«الأوتوترام» .. أبتكار ألماني يجمع بين الحافلة والترام

«أوتوترام» لا يحتاج إلى سكك ولا إلى أسلاك كهربائية تزوده بالطاقة فإنه يصلح بشكل جيد لتحسين النقل في المناطق السكانية الحديثة، أو المناطق التي شهدت انفجارا سكانيا مفاجئا،
«أوتوترام» لا يحتاج إلى سكك ولا إلى أسلاك كهربائية تزوده بالطاقة فإنه يصلح بشكل جيد لتحسين النقل في المناطق السكانية الحديثة، أو المناطق التي شهدت انفجارا سكانيا مفاجئا،

ماذا سيبقى من السكك الحديد حينما تتخلى القطارات عن السكك الحديد التي تسير عليها وتنزع عنها أسلاكها الكهربائية التي تمتد آلاف الكيلومترات معها؟ الرد يأتي من العلماء الألمان، في 33 معهدا من معاهد فراونهوفر المعروفة، التي أخذت على عاتقها مهمة تطوير عالم النقل في المدن المستقبلية.


فالعلماء الألمان خطوا خطوات واسعة في مشروع إنتاج الـ«أوتوترام»، وهي وسيلة نقل مستقبلية تجمع بين الترام والحافلة المتعددة العربات، وتعد ببيئة مدنية أكثر حضارة.

وهذا يعني أن الـ«أوتوترام» سيحدث ثورة في عالم النقل، يغير وجه المدن الكبيرة، سيقتصد للبشر كميات هائلة من الطاقة، ويمنح حماية البيئة عنوانا جديدا. فالـ«أوتوترام» مجهز للحركة المرنة في كل الشوارع، لا يحتاج إلى أنفاق ولا إلى بنى تحتية كبيرة.

وذكر أولريش باتوف، من معهد فراونهوفر لتطوير النقل والبنى التحتية في دريسدن (شرق)، أن الحديث عن شبكة الـ«أوتوترام» لا يزال مبكرا، لكن النسخة المصغرة الأولى من الترام الهجين تم إنتاجها فعلا، وحقق العلماء الكثير على صعيد تقنية البطاريات التي يعمل بها.

وعمل الباحثون طوال خمس سنوات على تطوير كهربائية العمل ودمج الأنظمة المختلفة في المشروع. فالقطار الهجين يعمل ببطاريات صغيرة نسبيا وخارقة في ذات الوقت، يسير على عجلات مطاطية «هامسة» لا تصدر احتكاكا وصوتا مع الإسفلت، يسير على خط أبيض في الشوارع، هو البديل عن السكك الحديد، ثم إنه لا يحتاج إلى شبكات الأسلاك الكهربائية التي تسير معه أينما كان، لا يمكنه دونها العمل أو تغيير الطريق.

ويزود علماء المعهد عربات الـ«أوتوترام» ببطارية (على سقفه) تكفي كل مرة لتسييره عدة كيلومترات قبل أن تحتاج إلى إعادة شحن مرة أخرى. والبطارية من حجم حقيبة ملابس كبيرة، مشحونة بسائل خاص يعمل بين مكثفين عازلين، من توتر 700 فولت، وترسل تيارا كهربائيا بقوة تزيد على ألف أمبير.

الجديد أيضا في هذه البطارية أن 30 - 60 ثانية تكفي لشحنها مرة أخرى والسير لبضعة كيلومترات إضافية، وهذا يعني أن فترة التوقف في كل محطة، حيث ستتوفر مستقبلا مصادر الشحن، تكفي لشحن البطارية، وبحيث لا تؤثر فترة الشحن على العمل أو خطوط النقل. مع ذلك، حسب مصادر باتهوف، يجرب العلماء أنواعا بديلة من البطاريات، والمطروح بقوة هو نوع جديد من خلايا الوقود.

الـ«أوتوترام» سيختزل إذن في الطاقة ما يقدر بنحو 93 ألف كيلوواط ساعة عن كل ترام يعمل لفترة 24 ساعة في المدينة، وهذا قدر هائل من الطاقة المحفوظة حسب تقدير الباحث الألماني. ولتصوير مدى الطاقة التي سيجري الاقتصاد بها، فإن الطاقة الكهربائية المهدورة عند كل فرملة لسائق الترام تكفي عمليا لقيادة الترام من محطة إلى أخرى.

وتعاون 11 معهدا مختلفا من معاهد فراونهوفر على صناعة بطاريات تستخدم تقنية أيونات الليثيوم، وهدفها خزن الطاقة الكهربائية فقط. ويكفي خزين هذه البطاريات لتحريك الـ«أوتوترام» مسافة 4 محطات.

وتولى معهد فراونهوفر لابتكار المواد الجديدة مهمة إنتاج مواد جديدة سريعة الإيصال للكهربائية تستخدم في صناعة الدوائر الكهربائية التي تحرك الترام الجديد.

ويحرص هذا المعهد على إنتاج مواد خفيفة، غير ضارة للبيئة، لا تطلق الروائح عن تسخينها أو الاحتكاك بها، ثم إنها خفيفة ومتينة في ذات الوقت. وستستخدم هذه المواد في بناء هيكل الـ«أوتوترام» وبالتالي اختصار وزنه «الحديدي» الهائل بنسبة 40% تقريبا.

واعتبر أولف فالتر، من معهد فراونهوفر للمكائن الكهربائية، إنتاج الـ«أوتوترام» تحديا لصناعة السيارات الكهربائية وتفوقا على تقنياتها.

فالسيارات الشخصية الصغيرة، كما هو معروف، تعمل في المدن يوميا لساعتين كمعدل، وتقف نحو 22 ساعة، في حين أن الحافلات والترامات في حركة دائمة قد تصل إلى 24 ساعة في اليوم.

وهذا يعني تحريك القطارات الضخمة بالكهرباء، دون أسلاك، ودون إلحاق الضرر بالبيئة. فالفحوصات الأولية على النموذج الأول من الـ«أوتوترام» تثبت أن معدل إطلاقه لذرات غاز ثاني أكسيد الكربون تبلغ الصفر، كما أن إطلاق غاز الميثان يقترب من الصفر أيضا.

وللمستقبل القريب جدا عمل المعهد، بالتعاون مع شركة «راين نيكار» للنقل، على تطوير تقنية جديدة للاقتصاد بالطاقة التي يستهلكها الترام الكلاسيكي العامل في المدن.

وتعتمد الطريقة على جهاز إلكتروني يسمى (حافظ الطاقة) يعيد الطاقة الكهربائية، التي يفقدها الترام عند كل فرملة وعودة للحركة، إلى الدورة الكهربائية، وهو ما يقتصد بملايين وحدات الكيلوواط ساعة.

وذكر مارتن دي بيك، رئيس شركة «راين نيكار» للنقل، أن الجهاز يتم تجريبه حاليا على 19 قطارا يعمل بين مدينتي هايدلبيرغ ومانهايم (جنوب)، وتستخدم فيها تقنيات مختلفة للتجربة، بينها الجهاز الحافظ للطاقة.

وتتعاون شركة «سيمنز»، وهي عملاق الصناعة الألمانية في الأنظمة الكهربائية وصناعة محركات الطائرات والقطارات السريعة، مع معهد فراونهوفر لتطوير طريقة جديدة لتقليل استهلاك الطاقة الكهربائية من قبل شبكة الترامات السائدة.

ويجري العمل حاليا على نظام لخزن الطاقة في بطاريات كبيرة تحت السكك (في باطن الأرض)، وتوصل التيار الكهربائي إلى القطار بطريقة الحث، أي دون الحاجة إلى أسلاك.

ويقول د.ماتياس كلنجر، رئيس معهد فراونهوفر لأنظمة الحث الكهربائي، إن النظام لا يشكل أي خطورة على البشر أو سير المرور، كما يختزل الكثير من الطاقة والعمل والمال.

تمول جمهورية ألمانيا الاتحادية هذا المشروع بأكثر من 44 مليون يورو، وتساهم وزارة البحث العلمي أيضا بنحو 16 مليون يورو.

ويهدف المشروع إلى تطوير تقنيات تخطيط المدن الحديثة، وتحسين أنظمة خزن الطاقة، وتطوير مكائن السيارات الكهربائية، ورفع طاقة خزن البطاريات، ودمج الأنظمة التقنية الجديدة... إلخ وسيكون سكان مدينة دريسدن عام 2012 على موعد مع الاستخدام الأول للنسخة الأولى من الـ«أوتوترام» على شوارع المدينة.

والنسخة الأولى عبارة عن ترام «هجين»، بين الترام والحافلة، مؤلف من عربتين طول الواحدة منهما 15 مترا. والـ«أوتوترام» المذكور عريض ويتسع لعدد كبير من الناس، لكنه يختلف عن الترام بقدرته على دخول شوارع غير مرسومة له عند حصول زحام أو «جلطة» شارعية قد تتسبب في توقف المرور، كأن تحصل حادثة تقطع السير.

ولأن الـ«أوتوترام» لا يحتاج إلى سكك ولا إلى أسلاك كهربائية تزوده بالطاقة فإنه يصلح بشكل جيد لتحسين النقل في المناطق السكانية الحديثة، أو المناطق التي شهدت انفجارا سكانيا مفاجئا، أو في التجمعات السكانية المؤقتة خارج المدن.

فمد خطوط السكك والأسلاك، وغيرها من الهياكل الارتكازية اللازمة للترام التقليدي، يستغرق وقتا طويلا، في حين يعمل الـ«أوتوترام» بالبطارية ويكفي شحنه كل مرة لدورة نقل كاملة داخل التجمع السكاني الجديد.