دراسة طبية: ثلثا السمينين يعتقدون أن احتمالات إصابتهم بالسمنة ضئيلة

الكثير من المرضى لا يدركون عمق مشكلاتهم الصحية
الكثير من المرضى لا يدركون عمق مشكلاتهم الصحية

حينما لا يدرك المرء أنه واقع في «مشكلة صحية»، فكيف يمكن لنا توقع نوعية تعاونه مع الأطباء العاملين على تخليصه من هذه «المشكلة الصحية»؟ وحينما لا يُدرك المرء، الواقع في تلك «المشكلة الصحية»، التداعيات والمضاعفات المحتملة جراءها، فكيف يمكن لنا توقع نوعية جهوده الشخصية للتغلب عليها أو إزالتها؟


الإجابات بلا شك ستكون أن هذا الشخص لن يبذل أي جهد للتخلص من هذه «المشكلة الصحية»، وأنه لن يتعاون مع الأطباء لإزالتها عنه. وهذا بالضبط ما حاول الباحثون من المركز الطبي لجامعة تكساس ساوثويسترن قوله لنا في دراستهم الحديثة المنشورة ضمن عدد 11 أكتوبر (تشرين الأول) من مجلة «أرشيفات الطب الباطني» (Archives of Internal Medicine) المعنية بأبحاث الطب الباطني، وذلك حينما حاولوا بحث أسباب فشل البعض في التخلص من مشكلة السمنة.

وشمل الباحثون في الدراسة أكثر من ألفي شخص مصاب بالسمنة، من الذكور والإناث، ضمن دراسة واسعة باسم «دراسة دالاس للقلب».

ولم تشمل الدراسة، تحديدا، من لديهم «زيادة في الوزن»، بل فقط أولئك الذين لديهم «سمنة» حقيقية بالفعل، أي الذين لديهم نسبة «مؤشر كتلة الجسم» (BMI) فوق 30.

وكانت أعراق المشاركين تشمل أفرادا من ذوي الأصول الأفريقية، والأصول اللاتينية لأميركا الجنوبية، والأصول الأوروبية. وتمكن الباحثون من تقسيم هؤلاء السمينين إلى فئتين، فئة تدرك أن لديها مشكلة السمنة، وفئة لا تدري ولا تعتقد أن لديها سمنة.

نتائج الدراسة قد تكون للكثيرين مثيرة للدهشة والاستغراب أو «غير معقولة»، لكنها لمن هم في الوسط الطبي «حقيقية» و«متوقعة»، ويعايشها الأطباء في كل يوم، ويعانون من «صداعها» مع مرضاهم في كل يوم أيضا.

ومن النتائج أن 80% من أولئك السمينين لا يعتبرون أنفسهم سمينين!.. وأن نسبة الأشخاص الذين اعترفوا بأن لديهم سمنة، وأن عليهم بذل الجهود بالتعاون مع الأطباء للتخلص منها، لم تتجاوز 14% بين ذوي الأصول الأفريقية، و11% بين ذوي الأصول اللاتينية، و2% بين ذوي الأصول الأوروبية! ولم يلحظ الباحثون فرقا في هذه الاعتقادات بين الذين تعليمهم ومستوى دخلهم المادي عال، وبين من هم دون ذلك في مستوى التعليم أو الدخل المادي.

كما لاحظ الباحثون أن السمينين الذين لديهم تصور خاطئ عن حجم أجسامهم الكبيرة، كانوا أكثر سعادة بمستوى صحتهم! وكانوا أيضا أعلى اعتقادا بأن الاحتمالات ضئيلة لجهة إصابتهم بارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أو الإصابة بالنوبات القلبية، كتداعيات محتملة للسمنة مستقبلا.

لكن الأعجب والأكثر إثارة للدهشة هو أن ثلثي هؤلاء الذين لا يدركون بالفعل أنهم في الحقيقة سمينون، كانوا يعتقدون جازمين أن احتمالات إصابتهم بالسمنة ضئيلة!.. ونصفهم يعتقدون أن صحتهم أفضل من صحة غالبية أقرانهم في العمر الذين ليست لديهم سمنة!.. ودلل 44% منهم على سلامة حالهم الصحية بأنهم لم يحتاجوا إلى مراجعة الطبيب خلال العام المنصرم، فلماذا عليهم القلق من حالتهم الصحية بالرغم من السمنة؟!

وعلقت الدكتورة تيفاني باول، الباحثة الرئيسة في الدراسة، بقول ما مفاده أن «الدراسة توضح حقيقة النقص في إدراك تأثيرات السمنة على صحة الشخص السمين.

وبناء على هذه النتائج التي تشير بوضوح إلى أن الكثيرين من البدينين لا يرون أنفسهم سمينين بالفعل، فإن على الأطباء أن يعودوا خطوة للخلف قبل مناقشة هؤلاء حول ضرورة الحمية الغذائية أو ممارسة الرياضة البدنية، وذلك بأن يسأل الطبيب أولا الشخص المصاب بالسمنة: هل تعتقد بالفعل أن لديك سمنة وأن عليك تخفيف وزن جسمك؟».

والواقع أن هذه الدراسة واحدة من عشرات الدراسات الطبية الحديثة التي تتحدث لنا بشفافية حول فهم الكثيرين للمشكلات الصحية التي لديهم وتداعياتها المستقبلية عليهم. والأطباء في عياداتهم يواجهون كل يوم، وبشكل متكرر، «صداع» عدم إدراك المرضى لمشكلاتهم الصحية، وعدم تعاونهم مع العاملين في الوسط الطبي لتخليصهم منها.

ولئن كانت مشكلة السمنة أوضح في نظر الكثيرين من «نار على علم»، فإن هناك الكثير من المشكلات الصحية «العويصة» والصعبة، والتي أول من قد لا يدرك وجودها وأهميتها وخطورة تداعياتها، هم المصابون بها.

وكثيرا ما يعاني الأطباء من تفهيم مرضى السكري أهمية الحرص على ضبط نسبة سكر الدم، والحفاظ على مستوى متدن للكولسترول والدهون الثلاثية، وضرورة إجراء الفحوصات الدورية لضمان التأكد من سلامة عمل الكلى وشرايين الجسم وشبكية العين. كما الأطباء يعاني كثيرا من نوعية تفاعل مرضى ارتفاع ضغط الدم وشرايين القلب والتهابات الكبد وضعف الكلى وغيرها من الأمراض المزمنة، مع الجهود الطبية في معالجتهم ومتابعة حالتهم الصحية.

الأطباء عليهم أولا، وإلى ما لا نهاية، أن يتحلوا دائما بالصبر، لأنهم اختاروا خدمة المرضى. وليس المرضى كلهم يعترفون بالضرورة بوجود المشكلة الصحية لديه، وليسوا جميعا مدركين لتداعياتها ومضاعفاتها، وليسوا كلهم مقتنعين بضرورة وإلحاح الحاجة الماسة إلى معالجتها.

وإن كان البعض يستغرب نتائج مثل هذه الدراسة، فإن ما يراه الأطباء كثيرا في حياتهم العملية، هو حقيقة أغرب.