«شوبار» .. تحتفل بميلادها الـ150 بموسوعة حيوانات

كارولين جريوزي شيفوليه: امتلاك عائلتي للدار يجعلنا في موقف قوي.. فنحن لا ندين لأي بنك ولسنا مطالبين بشرح وضعنا للمساهمين
كارولين جريوزي شيفوليه: امتلاك عائلتي للدار يجعلنا في موقف قوي.. فنحن لا ندين لأي بنك ولسنا مطالبين بشرح وضعنا للمساهمين

شمس ذهبية، مياه لازوردية، يخوت ضخمة.. نجمات لا يضاهي بريقهن سوى بريق المجوهرات، ومصورون ببدلات رسمية..نعم إنها مدينة «كان» المترامية على أقدام فرنسا جنوبا في ارتخاء ودلال، أما المناسبة فمهرجانها السينمائي السنوي، حيث يلتقي الماء والخضرة بالوجه الحسن ومظاهر الترف.


عندما أزيح الستار عن دورته الـ63 في شهر مايو (أيار) الأخير، كانت دار «شوبار» السويسرية هي الأخرى تحتفل بمرور 150 سنة على تأسيسها.

اختيار الدار السويسرية العريقة للمدينة والمهرجان لكي تحتفل بعيد ميلادها، ليس غريبا، إذ إن علاقتها بالسينما ومهرجان «كان» بالذات أصبحت من الأمور الطبيعية بوصفها ترعاه، وهي التي صممت سعفته الذهبية منذ نحو عشر سنوات، لكن العلاقة التي أثارت الانتباه هي تلك التي ربطتها، ولأول مرة، بعالم الحيوانات.

فهذه أول مرة تستقي منه رئيستها التنفيذية لقسم المجوهرات ومصممتها الفنية، كارلين جريوزي شيفوليه، كل تفاصيلها وحركاتها وأشكالها من هذا العالم المثير، الذي لم تفكر فيه من قبل، حسب اعترافها: «هذه أول مرة نقتحم فيها هذا العالم بكل قوتنا، فإلى جانب الدببة، هناك الفئران والبومات والنمل والنحل والفراشات، والقرود وكل ما يخطر على البال، بما في ذلك الحشرات.

كان لا بد أن نقوم بشيء مختلف تماما هذه المرة. شيء يرقى لأهمية المناسبة، الأمر الذي كان يشغلني ويؤرقني.

ففي العام الماضي، وخلال زيارة لكازاخستان، استيقظت في الساعة الثانية صباحا، ولم أستطع العودة إلى النوم.

وبما أني تعودت منذ طفولتي أن اصطحب معي في كل أسفاري حيوانات محشوة، أحبها إلى نفسي قرد وأرنب صغير، لا أتخلى عنهما، ويؤنسان وحدتي، إذ إن والديَّ كانا يصران على سفري وحدي في سن صغيرة، نظرت إلى القرد، وشعرت كأنه يريد أن يقول لي شيئا بعينيه، فقلت له: «ربما علينا أن نقوم بشيء حول القردة، ما رأيك؟»، وهكذا ولدت الفكرة وتطورت إلى موسوعة كاملة، احتاجت إلى فريق كبير من المصممين والصائغين والرسامين لتنفيذها».

بعد عودة كارولين من كازاخستان، انكبت على قراءة الكتب ومراجعة الصور حتى لا يفوتها أي تفصيل، وكلما غاصت في هذا العالم، وضحت لها الفكرة أكثر: «لم أكن أريدها أن تكون جادة، بل أقرب إلى الكاريكاتورية حتى تكون مختلفة.

وبالفعل، إذا لاحظت فإن كل واحد من هذه الحيوانات أو الحشرات ليس جامدا، بل متحركا كأنه في بيئته الطبيعية.

فالقرود مثلا تقشر المانغو وتقفز على الأغصان، الضفدع يقدم ماسة وكأنه الأمير المسحور في قصص الأساطير، أي أن لكل قطعة قصة».

نجحت كارولين في تطبيق فكرتها في أن تكون مختلفة عما تقدمه بيوت المجوهرات الأخرى التي لها باع أطول مع كائنات الأدغال والبراري، وجاءت موسوعتها تغلي بالحياة والحركة، من أسماك، وأفراس النهر، سلاحف، قرود المكاك، دببة وغيرها مما تحفل بها قصص الأساطير، وحكايات الأطفال، وإن كانت أسعارها لا علاقة لها بالصغار على الإطلاق.

ما إن تم الانتهاء من الرسومات، حتى بدأت عملية البحث عن الأحجار التي كانت يجب أن تكون بمواصفات معينة: أن تعكس اللون والضوء على كل قطعة، وتخلق بيئة تبدو طبيعية.

وكان لا بد للحصول على النتيجة التي كانت تستهدفها، وتغذية الحلم والفانتازيا، من التسلح بالجرأة وتجربة تقنيات جديدة، بما فيها تقنية الأبعاد الثلاثية، وهذا ما حصل.

فنظرة واحدة على أي قطعة تؤكد أن تركيبها وتنفيذها لم يكن سهلا، وكان يحتاج إلى دقة وخيال واسع، إلى جانب مجموعة كبيرة من الأحجار بشتى الألوان والأحجام، وربما هذا ما يفسر أن جزءا كبيرا من هذه المجموعة لم يجهز بعد، وما زال العمل قائما عليه إلى الآن.

فهناك قطعة تجسد مجموعة من سمك السردين، مثلا، احتاجت إلى 180 ماسة مختلفة، ناهيك عن الوقت لتثبيث كل واحدة في موضعها المناسب حتى تبدو كأنها تسبح مع التيار في انسيابية هادئة.

لكن رغم أن الكثير منها لا يزال طور التنفيذ، فإن عدد الزبائن كبير، ولائحة الانتظار طويلة. وبمجرد أن اختتمت فعاليات مهرجان «كان»، توجهت كارولين إلى موسكو، ومنها إلى كازاخستان، ثم لندن ودبي وهلم جرا من العواصم العالمية، التي عدتها كارولين، ووصلت إلى 30 مدينة، الأمر الذي يشير إلى أن زبائن «شوبار» لم يتأثروا بالأزمة المالية.

ما يؤكد هذا الاعتقاد أن كمية الأحجار الكريمة التي ترصع مجوهراتها وجودتها وندرتها، لا يشجع الدار على الكشف عن أسعارها إلا لزبائن معروفين لديهم، ويتمتعون بالإمكانيات العالية التي لن تعرضهم لأي سكتة قلبية.

فدار «شوبار» معروفة بسخائها في استعمال كل ما كبر حجمه وصفا بريقه، إلى حد أنها تعاقدت أخيرا مع «موزو إنترناشيونال» الشركة المسيطرة على أكبر منجم للزمرد في كولومبيا منذ 2009، للحصول عليها، لما تشتهر به من جودة عالية.

كارولين توضح أن عدم تأثرها بالأزمة المالية مقارنة بغيرها، يعود إلى أن الدار السويسرية مستقلة، ولا تزال ملك العائلة التي تديرها وتتحكم فيها: «هذا ما يجعلنا في وضع جيد، فنحن لا نستدين، وبالتالي لا ندين لأي بنك، كما أنه ليس علينا أن نشرح وضعنا للمساهمين، مما يجعل موقفنا قويا، ويمنحنا الحرية الفنية والاستقلالية.

الشيء الوحيد الذي نأخذه في عين الاعتبار في هذا الصدد، مسؤوليتنا تجاه موظفينا، الذين زاد عددهم إلى 1700 يعملون في 120 محلا خاصا بنا في أنحاء متفرقة من العالم».

هل هذا يكفي كارولين وطموحها؟
أبدا، فهناك الكثير مما يمكن أن تنجزه، حسب قولها، والكثير من بلدان العالم التي تريد أن تتواجد فيها، بشرط أن تحافظ على هوية الماركة ورقيها: «علينا أن نسيطر تماما على صورة الدار حتى لا تصبح تجارية، وذلك لا يأتي إلا بالحرص على جودتها». هذه الجودة تأتي من نوعية الأحجار التي تبحث عنها في كل مكان.

فالحجر إذا كان نفيسا ونادرا، كما تقول، تلهمها، لأنها في هذه الحالة، تضعها في تصميم يبرزها من دون منافسة، حتى لا تخفي جمالها، أو تسرق التفاصيل الأخرى الأضواء منها.

أما في حال مجموعتها الحيوانية الجديدة، فقد كانت هناك قطع، أو بالأحرى حيوانات، فرضت نوع الأحجار، وشنت عملية بحث كبيرة على أحجام معينة وألوان محددة، حتى تروق لكل باحث عن تحفة فنية.

وتعترف كارولين أن عالم الحيوانات، ليس بالعالم الذي يروق لكل الأسواق، ففي الوقت الذي سيمس وترا حساسا بداخل الصينيين وثقافتهم، فإن زبائن الشرق الأوسط، قد لا يقبلون على كل الأشكال، رغم إعجابهم بفنيتها ومرحها وشقاوتها. لكن يبقى المهم بالنسبة لها أن كل ثقافة ستجد في الموسوعة ما يروق لها ويدغدغ خيالها.

وتستطرد كارولين أنه حتى في ما يتعلق بالأحجار وأنواعها هناك فروق كثيرة بين الزبائن: «فالصينيون مثلا يعشقون الأحجار الملونة مثل الياقوت والزمرد، والأوروبيون يميلون إلى الماس والقطع الكلاسيكية وهكذا، لكننا نؤمن أن (شوبار) عالمية وتخاطب الكل، ولا تستثني أحدا، وإن تغيرت الأذواق في الآونة الأخيرة، أو بالأحرى طريقة تعاملهم مع المجوهرات.

فهم الآن مطالبون بالأكثر، ولحسن الحظ أننا كسبنا، عبر السنوات، زبائن مخلصين يدعموننا في كل الأوقات».

وهذا ليس غريبا؛ لأن «شوبار» حفرت فعلا اسمها في عالم المجوهرات الراقية، وأصبحت صديقة المخمليات والنجمات على حد سواء. فإذا كانت الأفلام تتنافس على السعفة الذهبية خلال مهرجان «كان»، فإن وطيس المنافسة يحتدم أيضا بين الأزياء والمجوهرات.

منافسة تخرج منها «شوبار» غانمة، خصوصا أنها تصمم في كل عام، قطعة خاصة بالمهرجان تستوحيها من نجمات السينما.

قطعة تقطر رومانسية وفخامة، وتميل إلى الكلاسيكية المبهرة التي لا يمكن لأي امرأة، مهما بلغت درجة مقاومتها، إلا أن تقع أسيرة لبريقها وفخامتها. فكارولين امرأة قبل أن تكون مصممة أو سيدة أعمال، وبالتالي تعرف أي نوع من التصميمات والأحجار والأحجام تناسب الفساتين التي ستظهر بها هؤلاء على السجاد الأحمر، وتسريحات شعرهن، وما إلى ذلك من تفاصيل تزيدهن جمالا وتجعل الصورة متكاملة.

تشرح كارولين: «السينما هي النجم هنا، والممثلات هن النجمات بفساتينهن الطويلة وجمالهن، وهذا ما انتبهنا إليه ونأخذه بعين الاعتبار منذ الدورة الـ60 للمهرجان، التي تزامنت مع مرور 10 سنوات على شراكتنا معه.

حينها أطلقنا تشكيلة خاصة سميناها (ريد كاربت) أي تشكيلة السجاد الأحمر، وبدأنا بـ60 قطعة، والآن، في كل عام نضيف إليها واحدة، نحن لدينا اليوم 63 قطعة خاصة مستوحاة من المناسبة وتخاطب نساء العالم كله، على اختلاف بشراتهن وإطلالاتهن وأذواقهن وثقافتهن .. إنها مثل قوس قزح، في كل عام تتغير وتتطور.

فقد قدمنا هذا العام، مثلا قلادة مصنوعة من التيتانيوم خفيفة جدا مثل الريشة لا تكاد تشعر لابستها بوجودها على الإطلاق.

كان تنفيذها معقدا وصعبا جدا، وكان من المفترض الانتهاء منها في العام الماضي، لكن تأخر إنجازها عاما. القلادة تجسد زنابق الوادي، ومرصعة بشلال من الماس والزفير والتانزنيت، يقدر بنحو 6200 حجرة، ومزجت مادتين مختلفتين، هما الذهب التيتانيوم، مما أسفر عن نتيجة مبهرة تتقاطر فيها النباتات والأسماك والأحجار بانسيابية محسوبة، وكأنها رقصة مائية على سيمفونية من الألوان الهادئة.

الحصول على هذه التحفة الفنية تطلب فريقا من المصممين والنحاتين والصاغة وخبراء متمرسين في قطع الأحجار وتلميعها وتثبيتها، مستعملين تقنيات تقليدية إلى جانب الاستعانة بتقنيات عصرية مثل الحاسوب الآلي ورسومات الديجتال. أما لكي تحصل عليها أي امرأة، فهي تحتاج إلى رصيد بنكي عال».