفولة وبالأخص الوحدة،ومن ثم فإن مدمني الشراء قد يتخذونه سببا للإفراط فى التسوق، وكسبيل للتصدي للشعور بانخفاض الذات، وكذلك لإمدادهم بالدعم العاطفي الذي حرموا منه فى وقت مبكر من عمرهم.

وتتحدثVibha Dania إحدى مدمنات الشراء بأنها ترغب في شراء العديد من الأشياء التى لا تحتاجها، مما يشكل عبئا نفسيا بالنسبة لها، حيث تقول:
"أنا أقوم باستمرار بشراء الأشياء على الفور بمجرد رؤيتها، والتى يمكن أن تكون إما أحذية أو حقائب لليد وربما أحزمة واكسسوارات أو ملابس، فإنها تعد رغبة أكثر منها حاجة".

فالتسوق أصبح إدمانا بالنسبة لـ Vibha حيث تقول: "هناك العديد من الأوقات المتكررة التى أقوم بتنظيم رحلات شرائية إلى نيويورك ولندن أو الهند، وأعود بعدها بمزيد من الحقائب والأمتعة التى تدفع مسئولي الأمن بالمطار لسؤالي عن سبب وجود كل تلك الحقائب فى رحلة لم تستغرق سوى 10 أيام فقط".

وتستطرد قائلة: "إنه ليس فقط ذلك الدافع المادي الذي يدفعني للذهاب من أجل التسوق وعمل كل تلك المشتريات، وإنما أيضا الجانب النفسي على حد سواء،
فالرجوع إلى المنزل وفتح الحقائب وإزالة الأسعار، ومن ثم وضع المشتريات الجديدة فى الدولاب، مثل شكل وإحساس السيارة الجديدة بالنسبة للرجال، فهو يعطيني إحساسا لم أستطع وصفه، ولكنه مساوٍ تماما للإدمان".

وبصورة عامة وشاملة فإنه السبب الكامن وراء ولع النساء وحبهن للشراء ليس فقط رغبتهن فى البقاء على الموضة دائما والحصول على كل ما هو جديد، ولكن وبشكل تآمري، هو سلسلة أو حلقة متكاملة تضم العديد من الأفراد والجهات، ابتداءاً من الخبراء ووصولا إلى التجار الذين يحددون الأسعار و يقررون أى من المنتجات يمكن عرضها، انتهاءاً بمحللي التسويق وعلماء النفس الذين يحافظون على تكامل واندماج والتئام تلك السلسلة.