كيف نعالج مرض الشره العصبي؟

يتصف مرض الشرَه العصبي بدورة مفرغة من الإسراف في الأكل وتطهير الجسم منه
يتصف مرض الشرَه العصبي بدورة مفرغة من الإسراف في الأكل وتطهير الجسم منه

مرض الشرَه (الإفراط في الأكل) العصبي (bulimia nervosa) يتصف بدورة من الأكل المتواصل يتبعها نوع من الأفعال «التطهيرية» لمنع زيادة الوزن.


ويقدر الباحثون أن ما بين امرأة واحدة إلى ثلاث نساء من كل 100 امرأة، يتعرضن لمرض الشره العصبي في فترة ما من حيواتهن. أما بالنسبة للرجال فإن مستويات التشخيص لا تشكل أكثر من نحو عُشر معدلاتها لدى النساء.

بين الإسراف والتطهير
وعلى الرغم من أن الكثير من الأميركيين يكثرون من تناول كميات كبيرة من السعرات الحرارية يوميا (الأمر الذي يفسر إصابة واحد من كل ثلاثة منهم بالسمنة)، فإن الإسراف في الطعام يشمل تناول كميات كبيرة جدا من الطعام خلال فترة محدودة جدا، عادة خلال ساعتين.

وعندما يكون المريض في حالة الإسراف هذه فإنه قد يتناول طبقا كاملا من الكعك بدلا من تناول قطعة أو قطعتين منه، أو يتناول عدة ألتار من البوظة (آيس كريم) بدلا من وعاء واحد منها.

ويصف «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العصبية» في طبعته الرابعة The Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fourth Edition (DSM ـ IV) نوعين فرعيين لمرض الشره العصبي، وذلك وفقا للاستراتيجية التي يوظفها المريض للتخلص من السعرات الحرارية الزائدة.

فالمرضى الذين يشخصون بالنوع الفرعي المسمى «التطهيري» (purging subtype)، وهو أكثر أنواع المرض شيوعا، قد يقومون أنفسهم بحث أجسامهم على التقيؤ والاستفراغ إراديا، أو يستخدمون الملينات أو مدرات البول.

أما في النوع الثاني المسمى «غير التطهيري» (nonpurging subtype) فإن المرضى قد يقومون بإجراء التمارين الرياضية بقوة بهدف التوقف عن تناول الطعام لمدة يوم أو أكثر.

صعوبات التشخيص
وهكذا فقد تبدأ دورة من الإسراف في الطعام ثم الحرمان منه، يقوم فيها المريض بالأكل حتى درجة شعوره بالألم البدني، ثم يعوض عن ذلك بشكل دراماتيكي، بحيث يشعر بالجوع الضاري.

وعندما تظهر مثل دورة الإسراف والتطهير هذه، مرتين على الأقل في الأسبوع وتستمر لمدة ثلاثة أشهر، فإن الحالة ستشخص بأنها مرض الشره العصبي وفقا لدليل الاضطرابات العصبية المذكور أعلاه.

إلا أن التشخيص يكون صعبا في بعض الأحيان لأن المصابين بمرض الشره العصبي يشعرون بالخزي من سلوكهم الغذائي، وينغمسون في السر، في ممارسة عمليتي الإسراف والتطهير.

ولأنهم يتخلصون من السعرات الحرارية الزائدة التي اكتسبوها نتيجة الإسراف، فإن غالبية المرضى يحتفظون بأوزانهم كما هو.

إلا أن استراتيجيات التطهير القاسية - خصوصا عمليات التقيؤ المتواصلة أو استخدام الملينات - تجهد الجسم.

وعلى المدى الطويل، فإن الأشخاص المصابين بمرض الشره العصبي يتعرضون إلى خطر الإصابة بمضاعفات صحية خطيرة، منها عدم انتظام الحيض (irregular menses) أو انتفاؤه (amenorrhea)، الجفاف بسبب قلة تناول السوائل، أضرار في الأسنان واللثة بسبب التقيؤ، انعدام التوازن في المحاليل الإلكتروليتية التي قد تحفز على عدم انتظام دقات القلب، ومختلف أنواع الأمراض الهضمية.

 وجزئيا، وبسبب هذه المضاعفات فإن مرض الشره العصبي قد حاز نسبة 24 في المائة من فترات التنويم في المستشفيات لكل حالات اضطرابات السلوك الغذائي في عامي 2005 و2006، أي أنه جاء في المرتبة الثانية بعد مرض فقدان الشهية العصبي anorexia nervosa.

عوامل بيولوجية ونفسية
أشارت دراسات العائلة والتوائم إلى أن مرض الشره العصبي وراثي بنسبة 55 في المائة، الأمر الذي يعني أن التهديدات من العوامل الجينية الموروثة تلعب دورا أكبر قليلا من دور عوامل الوسط المحيط، مثل نمو الطفل وسط جو ثقافي يحبذ أن يكون الإنسان ضعيف البنية. كما تسهم في حدوث المرض الجوانب النفسية للشخصية.

وكما هو الحال مع مرض فقدان الشهية العصبي فإن الفتيات المهددات أكثر بمرض الشره العصبي يكونن أكثر توجها نحو الكمال، ولكنهن في الوقت نفسه يتمتعن بأقل مستوى من التقدير لذواتهن، ولصورهن (وخصوصا في ما يتعلق بأوزانهن وأشكال أجسامهن).

كما أنهن قد يعانين من مشكلات في أمزجتهن أو في التحكم في سلوكهن. أما المرضى الذين تعرضوا للانتهاكات البدنية أو الجنسية في الماضي، أو الذين يعيشون في عائلات يتشاحن أفرادها ينتقد بعضهم بعضا، فإنهم يكونون أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض الشره العصبي، وكذلك اضطرابات السلوك الغذائي الأخرى.

وغالبا ما يظهر مرض الشره العصبي في وقت متأخر من فترة المراهقة وبداية الشباب، إذ يكون عمر 18 سنة الأكثر شيوعا لبداية المرض.

وقياسيا، فإن المرض يظهر في الفترات الانتقالية، من المدرسة الثانوية إلى الجامعة مثلا.

وغالبا ما يتم تحفيز الإسراف في الأكل، بسبب التوتر، أو المزاج المكتئب، أو الجوع الضاري (بعد الحرمان من تناول السعرات الحرارية)، أو الشعور السيئ في ما يتعلق بوزن الجسم وشكله.

خيارات العلاج
العلاج في العادة متعدد الأوجه ويشمل التوجه إلى عدد من الأطباء. إذ إن الهدف لا يتمثل في إعادة السلوك الغذائي الاعتيادي إلى طبيعته فحسب، بل وأيضا في علاج المضاعفات الصحية وعلاج أي مشكلات نفسية تترتب عن المرض.

وعلى الرغم من أن العلاج الدقيق يعتمد على متطلبات كل شخص مريض، فإن إرشادات جمعية الطب العقلي الأميركية لعلاج مرض الشره العصبي توصي بالبدء بتوليفة من المشورات الغذائية وطرق العلاج النفسي، وأفضلها العلاج المعرفي السلوكي.

- المشورة الغذائية:
لكي يتمكن المرضى من كسر دورة الإسراف في الأكل ثم التطهير، عليهم أن يتدربوا على كيفية تركيب عناصر الوجبات الغذائية وتوقيت الفترات بينها، وعلى تنظيم تناول السعرات الحرارية اللازمة لاحتياجاتهم اليومية بهدف المحافظة على أوزانهم.

العلاج المعرفي السلوكي:
وجدت الأبحاث بشكل متواصل أن هذا العلاج هو أكثر طرق العلاج النفسي فاعلية للبالغين المصابين بمرض الشره العصبي.

وتساعد هذه الطريقة المرضى في التعرف على الأفكار المشوهة لديهم - حول أنفسهم وغذائهم - ثم تغييرها. وتؤدي تلك الأفكار المشوهة إلى سلوك قهري.

كما تساعد الطريقة في البحث عن وسائل للتعامل مع حالات التوتر اليومية.

وتشمل دورة كاملة للعلاج المعرفي السلوكي 20 جلسة تستمر 5 أشهر. وأن لم يظهر أي تحسن بعد مرور 10 جلسات منها، فإن جمعية الطب العقلي الأميركية توصي بإضافة الدواء إلى الطريقة.

وفي الواقع فإن غالبية الأطباء يرون أن توليفة تضم طريقة العلاج المعرفي السلوكي مع الأدوية أو مع طريقة علاجية نفسية أخرى تؤدي مفعولها بشكل جيد جدا.

- علاج العلاقات الشخصية:
وهو العلاج المسمى «interpersonal therapy» الذي يحدد المشكلات بوصفها ناتجة عن العلاقات الشخصية مع الأفراد الآخرين، ولذا فإنه يحاول تحسين تلك العلاقات لكي يتم التخلص من الاضطراب في السلوك الغذائي. ويمكن لهذا العلاج أن يكون علاجا نفسيا فعالا للبالغين.

- المساعدة الذاتية:
تشمل استراتيجيات مساعدة المريض لذاته، والمشاركة في طرق علاجية عبر الإنترنت، والتسجيل في مجموعات الدعم والمساعدة. إلا أن الأبحاث لا تشير إلى فاعلية هذه الطرق مقارنة بالطرق الأخرى.

- أدوية «SS»:
وهي مثبطات استرجاع «السيروتونين» الانتقائية (selective serotonin reuptake inhibitors).

والدواء الوحيد الذي أجازت استخدامه وكالة الغذاء والدواء الأميركية لعلاج اضطرابات السلوك الغذائي، هو «فلوكسيتين» (fluoxetine) («بروزاك» (Prozac.

وعلى الرغم من أن غالبية الأبحاث التي أجريت عليه كانت لبالغين مصابين بمرض الشره العصبي، فإن تجربة مفتوحة صغيرة وجدت أنه مفيد لعلاج المراهقين أيضا.

ولم تجر أبحاث كثيرة حول دواء «سيرترالين» sertraline («زولوفت» (Zoloft، إلا أن دراسة عشوائية مراقبة وجدت أنه فعال أيضا في علاج مرض الشره العصبي لدى البالغين.

وعند علاج مرض الشره العصبي فإن الجرعة من أدوية «SSRI» تكون أعلى من جرعة علاج الكآبة. وغالبا ما توصف الأدوية لفترة تسعة أشهر أو حتى سنة كاملة لدرء احتمال عودة المرض.

وتشير الأبحاث باستمرار إلى أن هذه الأدوية تقلل بسرعة من تكرار دورة الإسراف في الأكل والتطهير، كما أنها تحسن المزاج.

إلا أنها وجدت أيضا أن المرضى الذين يتناولون الأدوية فقط يتوقفون مبكرا على الأكثر عن تناولها، ولذا ينصح بأن يتم تناول الأدوية العلاج بإحدى طرق العلاج النفسي معا. وهناك عدة أدوية أخرى لا تزال في طور البحث.

- العلاج العائلي للأفراد الصغار:
حتى الآن أجريت غالبية الدراسات على طرق العلاج النفسي لمرض الشره العصبي على البالغين.

إلا أن نجاح طريقة العلاج العائلي التي تعرف باسم «طريقة مودزلي» كانت مساعدة في علاج الصغار المصابين بمرض فقدان الشهية العصبي، فقد أخذ الباحثون في تقييم أشكال من هذه الطريقة لعلاج الصغار والمراهقين المصابين بمرض الشره العصبي.

وقد أظهرت دراسة حديثة أن أغلب الصغار والمراهقين بين أعمار 12 و19 سنة الذين استجابوا أكثر من غيرهم لهذه الطريقة العلاجية، كانوا من المصابين بنوع خفيف من مرض الشره العصبي.

نظرة إلى المستقبل
على الرغم من وجود الكثير من خيارات علاج مرض الشره العصبي فإن الاستجابات الجيدة للعلاج على المدى القصير تظل قليلة وغير مشجعة.

فقد وجدت دراسة مراجعة لمؤسسة «كوكران» أن ما بين 19 و42 في المائة من مرضى الشره العصبي نجحوا في التغلب على المرض لفترة قصيرة بعد علاجهم بتوليفة من طرق العلاج النفسي والأدوية، بينما نجح ما بين 36 و39 في المائة، بالاعتماد على طريقة العلاج النفسي وحده، وما بين 20 و23 في المائة بتناول الأدوية المضادة للاكتئاب وحدها.

إلا أن الآفاق بعيدة المدى مشجعة، فالدراسات التي تابعت حالات المصابين بمرض الشره العصبي لفترة 10 أعوام من بداية علاجهم وجدت أن 70 في المائة منهم قد شفوا منه.

علاجات مرض الشره العصبي
- العلاج الذي يوصى به قبل كل شيء لمرض الشره العصبي، هو توليفة من جلسات المشورة الغذائية مع طرق العلاج النفسي، التي تعتبر طريقة العلاج المعرفي السلوكي من أفضلها.

- الأدوية قد تساعد أيضا، إلا أنها تؤدي مفعولها بشكل أقوى، إن استخدمت مع العلاج النفسي.